quot;غير بالأحمرquot; شعار يطرحه الحزب الشيوعي اللبناني في الذكرى الـ 85 لتأسيسه، داعيًا المجتمع إلى التطور وتبني توجهاته. في حين تعاني هيكلية الحزب من صدأ يستشري في داخله. في حين لا ينفي عضو المكتب السياسي في الحزب الشيوعي وجود أصوات تنادي بتجديد الحزب وتطويره وإدخال عناصر أكثر حيوية ونشاطًا وتأثيرًا على برامجه وتكتيكاته وعلاقاته وفكره، وهي مجموعة عناوين كانت مادة نقاش ولا تزال وستستمر في الحزب. ولربما يكون الإنتخاب المباشر من القاعدة اولى الخطوات التي احدثت تغييرًا عبر انتخاب عدد من الشباب والعناصر الجديدة التي تركت تأثيرًا في الهيئة القيادية.
من الأصوات التي ترتفع في الحزب الشيوعي اللبناني منادية بتحقيق تغيير في السياسة المتبعة عضو المكتب السياسي في الحزب الشيوعي سعد الله مزرعاني الذي يعطي المثال بكونه ابتعد عن المناصب بعد دورتين شغل فيهما منصب نائب الأمين العام للحزب يعتبر أن النظام الداخلي للحزب ينص على ذلك، quot;فلا يوجد أحد لا يمكن الإستغناء عنهquot;، بل على quot;الحزب أن يجد لي مكانًا ينسجم مع إمكانياتي وتجربتي ودوري الاجتماعي، لكي أكون فاعلاًquot;، وكذلك مع غيره.
ويشير مزرعاني إلى أن التغيير يسبب quot;نقزةquot; عند الأوساط quot;المحافظة على تراث الحزب والمتأثرة بالعصبية الحزبية التي نشأت في حزب عمره 85عامًا، حيث يصبحون شديدي الحساسية عند الحديث عن التغييرquot;. ولأن هناك جيلاً أمضى ثلاث دورات في الهيئات القيادية لم يعد له حق الترشح وفق النظام، ناقش المؤتمر الأخير إيجاد صيغة تؤمن دخول أشخاص جدد إلى القيادة لأن هناك من سيخرج تلقائيًا، لذا يتوقع مزرعاني أن يُلغى هذا الأمر quot;أنا شاركت في النقاش وأعرف بأي إصرار رفض بعضهم التعديلات، وتتمة الرفض ستكون في المؤتمر القادم حيث سيقولون: معقول فلان يرحل وغيره أيضًا، من سيبقى إذًا؟ عندما سيقولون: انه لا يستغنى عنهم فهل من المعقول أن نرحل كلنا، فلنلغي القرار إذًاquot;، ، لكن نحن قلنا لهم استدركوا الأمر ولم يقبلوا.
آراء متباينة حول الهزائم المتتالية للشيوعي اللبناني في عيده الـ85 |
انتفاضة ونفضة للحزب
وعندما يناقش مزرعاني التغيير على مستوى الحزب الشيوعي فهو يصل إلى quot;إعادة صياغة الحزب بالكامل، وأنا من المقتنعين بأننا لا يجب أن نكون أسرى لصيغة أعطيت دفعة واحدة وانتهت، صيغتنا يجب أن تكون كمن يشتري سيارة ويغيرها بعد فترة لكن مبدأ السيارة موجود، لا أن نكون كمن يحمل ساعته حتى ولو كانت معطلةquot;. من هذا المنطلق يرى مزرعاني أن quot;الحزب بحاجة لنفضة وانتفاضة، وأنا أقول بمحبة أن التغيير أكثر بكثير مما يطلب بعض الشباب اليوم ممن عودهم طري وتجربتهم محدودة، حيث يمكن أن يروا التغيير أن نزيح فلان بينما القضية أكبر وأعمق من ذلكquot;. وارتباطًا بذلك يرى أن الأسئلة المطروحة هي quot;هل صيغة الحزب الشيوعي ما زالت ملائمة؟، وإذا كانت كذلك كيف يمكن أن نفعلها؟، وإذا غير قابلة للفعيل ما هي الصيغة البديلة؟ quot;.
من هنا يرى أن quot;البدء من جديد يعني المزج الخلاق بين حكمة السنوات المتراكمة وحماسة البداياتquot;. ويعتبر مزرعاني أن شعار العيد هذا العام quot;غير بالأحمرquot; يطرحه الحزب quot;للمجتمع وليس مطروحًا على الصعيد الداخلي طالما أن الشعار صاغته الهيئة القيادية للحزبquot;، لكنه لا ينفي وجود أصوات تنادي quot;بتجديد الحزب وتطويره وإدخال عناصر أكثر حيوية ونشاطًا وتأثيرًا على برامجه وتكتيكاته وعلاقاته وفكره، وهي مجموعة عناوين كانت مادة نقاش ولا تزال وستستمر في الحزبquot;. ويشير الى أن وجهات نظر متعددة برزت، quot;جزء منها بقي داخل الحزب على الرغم من أن هناك تباينًا في وجهات النظر، وجزء آخرناقش في أساس المشروع وتحدث عن التجديد ثم خرج من الحزب، حتى أن بعضهم انتقل الى أماكن يمينية والدعوة الى التغيير أصبحت دعوة الى التخلي عن الأهداف العامةquot;.
المؤتمر العاشر والتغيير
ومن الإنتقادات الموجهة لحزب الشيوعي حول توقيت عقد مؤتمره العاشر قبيل الإنتخابات النيابية يعتبر مزرعاني أن quot;توقيت عقد المؤتمر قبيل الإنتخابات النيابية وتحت ضغطها وضرورة الإسراع فيه، أدى لعدم مناقشة الوثائق التي أعدت بالشكل الكافي، وهي لم تعد أصلاً بما يتطلبه الوضع من نضوج ونقاش، فطغى على المؤتمر الطابع الإنتخابيquot;.
لكن مزرعاني لا ينكر أن المؤتمر حمل مزيدًا من الديمقراطية عبر quot;آليات الإنتخاب الحزبي، فهناك عناصر في نظامنا الداخلي تحمل مجموعة من الشروط الديمقراطية التي أدخلناها في المؤتمر التاسع، ومنها إنتخاب المندوبين مباشرة من القاعدة بعد أن كانت في السابق تتم من المناطقية، والمؤتمر أتى بهذا المعنى لتكون تركيبته أكثر ديمقراطيةquot;، وهو لا يتأخر في التعبير عن فخره quot;لأنني كنت من الناس الذين دافعوا عن فكرة الإنتخاب المباشر من القاعدةquot;، معتبرًا أن quot;هذه العملية مكنت القاعدة من أن تكون حاضرة أكثر، وأن تحدث تغييرًا وبرز هذا الأمر في مجيء عدد من الشباب والعناصر الجديدة التي تركت تأثيرًا في المؤتمر وفي الهيئة القياديةquot;.
لكن عملية الإنتخاب المباشر خضعت أيضًا لمصفاة المؤتمر كما يرى مزرعاني حيث يشير إلى أن التغيير الحاصل quot;حوصر بشكل أو بآخر عندما وصلنا لانتخابات المكتب السياسي حيث أتت القيادة نفسها تقريبًاquot;. وهذا الأمر من وجهة نظره quot;ترك هوة بين الواقع الشعبي والقاعدة على الأرض وبين الهيئة القيادية التي عليها أن تبذل جهودًا لتردم الهوة، وأن تمكن القوى وخصوصًا الشابة بمختلف أطرهم لأن اهتمامنا الأساسي يجب أن يكون بالجيل الجديدquot;، مشيرًا إلى أهمية استقطاب quot;الجيل الجديد وإقامة علاقة جيدة معه وجذبه الى صفوف الحزب والا فانه سيترهل، ونحن لدينا مشكلة في مسألة العلاقة مع الجيل الجديد الذي كان وسط الأزمات والصراعات يشعر بشيء من الغربة، فجزء منه ابتعد وآخر انكفأ وجزء دخل في هذه الصراعات والخلافات وبدد طاقاته داخل الحزب بدل أن يبذل الجهد الكافي خارجهquot;.
ويتوقف مزرعاني عند بعض الثغرات في الحزب فيعطي المثال عن إمكانية قيام شخص واحد بتعطيل عمل الحزب في منطقة ما quot;ما يجري لدينا أن هناك شخص في منظمة تابعة للحزب يعطل عمل الحزب لسنين طويلة، لذا يجب أن يكون هناك آليات تحاسب من يعمل ومن لا يعمل فتلقائيا يجب أن توجد طريقة ليأتي من يعمل مكان الذي يلا يعملquot;، وهنا تكمن من وجهة نظره أهمية quot;المحاسبة والمراقبة وإشعار القاعدة بأنها قادرة على تغيير مسؤولها إذا لم يعملquot;. وينتقد الدور الذي لا تلعبه القيادة الحزبية في مجال المحاسبة بينما quot;يجب أن تكون في موقع القادر على مراقبة هذه العملية والحرص عليها ورعايتها بحيث تتدخل لتعالج أي خللquot;، فالأمور لا تكون برأيه quot;إذا كان هذا الشخص معي أسيّر أموره، وإذا لا أعرقلها فهذا من سلبيات الإنتخاب الذي ليس جزءًا من آلية ديموقراطية حقيقيةquot;.
ويعترف مزرعاني بأن الحزب quot;خطواته محدودة في مجال التغيير، لأن هناك من يتمسك بالأساليب القديمةquot; مع أن المطلوب منه quot;عملية تغيير مزدوجة في الخارج كما الداخلquot;، مع أنه يسلم بأن عملية التغيير الداخلي تحتاجها quot;كل الأحزاب، لكن الشيوعي تحديدًا لأنه يقدم نفسه كحزب تغيير وثورة، تغيير بنى كاملة تغييرًا جذريًا وليس تغييرًا إصلاحيًا بسيطًا، فيصبح المطلوب منه أن يقدم النموذج في إحداث تغيير في بيئته ومجتمعهquot;.
ويصف مزرعاني الأصوات التي تنادي بتقبل الآراء ووجهات النظر المختلفة داخل الحزب وخارجه والتشاور فيها، بأنها مجرد quot;حكيquot;، لأن المهم من وجهة نظره quot;تغيير أساليبناquot; لأن الوضع تغير quot;في السابق، كنا في مرحلة العمل السري، وكان الحزب متماسكًا، وبسبب عدم إمكانية اجتماع الناس كان النقاش قليلاً، وبالتالي كان القرار المركزي هو الوحيد الممكن وهناك من يتحمل المسؤولية، لكن الوضع تغير ولم يعد العمل سريًا بل مكشوفًا، كما أنه لكن اليوم هناك إمكانية للنقاش ولتصبح المشاركة هي الأساس، ويجب أن نؤمن مشاركة الناس التي بطبيعتها ميالة للإستئثارquot;. وينبه من كون البيئة المحيطة quot;مريضة، تزخر بالعمل السياسي من نوع الوراثة والزعامة الطائفية والمال والمحاصصة، ونحن نعمل في هذه البيئة فنتأثر، وكما يحاول الحزب نقل شيء منه إلى المجتمع، فالمجتمع أقدر على أن ينقل سلبياته إلينا، خاصة إذا لم يعش الحزب عملية صراع مع الذات والقدرة على التجدد، وفي مختلف الحالات quot;الحكي غير الفعلquot; والدليل أن quot;من تحدثوا عن التغيير تخلوا وغادروا الى خارج الحزب وخارج العمل اليساري حتىquot;.
ويرى مزرعاني أن quot;الحزب يعمل في بيئة متدينة، ليس فقط مجرد تدين بل دخل الدين في السياسة، فكيف سنتعامل معها، ونحن نطل عليها فقط بشعار وحيد هو إلغاء الطائفية السياسية مما يعني للكثيرين إلغاء الدين، ويلح البعض منا على دولة علمانية، وهذا ما يعني أننا نضع حاجزًا بيننا وبين فئات شعبية تأثرت بمسار طويل اجتماعي، حيث التعبير عن الهواجس الإجتماعية والمصيرية من خلال الدين، فالمرء يحتمي بدينه أو يُستهدف بسببه، ويعيش أو يموت. والتعامل مع هذاا الواقعؤ يكون عبر الحديث عن الدولة المدنية أو غير الطائفية بدل العلمانيةquot;. ويضيف quot;المرء إما يعمل مع المجتمع أو من دونه، ولكن إذا كان يريد التغيير الجدي يجب أن يكسب ثقة الناس، فإذا أردت عمل ثورة تحتاج لأن يتعاطفوا معك، وإذا أردت النجاح في الانتخابات تحتاج لأصواتهمquot;. ويعتبر مزرعاني أن quot;الحزب خسر الكثير ومن بقي فيه كانوا الأكثر ارتباطًا به والأقل تطلبا من ناحية الأسئلة والفكر والوعي وهؤلاء إنتاجيتهم في هذا المجال أقلquot;.
لا للإنعزال
وفي ظل الوضع السياسي الراهن في لبنان يتساءل مزرعاني عن كيفية العمل quot;في هذا الوضع المعقد، حيث ان البلد مقسم وكل زعيم طائفة يحرز 80 الى 90% من طائفته، هل سنقول لا علاقة لنا بأحد وسنتساعد مع الناس حسب القضايا والمواقع؟quot;. ومن وجهة نظره لا يجب على الحزب التقوقع على نفسه بل التواصل مع من لديه الأفكار ذاتها، ومع من يتقاطع معه في القضايا quot;إذا كان هناك من يطرح أفكار الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير يجب أن نتواصل معهم. وإذا كان بلدنا مهدد من إسرائيل وهناك مقاومة يجب أن نتيح إمكانية التفاعل معها، ولا يعني هذا اندامجنا بهذا أو ذاك، فلا هم يريدون ولا نحن كذلك ولا يمكننا أصلا، فمن لديه مشروع ديني غير الذي لديه مشروع شيوعي ومن يرتبط بمرجعية في الخارج يختلف عن من لا مرجعية له وصحيح نحن كان لنا مرجعية في الخارج في السابق لكنها انتهتquot;.
ويهتم مزرعاني بالتأكيد على ضرورة تميز الحزب الشيوعي في طروحاته quot;نحن بحاجة إلى تفعيل عناوين خطتنا السياسية، فلدينا جزء من أرضنا محتل وأرضنا مهددة، ولدينا نظام صار كارثة على البلد لأنه كلما قويت الطوائف ضعف البلد، ولدينا ازمة اقتصادية اجتماعية فظيعة وقطاعاتنا المنتجة مضروبة ولا يوجد استقرار أو أمنquot;، معتبرًا أن العمل على هذه المسائل quot;يظهر تمايزنا بشكل طبيعي ولا يكون مفتعلاً، فليست الأمور أني أريد التمايز عن الآخر بأني لا أرتدي لفة وهو يرتديها، تمايزي عنه يكون ببرنامجي، فحزب الله على سبيل المثال لا يهتم ولا يعتبر القضية الإقتصادية الإجتماعية الأساس وهو يقول إن أولويته المقاومة. نحن تعنينا المقاومة لكن يعنينا أيضًا وضع الناس، ومن خلال الدخول على الحالة الإقتصادية الإجتماعية نحرر الناس من تأثير العصبيات المذهبية والطائفيةquot;.
لكن التحركات التي نظمها الحزب الشيوعي مؤخرًا والتي تتعلق بانقطاع الكهرباء وغلاء البنزين والضرائب لم تلاقِ الإقبال المتوقع مع أنها قضايا تعني كل الناس، ويشير مزرعاني الى أن تدني نسبة المشاركة في التحركات عائد لأن الناس تعتبرها quot;تحركات حزبية فئوية، بينما هناك في أحياء عدة شباب يتحركون احتجاجًا ويحرقون الإطارات مما يعني أن الحاجة موجودة لكن يجب أن نجد الأشكال للتعبير عنها، والشكل الحزبي المباشر ليس الأمثل، حيث يصبح من يأتي الى التظاهرة وكأنه مع الحزب الشيوعي، بينما هو مواطن يريد الكهرباء، لذا يجب أن نقدم له صيغة أهليةquot;، لذا يفترض مزرعاني أن الذي يجب عليه التحرك quot;النقابات والإتحادات، وعلينا العمل على الوعي الموجود لدى الناس وهذا يجب أن نجد له أساليبquot;.
ويقدم المزرعاني النموذج على حركة التجديد في الأساليب والتي يقوم بها الشباب quot;أنا مرتاح لنشاطهم وحيويتهم ومطالبهم واندفاعهم، وهناك نموذج لمبادراتهم الجميلة عند قيام مجموعة من شباب الحزب بمشاعدة مواطن على قطف الزيتون في الكورة، وهم بذلك يجددون أساليبهم، فلا يقتصر نشاطهم على الإعتصام أمام السفارة الأميركية فهذا ليس النشاط الوحيد مع أنه في فترة كان كذلكquot;.
صوت الشعب.. صوت الحزب
أما دور وسائل اعلام الحزب كإذاعة صوت الشعب ومجلة quot;النداءquot; في التغيير، فيراه مزرعاني دورًا مهمًا، وكونه يتولى مسؤوليات الإذاعة فهو يتحدث عن الوضع فيها فيقول quot;نحن نحاول في صوت الشعب أن نحدث حيوية وحركة، وأنا استلمت مهامي منذ شهرين، فوجدت كما من المشاكل المالية والإدارية، لكن مع ذلك نحاول أن نوجد فيها مادة تتناول حوارات حول بناء اليسار ومشاكله وأزماته على أمل أن نثير اهتمام الذين ما يزال لديهم هذه الهواجس نتيجة خبرة وتجربةquot;.
التعليقات