لم يقف الاهتمام الشعبي والرسمي الواسع بمباراة مصر والجزائر حائلاً دون الحفاوة بعيد الجلوس الثامن والثلاثين للبابا شنودة الثالث على سدة الكرسي البابوي للأقباط الأرثوذكس، كبرى الأقليات في الشرق الأوسط، وأكثرها تجذراً في مصر. وفي أحدث تصريحاته الصحافية جدد البابا شنودة الدعوة لإصدار القانون الموحد للأحوال الشخصية للطوائف المسيحية لوضع حد للاشتباك الحالي بين الكنيسة والمحاكم، وكشف البابا شنودة عن أن الكنيسة قدمت هذا المشروع للدولة مرتين

أجرى قداسة البابا عدة مقابلات صحافية، كما أدلى بتصريحات والتقى عدداً من الصحافيين والكتّاب والمثقفين من شتى المشارب، الذين توجهوا لتهنئته في المقر البابوي بالكاتدرائية المرقسية بحي العباسية وسط القاهرة، وكانت (إيلاف) حاضرة في قلب هذه الأحداث واستمعت للبابا شنودة الثالث الذي خاض في قضايا شائكة كثيرة، لعل أبرزها خلافاته الداخلية، داخل الكنيسة ذاتها أو مع بعض أقطاب الحكم في مصر عبر فترتي حكم الرئيسين الراحل أنور السادات، والحالي حسني مبارك، كما تطرق أيضاً إلى مسألة خلافته في رئاسة الكنيسة الأقدم والأكبر في المنطقة، وتحدث عن آلية اختيار البابا في ما يعرف بتقليد quot;القرعة الهيكليةquot;، لكنه بالطبع لم يتطرق لأسماء بعينها .

وليس سراً أن الحالة الصحية للبابا شنودة الثالث خلال الأعوام الثلاثة الماضية لم تكن مستقرة فهو يعاني مشكلات في الكليتين والعمود الفقرى وهشاشة العظام ومياه بيضاء بالعين، مما اضطره للسفر عدة مرات لتلقي العلاج في الولايات المتحدة، وقد بلغ مجمل الفترة التي غاب فيها عن مصر بسبب مرضه، نحو عشرة شهور، مما أشعل بورصة التكهنات في الشارع المسيحي المصري والصحف، بشأن الأسماء المرشحة ليكون أحدهم هو البابا رقم (118) في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، أو بالأحرى يكون ضمن الأسماء الثلاثة التي ستجرى عليها عملية القرعة الهيكلية وفق التقاليد الكنسية .

وفي سياق تعقيبه على التغطيات الصحافية لأحوال الكنيسة والتطورات التي تشهدها قال البابا شنودة الثالث ـ وهو عضو عامل بنقابة الصحافيين المصرية ـ إن quot;وسائل الاعلام لم تتناول شؤون الكنيسة خلال الفترة الماضية إلا بهدف الإثارة والرغبة في السبق الصحافي على حساب الحقيقةquot;، على حد تعبيره .

قانون وسياسة
وفي أحدث تصريحاته الصحافية جدد البابا شنودة الثالث الدعوة لإصدار القانون الموحد للأحوال الشخصية للطوائف المسيحية لوضع حد للاشتباك الحالي بين الكنيسة والمحاكم، وكشف البابا شنودة عن أن الكنيسة قدمت هذا المشروع للدولة مرتين الأولى عام 1980 حين كان صوفي أبوطالب رئيسا لمجلس الشعب (البرلمان)، أما الثانية فكانت في العام 1998، ومازال هذا المشروع حبيس الأدراج حتى الآن .

وقال البابا شنودة : لقد اجتمعت مع كل الطوائف المسيحية فى مصر ومع رؤساء الطوائف الذين لهم رئاسات خارج مصر وأعددنا مشروعا قانون موحدا للاحوال الشخصية ورفعناه للدولة، وقمت شخصياً بتسليمه لصوفي أبوطالب رئيس مجلس الشعب وقتها فقال لى: quot;أنت عملت معجزة.. قانون وقعت عليه جميع الرئاسات الدينية ونحن لنا 25 سنة نحاول ان نجعل الأقباط يتفقون على مشروع قانون للأحوال الشخصية ولم نجد وكان يقصد 25 سنة منذ العام 1955 عندما صدر القرار الجمهوري بإلغاء المحاكم الدينية .. الإسلامية والمسيحية .

وواصل البابا شنودة سرد تفاصيل هذه الواقعة قائلا: quot;ظل هذا الاتفاق حبيس الادراج حتى وصلنا إلى سنة 1998 وزارني وزير العدل وقتها المستشار فاروق سيف النصر وعرضت عليه الموضوع ذاته فقال لي : quot;لقد مر 18 عاما وربما يكون لكم رأي جديد، ياليتك تقدم لنا مذكرة أخرى، فجمعت جميع رؤساء الطوائف مرة أخرى، ووقعوا اتفاقا وظل الاتفاق سجينا في طي المجهول، ولا أعرف ماذا تم بصدده . وطالب البابا شنودة الثالث في مقابلته بضرورة تقنين الزي الكهنوتي منعا لسوء استخدامه من قبل بعض منتحلي الصفة وقال: quot;لقد طلبت هذا الأمر بصفة رسمية واقترحت إضافة كلمة بسيطة إلى القانون المدني تنص على الزي الكهنوتيquot; .

خلافة البابا
وحول المطالب الرائجة خلال الفترة الماضية بشأن تعديل لائحة اختيار البطريرك قال البابا شنودة quot;إن اللائحة الحالية مناسبة جداً لظروف الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لأنها تشتمل على عنصر الانتخاب وعنصر القرعة الهيكلية معاً، وأنه لا يريد أي لائحة لانتخاب البطريرك مفصلة على شخص معين، ويقصد بذلك هنا quot;أن شروطها واسبابها لا تنطيق إلا على شخص محدد من الناس، أو لابعاد شخص آخرquot;، على حد تعبيره . ومضى البابا شنوده الثالث قائلاً في مقابلة خاصة مع رئيس تحرير صحيفة الجمهوريةquot; المصرية: quot;إن القرعة الهيكلية تعني أنه بعد ان يصلي الشعب كله إلى الله لكي يختار من يشاء يتم وضع أسماء أكثر ثلاثة أشخاص حصلوا على أصوات حتى يتدخل الله بالاختيارquot; .

وتابع البابا شنودة الثالث قائلاً : quot;لذلك فإن الاصرار على الانتخاب وعلى القرعة معا انما هو مطلب شعبي لأنه من الجائز أن يتأثر الشعب بطرق معينة ليتجه إلى ناحية معينة ولذلك فإنهم مهما حاولوا التأثير عليه نقول ان ربنا اختارquot;، ، كما يقول البابا شنودة الثالث . وأشار البابا شنودة إلى أنه إذا كان الأمر يتعلق برتبه وقيادة كبيرة مقل قيادة البطريرك فلا يمكن أن يترك ذلك لعامة الشعب الذي يعرف والذي لا يعرف أو يترك للصغار الذين يمكن ان يقعوا تحت أي تأثير كما يحدث أحيانا في الانتخابات وما يعتريها من منافسات يعرفها الجميع .

أما عن الدور الذي يقوم به رجال الأعمال الأقباط في الكنيسة حاليا أوضح البابا شنودة الثالث أن رجال الاعمال موجودون في الكنيسة كما هم موجودون في كافة مؤسسات المجتمع ، ونفى البابا وجود أي تدخل من جانب رجال الاعمال في القرار الكنسي أو تأثير على مجريات الشئون المختلفة بالكنيسة .

سيرة ذاتية
أما في السيرة الذاتية فقد ولد البابا شنودة الثالث يوم الثالث من آب (أغسطس) عام 1923 في قرية quot;سلامquot; التابعة لمركز منفلوط بأسيوط في قلب صعيد مصر، وفي العام 1943 التحق بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول (القاهرة حالياً)، وتخرج عام 1947 في قسم التاريخ بها، وفي العام 1949 تخرج في الكلية الإكليريكية، وكان أول الخريجين لذلك عين مدرساً بها، بالإضافة إلى عمله لدى تخرجه كمعلم للتاريخ بعدد من المدارس الثانوية الحكومية .

وفي العام 1949 عين مديراً لتحرير مجلة quot;مدارس الأحدquot; ثم رئيسا لتحريرها، وبالتالي حصل على عضوية نقابة الصحافيين، ونشر فيها سلسلة مقالات روحية جُمعت في ما بعد في كتاب quot;انطلاق الروحquot; حقق شهرة واسعة في مصر وداخل أوساط الكنائس المشرقية عموماً .

وكان تاريخ الثامن عشر من تموز (يوليو) عام 1945 فاصلاً في حياة البابا شنودة الثالث، إذ التحق حينها بسلك الرهبنة في quot;دير السريانquot; الواقع بوادي النطرون في صحراء مصر الغربية، وهناك أشرف على مطبعة الدير وأصدر كتاب quot;قوانين القديس باسيليوسquot;، كما أشرف على طباعة سلسلة أحد أبرز الكتب وهو quot;تاريخ الآباء البطاركةquot;، لمؤلفه كامل صالح نخلة، كما أشرف على فهرسة وتبويب كافة المخطوطات والمراجع التي تضمها مكتبة الدير، مما جعله مطلعاً عن قرب على معظمها، وبعد ذلك أعلن البطريرك الراحل البابا كيرلس السادس سيامته كأول أسقف للكلية الإكليريكية والمعاهد الدينية والتربية الكنسية وعُرف بلقب أسقف التعليم .

وشهد عهده عدة أحداث جسام سواء على صعيد الوطن الأم مصر، أو حتى داخل الكنيسة، وشهدت سبعينات وثمانينات القرن المنصرم سلسلة أزمات مع الرئيس الراحل أنور السادات انتهت بتحديد إقامته بدير في وادي النطرون، وفي عهده بنيت عشرات الكنائس والأديرة في داخل مصر وخارجها في العديد من بلاد العالم .