خليدة التومي تضع على كتفي أحلام quot;البرنسquot;.
    أطلقت مقدّمة الحفل على أحلام مستغانمي لقب quot;جميلة الجزائرquot;، تيمنا quot;بالجميلاتquot; اللائي حملن سلاحهن دفاعًا عن الوطن، جميلة بوحيرد وجميلة بو عزة وجميلة بوباشا.
  • المصريون استقبلوا لاعبي الجزائر بالحجارة لا بأدب الضيافة العربيَّة التي تجمعهم
  • لقب quot;صاحبة الجلالةquot; لا يملؤني غرورًا بقدر ما يملؤني ذعرًا
  • قلت للجزائر في أكثر من ألف صفحة quot;أحبكquot;

تعترف أحلام مستغانمي أمام قرّاء quot;إيلافquot; بأن مناداة وزيرة الثقافة الجزائريَّة خليدة التومي لها quot;بصاحبة الجلالةquot; لا يملؤها غرورًا بقدر ما يملؤها ذعرًا. فعلى الرغم من فرحة مستغانمي بأوّل تكريم رسمي لها في بلدها لما يمثله لها من قيمة معنوية، إلا أن فرحتها كانت منغصة بسبب الحرب الكلامية والإعلامية الدائرة بين مصر والجزائر على خلفيَّة quot;كرة القدمquot;. وتقول بغصّة وغضب: يجب ان نهدي الإنتصار لإسرائيل أيًّا كان الفريق الفائزquot;. الحوار مع مستغانمي الذي كان يجدر به ان يكون أدبيَّا، تحوّل وبشكل تلقائي إلى حوار في quot;الرياضة العربية ونكساتهاquot;.

بيروت: جاء تكريم الجزائر للروائيّة أحلام مستغانمي ليضع حدًا للخلاف والحرب الكلامية التي دارت بينها وخليدة تومي وزيرة الثقافة التي انطلقت شرارتها مع الكلمة الغاضبة التي ألقتها مستغانمي بالمكتبة الوطنية، على هامش تسليم جائزة مالك حداد للرواية العام 2007، واستمرت بين الطرفين حتى الماضي القريب.

وجمع تكريم الجزائر لابنتها بين الثورة والأدب، وجاء بالتزامن مع احتفالات الجزائر في ذكرى ثورة تشرين الثاني (نوفمبر). وعلى الرغم من أنَّ التكريم الذي جاء بعد ثلاثين سنة، كتبتها في أكثر من ألف صفحة في ثلاثيّتها لتقول للجزائر كلمة واحدة quot;أحبكquot;، إلا إنها لا تعتبر ذلك فترة طويلة. فثلاثون سنة ليست زمنًا طويلاً كما صرحت أحلام... فالبرنس الذي وضعته وزيرة الثقافة على كتفيها كانت بحاجة إليه، لا لوجاهته أو لما يرمز إليه من تقدير في قاموس الحبّ الجزائري، إنّما لأنَّها قضت ثلاثين عامًا - كما تقول - ترتجف في غربتها بردًا في انتظاره.

الحوار الذي كان مخططًا له أن يكون أدبيَّا، تحوّل تلقائيّا إلى حوار في الرياضة العربيَّة ونكساتها:

* بعد ثلاثين سنة، يأتي تكريم أحلام مستغانمي في بلدها الأم. هل كان على الجزائر أن تنتظر كلّ هذه السنوات لتكرّم ابنتها التي تعتبر اليوم من أهم الروائيّات العربيات؟
ثلاثون سنة في عمر الأمم ليس زمنًا طويلاً. إنّه يبدو طويلاً بمقياس القلب فقط. المبدع إنسان هشّ.. سريع العطب. كائن من مشاعر يحتاج إلى أن يطمئنه وطنه إلى أنّه يحبّه. و إلا عاش دون أن يغادره الإحساس باليتم.. ذلك البرنس الذي وضعته وزيرة الثقافة على كتفي كنت أحتاج إليه، لا لوجاهته أو لما يرمز إليه من تقدير في قاموس الحبّ الجزائري لكن قضيت ثلاثين سنة أرتجف في غربتي بردًا في انتظاره. أكثر من ألف صفحة كتبتها في ثلاثيّتي لأقول للجزائر كلمة واحدة quot;أحبكquot; و جميل أن تكون سمعتني... فلقد قالها لها قبلي مفدي زكريا مؤلف النشيد الوطني وقالها محمد ديب ومالك حداد... ومولود معمري... وآخرين من مؤسسي المجد الأدبي الجزائري. وماتوا حزنًا وقهرًا لأنّهم لم يسمعوا هذه الكلمة من وطن كانوا جاهزين للموت من أجله. الجزائر اعتادت أن تكرّمنا أمواتا أن تضع أوسمتها على قبورنا لا على صدرونا. لذا يُحرجني أن يوضع هذا الوسام على صدري بينما ما زالت قبور من سبقوني إلى المجد عارية. و يُسعدني في الوقت نفسه أن يكون تكريمي بداية تقليد ثقافي جديد. إذ سيتمّ بعد الآن كلّ سنة تكريم كاتب جزائري.

*عند الحديث عن التكريمات لا بدّ من أن نسأل. ماذا تعني التكريمات بشكل عام للكاتب والأديب وهل هي المقياس لأهمية الكاتب، وان لم يحصل على تكريم ما، يبقى أقل قيمة؟
قيمة أي تكريم تأتي مما يرمز إليه. و دون هذا الرمز هو مجرّد شهادات و دروع ما عادت تسعها خزانتي. تكريم الجزائر لي عزيز برمزيّة تاريخه. أن أكرّم في نوفمبر المجيد بتاريخ انطلاق الثورة الجزائرية و بحضور وزير المجاهدين هذا جاه أعي تمامًا قيمته لأنّه تكريم لأبي، لتاريخه النضالي خاصّة أنّه صادف اليوم الذي توفي فيه بالذات. ثمّة أيضًا درع بيروت الذي منحه لي محافظ بيروت باسم بيروت وأهلها في احتفالية كبيرة حضرها 1500 شخص في يوليو الماضي.. أحمله و سامًا في قلبي.. فبيروت أمّي بالتمنّي.. وهي مسقط قلبي ومسقط قلمي وهي المدينة التي لم تأخذ بيدي بل أخذت بقدري. فأن تناديني وزيرة الثقافة quot;بصاحبة الجلالةquot; لا يملؤني غرورًا بقدر ما يملؤني ذعرًا. في الكتابة أيضًا عليك أن تُدافعي عن تاجك في كلّ صفحة. كما عليك أن تتحاشي الوقوع في كمائن الحبّ.. فالكاتب يموت مخنوقًا تحت باقات الورود كما يقول فولتير...يبقى التكريم الحقيقي والصادق هو تكريم القارئ الذي يمنحك quot;سلطة الاسمquot; وقياسًا لهذه السلطة تكرّمين.

قيمة أي تكريم تأتي مما يرمز إليه

*حكي عن حرب كلامية حصلت في السابق بينك وبين وزيرة الثقافة خالدة تومي، والآن جاء هذا التكريم ليضع حدًّا لتلك الخلافات . فهل قصدت الوزيرة ان توجه لك ما يشبه الإعتذار عندما قالت quot;.. صاحبة الجلالة السيدة أحلام مستغانميquot;؟
ما حدث بيني و بين السيدة خالدة التومي لم يكن تلاسنا، فنحن لم نتشاجر شجار امرأتين. بل اختلفنا في وجهات نظرنا، و في خياراتنا حول السياسة الثقافيّة في الجزائر، اختلاف مثقفة مع وزيرة ثقافة. كنت حزينة عندما آلمتها حدّ البكاء بذلك التصريح الذي أطلقته من المكتبة الوطنية. لكنّها قدّرت لي نبرة غضبي فكلانا نمتلك مزاجًا جزائريًّا متطرفًا .. و لهذا نحن صديقتان. كما قدّرت أنّني أعلنت كلامي من منبر جزائري. فهدفي ما كان التشهير بوطني، و إنّما تصويب ما أراه معوجًّا فيه و هذا واجبي كمثقفة و لن أتنازل عنه.

يبقى أنّ خالدة التومي حالة نادرة بين وزراء الثقافة العرب. فهذه السيدة ذات الأصول الأمازيغية التي وصلت إلى الوزارة، و هي لا تعرف إلا الفرنسيّة أصبحت الآن تتقن اللغة العربية، و تُدافع عنها، و تتحدّث بها، و تحفظ محمود درويش، و تغنّي الشيخ إمام. كما أنّها النموذج المثالي للشخصية الجزائرية بكل مكوّناتها.فهي تغضب وتثور وتضحك وتبكي كما أنّها لا تنافق، فهي إمّا أن تحبّك في المطلق أو تكرهك في المطلق. وما تكريمها لي بمناداتي ب quot;صاحبة الجلالةquot; إلا دليل على سخائها العاطفي على الطريقة الجزائرية.

*اعتبر بعضهم أنّ كتاب quot;نسيان كومquot; لا يرقى لما قدمته أحلام في السابق. وصنفه بعضهمعلىانه يندرج ضمن quot;الكتابة التجاريةquot; . ما رأيك؟
الحبّ غدا قضيّتي الأولى. و لطالما دافعت عن القضايا المفلسة. و إن كان الحديث عن الخيبات العاطفية مربحًا فالمكاسب لا تذهب إلى جيبي بل إلى جيب أصحاب المكتبات الذين يكسبون خمسين في المئة من ثمن كلّ نسخة و إلى ناشري (الذي من الطبيعي أن يكسب من هذا الكتاب) و إلى المزوّرين الذين أهديت لهم هذا الكتاب و لم يخيّبوا ظنّي في سرعة قرصنته، و ملؤوا الأسواق بنسخ مزوّرة طبق الأصل عنه. إنّ مكسبي من هذا الكتاب لا يتجاوز عشرة في المئة، و مكسب المطربة جاهدة وهبه لا يتجاوز ربع دولار. على الرغم من أنّنا دفعنا من مالنا الخاص ثمن إنتاح هذا الquot;CDquot; و تنازلنا معًا عن حقوقنا، وقبلنا أن يكون ثمن الكتاب رخيصًا على الرغم من إرفاقه بquot;CDquot; كي يكون في متناول القرّاء. قدر المبدع العربي أن يموت جوعًا إن لم تصادفه الشهرة، وأن يصنع ثروة الآخرين إن هو نجح. لن أصنع يومًا ثروتي على حساب قارئي الفقير الذي يحبّني ويشتري أحيانًا كتابي بالتقسيط، ولا أريد أن يدفع ثمن محبته لي. عليه أن يعرف أن ماله يذهب لجيوب أخرى غير جيبي. عندما أسست دار نشر ليس لهدف مادي بل لأوفّر على القارئ فرق التكلفة لكنّ خساراتي زادت من دون أن يزيد ذلك في مكاسبه.

أمّا في ما يخصّ مستوى هذا الكتاب فهو ليس عملاً روائيًّا أو أدبيًّا، وهذا توضيح ورد في الصفحات الأولى منه. لم أكتبه لأترشّح به إلى جائزة أدبيّة بل لمتعتي الخاصة أوّلاً، ولأُرضي هذا الكمّ الهائل من النساء العربيّات اللائي دمرتهن الخيبات العاطفية. إن كان quot;القرّاء ولدوا أحرارًا و لا بدّ أن يبقوا كذلكquot; حسب quot;ناباكوفquot; فمن حقّ الكتّاب أن يكونوا أحرارًا في ما يكتبونه. لم أُجبر أحدًا على قراءة هذا الكتاب، والذين تهافتوا عليه فعلوا ذلك بملء إرادتهم.

حفل التكريم يعدّ بادرة جديدة في تاريخ الثقافة الجزائرية، أعلنت خلاله الوزيرة خليدة التومي أنّه سيصبح تقليدًا متّبعًا تكرّم فيه الجزائر أدباءها و مثقفّيها تباعًا.

*في مقابلة أجريتها معك في حفل تكريمك في بيروت قلت إنّك بلغت سن الحكمة. من أين اكتسبت حكمتك هذه؟
تعلّمت من قرّائي بقدر ما تعلّموا منّي. واكتسبتُ حكمتي لا من أساتذتي في quot;السوربورنquot; .. بل مّمن أهدتني الحياة فرصة مصادفتهم ككاتبة. الناس الأكثر حكمة أناس أمّيون لا يحملون شهادات و لا مؤهلات.. إنّهم خريجي الحياة، سائقي سيارات الأجرة، و القرويات القابعات في بيوتهن و الباعة المسنّون هم يقولون لك في جملة.. حكمة قضوا عمرًا لبلوغها. تعثرين عليهم في كلّ زمان و في كلّ بلاد.. إنّهم سلالة quot;زورباquot; و منهم يولد الأدب العظيم.

*يعرف عنك تحاشيك الظهور في وسائل الإعلام هل هذا موقف من الإعلام أم قرار اتخذته لأسباب معيّنة؟
أعتقد أنّ الكاتب مكانه بين دفتي كتاب لا على أغلفة المجلات أو على شاشة الفضائيات. حتى عندما تضع مجلّة صورتي على غلافها شيء ما يفسد عليّ فرحتي.. على الكاتب إلايقول شيئًا خارج ما يكتبه في كتاب. ما عداه ثرثرة.. و كسر لصمته الذي لا بدّ أن يكون كبيرًا. حتى الصفحة التي أكتبها أسبوعيًّا تمنّيت لو أنّني لم أكتبها. أريد ألا يعثر عليّ قرّائي إلا في كتبي. من قلّ كلامه زاد الإنصات إليه. أريد أن ينتظر قرّائي بلهفة ما سأقوله بعد كلّ صمت..

*هم فعلاً ينتظرون كلّ إصدار جديد لك بلهفة. ما هي الوصفة السحرية لنجاحك؟
لا أملك جوابًا لسؤالك. ليس في قبعتي من مقالب سحرية. عدا أنّي لا أملك قبعة ولا قفازات لذا أترك بصماتي على ما أكتب و يحدث أن أترك جزئيّات لا مرئية من كياني إن لم تتركي شيئًا منك على ورقة مزّقيها. فالأدب لا يكتب بالحبر بل بما هو أغلى. quot;فلوبيرquot; كان يعتبر الكتابة وجعًا جسديًّا و الفرزدق اعترف أنّ قول بيت شعر أصعب عليه من قلع ضرس.. أمّا اليوم فكتابة قصيدة أسهل من خلع قميص.

هذا الكمّ الهائل من الكتب التي تصدر دون أن تجد لها قارئًا هي جريمة في حقّ الغابات قبل أن تكون جريمة في حقّ الأدب. أربع سنوات وأنا مذعورة قبل أن اقدم على إصدار عمل روائي جديد لأن أصعب قرار أن يصدر الكاتب كتابًا.

وضع التكريم حدًا للخلاف بين مستغانمي والتومي

*قلت في quot;نسيان كومquot; أنّك بعد هذا الكتاب أصبحت شيخة طريقة في الحبّ. هل هذا لقب جديد ستحملينه بعد الآن؟
لست مبشرة ولا واعظة ولا مصلحة، وليس بإمكان أحد أن يدّعي أنّه شيخ طريقة في الحبّ أيّا كان مذهب قلبه و مهما كان طاعنًا في العشق. أنا كاتبة أيّ quot;مذنبةquot;. اقترفت جرائم حبر في حقّ نفسي. لأنّي تعرّيت نيابة عن قارئاتي. أعني عرّيت مشاعري كامرأة. أخطر من تعرّي المرأة في كتاب من ملابسها، تعرّيها على مستوى هواجسها.لهذا لمست مكمن الوجع الأنثوي. واستقبلت النساء العربيّات كتابي بتهافت كما لو كنّ ينتظرنه منذ الأزل.

*ما رأيك في موجة التحرّر الجسدي الجديد الذي تعرفه الأعمال الروائيّة العربية في السنوات الأخيرة؟
الفضيحة لا تعمّر طويلاً.. الأدب الخالد طينته المشاعر. إنّ ما يكتبه بعض الكتّاب و الكاتبات اليوم.. و يواجهون به القرّاء بزهو، أستحي أن أقرأه حين أكون وحدي. فخري أنّي لم أكتب ما أخجل منه. حتى أن كلّ أعمالي معتمدة في المناهج الدراسيّة. إنّ موهبة الكاتب الحقيقية تقاس بتطرّقه إلى موضوع الجنس بالذات. لست ضد التطرق للجنس فهو جزء من الحياة لكن الكتابة عنه اختبار صعب لموهبة الكاتب. يسقط فيه الكثيرون. يعتقد بعضهم أن توظيف الجنس يصنع منه نجمًا لكن ذلك النجاح لا يختلف عن الأسهم النارية التي ترتفع عاليًا في السماء ثمّ سرعان ما تتلاشى. أنا كاتبة الرغبة ولست كاتبة المتعة. على الرغبة وحدها نصنع أدبًا. أذكر قول أمين نخلة quot;وُلد الفن يوم قالت حواء لآدم ما أجمل هذه التفاحةquot;. إنّ المسافة الفاصلة بيننا وبين شجرة التفاح هي مسافة الاشتهاء التي تصنع الأدب. أما أكل التفاحة فاغتيال للحلم.

درع بيروت أحمله وسامًا في قلبي فبيروت أمّي

* اليوم ونحن نشاهد الحرب quot;الرياضيةquot; التي حصلت بين منتخب الجزائر والمنتخب المصري. هل نترحم على quot;الروح الرياضيةquot; التي كان يضرب بها المثل؟
هذه المباراة ستنتهي بعد ساعات لكن الأحقاد ستبقى دفينة لأجيال. شياطين الفتنة والعفاريت التي خرجت من الفانوس السحري للكرة... سيصعب ردّها.. حيث كانت. لقد أصبحت بعدد سكان الجزائر و مصر. مئة وثلاثون مليون عربي خرجوا عن طورهم.. لكأنّ سدًّا عاليًا انهار وتدفقت كميات هائلة من المياه لتجرف في طريقها كل جزائري و كل مصري إلى الجنون. يوم كانت لنا قضايا كبرى نهتف بها ونموت من أجلها وكانت لنا سواعد تصنع نصرنا كانت الكرة مجرد طابة تتقاذفها الأقدام. اليوم نحن نضخم الأشياء الصغيرة بعد أن صغر ما كان كبيرًا في حياتنا.

أحلام: كنت بحاجة إلى البرنس لما يرمز إليه من تقدير في قاموس الحبّ الجزائري

أفواج بشرية في كلّ مدن وشوارع البلدين لا مطلب لها إلاّ هزيمة الآخر وإهانته. ربما احتجنا إلى جيش من علماء اجتماع لفهم مكمن هذا الحقد الدفين الذي يحمله كلّ عربي لعربي آخر. على الرغم من إيماننا جميعًا بالعروبة وحبّنا لبعضنا البعض. شخصيًّا لا أحتاج إلى شهادتي في علم الإجتماع لأشرح لك سبب غليان الشارع الجزائري. سأتكلم كجزائرية وأقول أن الجزائري بإمكانه أن يتساهل في كلّ شيء إلا الإهانة و التي يسميها عندنا quot;الحقرة...quot; و بسبب كلمة quot;راهم حقرونا...quot; أيّ إنّهم أهانوننا التي قالها الرئيس بن بلة متحدثا عن الشعب المغربي الشقيق دخلنا غداة استقلالنا و دماؤنا لم تجف بعد في حرب مع إخواننا المغاربة.

بسبب هذه الكلمة قامت انتفاضة 88 وإحتل آلاف الشباب الشوارع رافضين ما يعتبرونه احتقار و استخفاف الدولة بهم و تجاهلها إيّاهم. أنا امرأة قوميّة وعروبيّة وعربيّة وما كنت لأنحاز إلى الجزائر لو كانت ظالمة. فالأناشيد التي تعلمتها في الابتدائية كانت quot;وطني حبيبي وطني الأكبرquot; التي يمتدح فيها كلّ مطرب مصري بلدًا عربيًّا، إحداها الجزائر. وquot;أمجاد يا عرب أمجادquot; التي كنّا نحفظها كما يحفظ شباب مصر اليوم أغاني روبي وشيرين.

مستغانمي: المبدع إنسان هشّ يحتاج إلى أن يطمئنه وطنه إلى أنّه يحبّه

ولو أن هذه المقابلة الرياضيّة دارت في زمن عبد الناصر لرفع كلّ شعب أعلام الشعب الآخر. و لأهدى كلّ فريق نصره للفريق الثاني. و لكن زمن القوميّة ولّى و المؤامرة أكبر من أن نعيها لأنّنا داخلها.. و لأنّنا وقودها و بإمكان اسرائيل أن تتفرّج الآن علينا.. و قد غدونا العدو البديل لبعضنا البعض.
ما لم يتقبّله الجزائريون أن يُستقبل لاعبونا لا بأدب الضيافة العربية التي تجمعنا بل بالحجارة التي كنّا نظنها لا تستعمل إلا في فلسطين. و الحجارة هنا لم تكن للرشق بل للقتل.. بحكم وزنها فقد اخترقت الزجاج المصفح و هشّمته لتستقر في رأس لاعبينا الذين شاركوا في المباراة مضمّدي الرؤوس.. و بدل الإعتذار خرج لنا المصريون بسيناريو رسمي يليق بفيلم مصري. بعد أن شهد شاهد من أهلها. هو سائق الباص بأنّ اللاعبين تعمّدوا الحاق الأذى بأنفسهم!

الصدمة الأخرى للشعب الجزائري كانت ما تناقلته الصحافة عن إهانة بعض المصريين لعلم الجزائروالتصفير والهتاف الذي رافق إذاعة النشيد الوطني الجزائري قبل المباراة مما استدعى احتجاجًا من سفيرنا فهذه رموز مقدسة لايمكن المساس بها ، فعلمنا لم نخطه بأيدينا بل خاطه التاريخ بدمنا. مع الملاحظة أنّ أناشيدنا الوطنية كانت تصدح أيّام حرب التحرير من صوت العرب التي كانت تبث من القاهرة. وتربّينا على سماعها.
أما العائدون من مصر.. فشهاداتهم المؤثّرة وما كابدوا من معانات وإهانات يمكن متابعتها على الانترنت واليوتيوب بالصور.

لو أن هذه المقابلة الرياضيّة دارت في زمن عبد الناصر لرفع كلّ شعب أعلام الشعب الآخر

إنّ الشعب الجزائري عكس مظهره العنيف شعب عاطفيّ وضعيف أمام المحبّة فوحدها المشاعر النبيلة تروّضه وتحوله إلى طفل. كان يكفي التفاتة طيبة واحدة من الجهات الرسميّة في مصر لفكّ فتيل هذه القنبلة التي انفجرت بين شعبين. فالرئيس مبارك كان بإمكانه نظرًا لخطورة الموقف أن يرتجل التفاتة وجدانيّة ذات بعد سياسي تجاه الفريق الجزائري ويتمنّى له إقامة طيبة بين إخوانه. فتهدأ حينها النفوس وتصمت الفضائيات التي تفرّغت لشتمنا على مدار الليل والنهار ومعايرتنا بأنّ مصر من علّمتنا العربية وكأنّنا غداة الاستقلال كنّا من الهنود الحمر... ولم تكن لنا مدارس دينيّة وجمعية العلماء الشهيرة التي أصدرت على أيّام الاستعمار ما يفوق الأربعين صحيفة عربية.

كان يمكن أيضًا لإحدى الصحف أن تبادر بتقديم وردة لكلّ لاعب جزائريّ بدل شنّ حملة على المطربة وردة بسبب مناصرتها الفريق الجزائري. ففي النهاية quot;كلّنا وردةquot;..
في هذه الأجواء قرّرنا أنا والإعلامية الجزائرية خديجة بن قنة السفر إلى الخرطوم لمناصرة فريقنا الوطني. تصوّري أنا التي ما كنت معنية يومًا بالكرة ، ولا أغادر بيتي الجبلي في لبنان إلاّ نادرًا وجدتُني جاهزة أن أذهب إلى المريخ quot;اسم الملعب الذي ستقام عليه المباراة في السودانquot; لرفع علم الجزائر.

ما جدوى أن نكسب كأسًا إن كنّا سنخسر بعضنا البعض كعرب

*وهل ستسافران؟
لقد حجزت تذكرة سفري وأمّنت مع خديجة إقامتنا لدى أحد دبلوماسيينا. لكن المقابلة التي ستجريها خديجة مع كارلا بروني في اليوم نفسه لخبطت برنامجنا فألغينا مشروع السفرة. وهو أمر أسعدني في الواقع لأنني لا أريد أن أكون هناك حين يخسر أحد الفريقين. فأيا كان الخاسر لي قرابة به. وأيًّا كان الرابح عليه أن يتقاسم فوزه مع اسرائيل.التي حققنا لها في أيام أمنيات تتجاوز أحلامها الأبدية منذ نصف قرن. فما جدوى أن نكسب كأسًا (لن نذهب بها بعيدًا في جميع الحالات) إن كنّا سنخسر بعضنا البعض كعرب لزمن طويل!. نريد لهذه الأرض quot; اللي بتتكلم عربيquot; ألا يهان عليها عربي في الجزائر ولا في مصر ولا السودان و ألا تسيل عليها دماء عربية وهذا أضعف الإيمان. ثم وبالمناسبة اليوم بالذات سمحت إسرائيل ببناء 900 بيت في القدس الشرقية مرّ الخبر على شريط صغير على الشاشات العربية.. هل قراتموه؟!.