يشهد قطاع غزة ارتفاعا في معدلات الهجرة من قبل فئة الشبان بحثا عن المستقبل في الخارج في ظل الارتفاع المتزايد في مستويات البطالة بالاضافة إلى سيطرة حركة حماس على القطاع، وتشير إحصائيات إلى أن معظم من يفكرون بالهجرة ينتمون إلى حركة فتح، ويعتقد كثيرون أن الخروج من غزة إلى أي دول في العالم سيكون أفضل بكثير بالنسبة لهم.

غزة: منذ أن إستقرت الأوضاع في غزة بعد سيطرة حماس على كافة نواحي الحياة فيها، بات معظم الشباب المنتمون لتنظيم حركة فتح الذي أنهزم أمام حماس، بفكر في الهجرة من غزة، وطبّق العديد منهم ما اعتبروه حلم يراودهم منذ منتصف 2007م.

وأستغلّ هيثم أنور quot;29 عاماًquot;، فتح معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة، وسافر نحو النرويج. وقال في إتصال هاتفي مع إيلاف quot;الوضع هنا أكثر أمناً، فنحن لا نشعر بما يدور في غزة الآن إلا من خلال الإتصال بأهلي وأصدقائيquot;، منوهاً إلى أن العشرات من أصدقاءه يلحون عليه بضرورة عمل إجراءات لهم ليلحقوا به.

وأضاف quot;لن أخشى قطع الرواتب من رام الله أو هجوم إسرائيلي أو إعتقال من قبل حركة حماس وأجهزتها العاملة في غزة(..) الآن أنا طليق وبإمكاني التعبير عما أفكر بطريقتي وبحرية كاملةquot;.

ويبحث محمد عبد ربه حتى اللحظة عن مخرج للعالم الحر كما يقول. ويرى أن الخروج من غزة إلى أي دولة quot;أفضل من البقاء تحت رحمة أحد، فمن جهة لا نعلم ماذا تخبئ لنا الأيام القادمة.. هل ستدك إسرائيل غزة بعد إتمام صفقة شاليط أم أنها ستتذرع بإمتلاك المقاومة الفلسطينية صواريخ متطورة تصل لتل أبيب، وتبقي على حصارها لغزة!!quot;.

وقال لإيلاف quot;يمكنني أن ادفع ثلاثة ألاف دولار لأي إنسان يستطيع أن يخرجني من غزة، فوضعي النفسي بات في الحضيض، وأنتظر بفارغ الصبر أنا وعشرات من زملائي للخروج منهاquot;. ويحكي عبد ربه عن البحث في مكاتب السفر والخدمات العامة الفلسطينية في غزة حول إمكانية سفرهم إلى دول أوروبية.

ويؤثر سفر الشباب المنتمين إلى حركة فتح على أية إنتخابات تشريعية ورئاسية قادمة، بالمقارنة مع إستقرار الشباب المنتمي لحركة حماس داخل غزة. فهؤلاء يفضلون عدم الخروج من القطاع تحت أي ظرف. ويعتقد العديد منهم أن غزة أفضل حالاً من غيرها لأن المستقبل في دول عديدة، مجهول.

وأكد أحد العاملين في الأجهزة الأمنية لحركة حماس، لم يكشف عن إسمه، أنهم لا يتحكمون بأي إنسان داخل مناطق حكمهم. وقال لإيلاف quot;على العكس تماماً مما يفكرون هؤلاء الناس، فنحن لم نتعرض لأحد، إلا في حالة المخالفات الأمنية. وهذا أمر طبيعي يحدث في كل دول العالم، لأنه لا يجوز أن نترك الأمور دون محاسبة، وإلا سندخل تحت منظومة حكم الغابةquot;.

من جانبه أعتبر مدير شرطة محافظة خان يونس أحمد القدرة، أن تفكير الشباب نحو الهجرة ينبع من تضييق إسرائيل للخناق عليهم. وقال القدرة لإيلاف quot;معظم هؤلاء الشباب لا يستطيع العمل بسبب الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة للسنة الرابعة على التواليquot;.

وأضاف quot;الكثيرون منهم يتذرعون بحكم حماس في قطاع غزة، لكن الواقع يشير إلى تفكير الشباب بالهجرة قبل عام 2007، وهو العام الذي سيطرت فيه حماس على غزة بعد إقتتال دامٍ مع عناصر الأمن الفلسطيني التابعة لحركة فتحquot;.

وكانت دراسة ميدانية فلسطينية أكدت أن quot;عدم تمكين الشباب من شأنه أن يشعل فتيلا جديدا للصراع والدمار، إذ إن سوء إعدادهم يؤثر سلبا على التماسك الاجتماعي والأمن الوطني والعملية التنمويةquot;. وأشارت الدراسة إلى أن اندماجهم ومشاركتهم في المجتمع بوصفهم مستفيدين ومساهمين في حل مشاكله، تعد قضية مركزية. وأظهرت النتائج إصابة الشباب بشكل متزايد بخيبة أمل من الحياة السياسية، والخوف من الانخراط في الفصائل وعدم القدرة على تأمين فرص العمل، وعدم القدرة حتى على ملء أوقات فراغهم.

وبحسب الدراسة، فإن عدد كبير من الشباب يرى في ضوء الوضع الاقتصادي الراهن وانعدام فرص العمل المتاحة، أن الهجرة هي الخيار الوحيد القابل للتطبيق والمفتوح أمامهم، مشيرةً إلى أن معدلات البطالة المتصاعدة بين غالبية الشباب الفلسطيني quot;تجعلهم منكشفين وهشين في الغالب، ويفتقدون الحس بالهدف والقدرة على اكتساب الموارد الضرورية حتى يتزوجوا وينطلقوا في حياة البالغين الأسرية الخاصة بهمquot;.

وأي كان المصير القادم، بحسب وليد محمود الذي غادر غزة هو أسرته وأستقر في الإمارات العربية المتحدة، فإن الوضع في الخارج أفضل بكثير من وضع غزة الضبابي. وقال لإيلاف quot;حينما أرى أطفالي وهم يستغيثون طلباً للأكل أو الشرب وأنا لم أستطع فعل شيء، فهذا أمر يستحق الوقوف أمامه، ويمكنني مغادرة غزة إلى أقصى بلاد العالم حفاظاً على أسرتي التي قد تنتهي في لحظة نتيجة صاروخ إسرائيلي يسقط علينا في أي حرب قادمة.

ويتخوف الفلسطينيون في غزة من حرب وشيكة تندلع بين إسرائيل وإيران، الأمر الذي سيدخل المنطقة في دوامة من العنف، وتتصاعد الأعمال العسكرية في قطاع غزة، خاصة بعد التصريح الذي أدلى به أمس رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، من أن حركته ستقف بجانب إيران في حال تم قصف مفاعلها النووي، أو حرب ضدها. ما يعني بحسب مراقبون أكدوا لإيلاف أن جبهات عسكرية متعددة ستتعامل معها إسرائيل بقوة وحزم للسيطرة على وضعها الداخلي. فحماس لن تقف مكتوفة الأيدي من الجهة الجنوبية، وحزب الله اللبناني سيرد أيضاً من شمال إسرائيل، بينما سيتكون الحرب الكلاسيكية بين إيران وإسرائيل.

وتبقى غزة حبيسة المجهول الضبابي الذي يلف مستقبل حياة السكان فيها، إلا أن مغادرة الشباب أو محاولاتهم المستمرة للهجرة منها، ستفرّغ عقولاً وكوادر لها بصمة واضحة داخل المجتمع الغزي، مما يزيد من تعقيد الحياة داخلها.