اعتبر المؤرخ الفلسطيني المختص في التاريخ الشفوي للشعب الفلسطيني، الدكتور مصطفى كبها ، أن الترسبات العالقة بين القيادة الفلسطينية في السلطة في رام الله وعلى رأسها الرئيس محمود عباس وبين قيادات حماس في غزة تحول دون إنجاح وتحقيق مصالحة ووحدة فلسطينية، مشيرا إلى أن الشعب الفلسطيني ، وحركة فتح على وجه التحديد تشهد مخاضا لا بد له أن يفرز قيادات جديدة، تخلف جيل المؤسسين في حركة فتح ومنظمة التحرير .

تل ابيب: قال الدكتور مصطفى كبها في حوار خاص مع إيلاف، إن أوجه الشبه بين حال حماس اليوم، ووجود قيادتين للحركة، داخلية في غزة وأخرى في المنفى تشبه إلى حد كبير، الوضع الذي كان لدى منظمة التحرير عندما كانت هناك م.ت.ف تونس، مقابل م.ت.ف في الأراضي المحتلة رغم الاختلاف في الظروف الدولية والإقليمية، كاشفا النقاب عن أن quot;فشلquot; مؤتمر كامب ديفد كان بالأساس بسبب رفض الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، التنازل عن حق العودة، وهو لا يرى قيادة فلسطينية يمكن لها أن تقبل بما رفضه الرئيس عرفات في المستقبل القريب .

إيلاف التقت الدكتور والمحاضر الجامعي مصطفى كبها، وكان لها معه الحوار التالي:

إيلاف: د. مصطفى كمؤرخ وكمثقف فلسطيني تعيش داخل إسرائيل كيف ترى صورة الوضع الفلسطيني بعد عام على الحرب على غزة، وعشية العام الجديد؟

د. مصطفى كبها: الشعب الفلسطيني يعيش اليوم مرحلة انتقالية، يتم فيها استبدال قيادات بأخرى، وأنا أتحدث عن تغيير مرحلة التأسيس لمنظمة التحرير، أي تغيير قيادات بسبب الجيل والعمر، ونحن اليوم نعيش مرحلة مخاض بكل ما تحمله من قسوة بالنسبة للفلسطيني اينما وجد، إن كان ذلك في فلسطين التاريخية أو الشتات. هناك شبه إحباط من القيادات الموجودة، وكانت قمة هذا الإحباط من خلال التعامل مع ملف غولدستون والحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة.

هذا السلوك وبالرغم من ما واكبه من تحفظات، وتبدل في الموقف والتحركات الفلسطينية الرسمية، يعطينا صورة قاتمة عن وضع الفلسطينيين فيما يتعلق بملف المفاوضات مع الطرف الإسرائيلي وعلاقاتها مع كافة الأطراف والعوامل، سواء كان ذلك فلسطينيا أو على مستوى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والدولي العام. من هذا المنطلق فإن ما أتوقعه في العام القادم هو سعي حثيث لتغيير قيادي جدي خاصة في السلطة الفلسطينية.

إيلاف: ولكننا شهدنا خلال هذا العام، إلى جانب إشكالية سلوك السلطة في ملف غولدستون، مؤتمر فتح مع ما أفرزه ، وأخيرا إعلان أبو مازن بأنه لا يعتزم ترشيح نفسه لفترة رئاسة جديدة، وهناك من يرى ذلك مؤامرة، والبعض الآخر يعتقد انه على قناعة فعلا بأن الظروف الدولية والإقليمية والوضع الإسرائيلي لا يفضيا سوى لطريق مسدود؟

د. مصطفى كبها: حتى لو كان إعلان أبو مازن مناورة، فأنا لا أعتقد أن محمود عباس هو الشخص الذي سيأتي بالتغيير المأمول للشعب الفلسطيني في المرحلة القادمة.محمود عباس ينظر إليه، وأنا أقول ذلك بطبيعة الحال كتقدير تاريخي، بأنه خاتم مرحلة، مرحلة قيادة الأبوات، مرحلة القيادات التاريخية لمنظمة التحرير وحركة فتح، القيادات التأسيسية. تقديري بأنه لن يكون بوسعه، حتى لو كان إعلانه مناورة، أن يدير دفة القيادة للشعب الفلسطيني في المرحلة القادمة بمتطلباتها وشروطها الجديدة، وهذا أمر شبه مبتوت فيه.

إيلاف: هذا يعني أنه لن يكون الشخص الذي يمكن له أن ينجز الوحدة مع حركة حماس؟

د.مصطفى كبها: هذه هي النقطة الثانية فقد تراكمت بين محمود عباس، كرئيس للسلطة الفلسطينية، وكرئيس لحركة فتح، ترسبات عميقة في كل ما يتعلق بالشق الثاني للحركة الوطنية الفلسطينية، وأعني حركة حماس، ومن المرجح أن تمنع هذه الرواسب أية مصالحة جدية بين الحركتين، وهذا يتعلق ليس فقط بمحمود عباس ولكن أيضا بمجموعة من الأشخاص والقيادات المحيطة به وبالطرف الآخر بطبيعة الحال .

إيلاف: ولكن في المقابل أيضا فإن قيادة حماس، الحالية، تماطل بدورها في التوقيع على الورقة الفلسطينية، هل تعتقد أن المسؤولية تقع فقط على كاهل حركة فتح وقيادة فتح؟

د. مصطفى كبها: طبعا لا فحماس هي الأخرى تتحمل مسؤولية فهي طرف في الصراع الفلسطيني، وتعاني مشاكل في كل ما يتعلق بوجود قياديتن، قيادة في الداخل وأخرى في الخارج، وهي تعاني من مشاكل تتمثل بوجود توجهين داخل صفوف قيادتها، التوجه الأول يتعامل ويسعى للتعامل ببراغماتية، تتعامل مع الأمور بنظرة فاحصة ومقدرة، وهناك توجه أيديولوجي غير مرن ، وهذا بحاجة لفحص مع العلم أن الانتخابات الفلسطينية الأخيرة أثبتت عمليا القدرات الانتخابية عند حركة حماس في الشارع الفلسطيني مع الخط الذي تمثله الحركة وأعتقد أن في هذا الوضع الراهن للشعب الفلسطيني ورغبته بالاستمرار والمحافظة على خيار الكفاح المسلح يفسر ويبرر هذه النسب العالية التي تتمتع بها حماس والتي يمكن أن تفوز بها في الانتخابات الفلسطينية القادمة

إيلاف: هل تعتقد أن العام القدم، على ما يحمله من تحديات، أنه إذا لم يتم التوصل على صيغة للوحدة الفلسطينية فنحن أمام مرحلة طويلة من الشقاق والخلاف داخل الشعب الفلسطيني ستحتاج إلى الكثير من الجهد لتجاوزه والتغلب عليه؟

د. مصطفة كبها: أستطيع أن أقول إن ما نراه اليوم لا ينبئ بقرب انفراج الأزمة الفلسطينية، هناك تشبث بالمواقف عند الطرفين، وهناك رواسب عميقة بين القائمين على التيارين، وهذا ما يصعب الوصول إلى حل جدي رغم معرفة الجميع أنه لا يوجد مبرر للخلاف الفلسطيني في وضعية الشعب الفلسطيني الحالية . فالوضع الحالي للشعب الفلسطيني لا يسمح ويجب ألا يسمح بأن يكون هناك خلاف بهذا العمق وبهذه الرواسب، مع العلم أن بعض المنجزات على المستوى التكتيكي من شأنها أن تقرب وجهات النظر بين الطرفين كخروج صفقة تبادل الأسرى إلى حيز الوجود، خاصة إذا شملت قيادات وأسرى من الجانبين، فمن الممكن أن يزيد ذلك التضامن، وحدوث تغييرات جدية في القيادة الحالية يمكن لها أن تخلص القادة الجدد من الرواسب القائمة لدى القيادات التاريخية.

إيلاف: أنت تلمح إلى مسألة الإفراج عن مروان البرغوثي، ولكن هل تعتقد أن الممسكين بقرار حركة فتح اليوم، سيفسحون المجال أمام صعود البرغوثي وتسليمه مقاليد الأمور بكل هذه السهولة، سواء كانت هذه القيادات من الأبوات التاريخية أم من القيادات الجديدة التي دخلت في مؤتمر فتح الأخير في بيت لحم؟

د. مصطفى كبها: البرغوثي لن يتخطى أحدا، إذا رشح نفسه في الانتخابات وفاز، فكل هذه السيناريوهات ستكون من ورائنا، وإذا لم يفز فسوف يتحمل بنفسية مسؤولية هذه الخطوة، ولكن صحيح أن شاب، وقائد غاب في السجن كل هذه الفترة، لم يترك وراءه فراغ في المنظومة القيادية ولكن تكون عودته إلى تلك المنظومة وإلى سابق تأثيره مفروشةً بالزهور . المهم هنا هو أن مروان البرغوثي هو أحد البدائل الممكنة للقيادات التاريخية، فأنا أتحدث عن تغيير جيل في القيادة ولا أتحدث عن شخص بعينه. لكن هذا التغيير يجب أن يحدث ويمكن أن يساهم بشكل كبير في التقدم باتجاه المصالحة الفلسطينية.

إيلاف: ننتقل إلى الملف الإسرائيلي، كيف ترى الأداء الإسرائيلي على الصعيد الفلسطيني مقابل هذه الحالة الفلسطينية التي تحدثنا عنها؟

د. مصطفى كبها: لنبدأ بالقول إن المجتمع الإسرائيلي غير مهيأ في وضعه الحالي لتقديم تنازلات جدية للشعب الفلسطيني. وهذا ما يزيد الطين بلة، سواء على صعيد الموقف الفلسطيني أو بالنسبة لإمكانيات حل القضية الفلسطينية. التيار السائد في إسرائيل هو تيار الصقور، وتركيبة الحكومة الحالية لا تسمح بأي تنازلات ذات قيمة للفلسطينيين. يمكن لك أن تتخيل أن يكون العرض الذي سيقدم للفلسطينيين بعد مفاوضات مضنية، عرضا يشبه العرض الذي قدمه نتنياهو لليفني كي تنضم لحكومته.

إيلاف: لكن كافة السيناريوهات المتوقعة تشير على توفر أغلبية كبيرة أو شبه مطلقة لليمين الإسرائيلي، حتى لو اعتبرنا حزب كديما حزب وسط!

د. مصطفى كبها: سأقول ذلك بشكل أوضح، فالحد الأدنى للحل الذي يمكن أن يقبل به الفلسطينيون هو انسحاب إسرائيلي تام من المناطق المحتلة عام 67، هذا حد أدنى لتوافق فلسطيني شامل ، هذا الأمر لا يمكن أن أتصور بأن تقبل به التركيبة الحالية للحكومة الإسرائيلية. إذا لا توجد لدى الحكومة الإسرائيلية أية نية للانسحاب من الضفة الغربية، ليست لها أي نية بالانسحاب من المستوطنات، وليست لديها أية نية إطلاقا للسماح بقيام دولة فلسطينية مستقلة، وبدون هذه الشروط الثلاثة لا نتخيل أن يقبل مفاوض فلسطيني مهما علا شأنه أن يتنازل عن هذه الشروط. من هذا المنطلق فإن التركيبة الحالية للحكومة حتى لو انضم إليها حزب كديما لا ينبئ باندفاع إسرائيلي حقيقي نحو السلام.

إيلاف: أي أن الإسرائيليين وفي أحسن الحالات، سيطرحون ما عرضه براك في كامب ديفيد إن لم يكن أقل منه، وهو ما رفضه أبو عمار، هل ترى شخصية فلسطينية تجازف وتكون قادرة على قبول ما رفضه أبو عمار؟

د مصطفى كبها: أولا الروايات تتضارب حول ما قبل به عرفات وما رفضه في كامب ديفد، حتى من قبل الجانب الفلسطيني، وأنا أعتقد أن عرفات رفض أمرا أساسيا بغض النظر عن المعطيات والحدود الجغرافية، فقد رفض عرفات التراجع عن حق العودة، كما طلب منه، جزئيا أو كليا، وهذا الأمر لا أتخيل قائدا فلسطينيا مستقبليا يستطيع القبول به والتنازل عنه في المستقبل القريب .

إيلاف: هذا يعني أن آفاق التسوية مغلقة كليا ما لم يفرض الحل على إسرائيل فرضا؟

د. مصطفى كبها: أعتقد أن الحل يجب أن يكون بمعادلة دولية لطرف ثالث يفرض الحل على الطرفين، لأن مواقف الطرفين الحالية، في ظل ميزان القوى والأوضاع الداخلية لدى الطرفين لا تنبئ بحدوث انفراج، الحل الممكن هو حل مستبعد، وليست له فرص حقيقية، وهو تدخل أمريكي يفرض حلا يضمن للفلسطينيين إقامة دولة فلسطينية في حدود العام 67، وهو أمر في غاية الصعوبة على الأرض، وهي مبادرة ستلقى معارضة شديدة ورفض شبه قاطع من الطرف الإسرائيلي.

إيلاف: بموازاة الترويج الإسرائيلي الرسمي للانسحاب نحو الداخل، داخل الخط الأخضر مقابل الخروج من الضفة الغربية، فقد شهدت السنوات الأخيرة تصعيدا كبيرا في تعامل السلطات الإسرائيلية مع الفلسطينيين داخل إسرائيل، وخصوصا في ملف ما تسميه في كتبك وأبحاثك موضوع الوعي الفلسطيني والرواية الفلسطينية للنكبة على مستوى الفلسطينيين داخل إسرائيل، وحفظ الرواية الشفهية للفلسطينيين في إسرائيل؟

د. مصطفى كبها: ملف العلاقات بين السلطة الإسرائيلية وبين الفلسطينيين في إسرائيل من المرجح له أن يتأثر إلى حد كبير بكل ما يتعلق بالنزاع الفلسطيني الإسرائيلي، بمعنى أن أي انفراج على المستوى الفلسطيني الإسرائيلي، يمكن أن يقود لانفراج موازي في العلاقة بين السلطة الإسرائيلية وبين الفلسطينيين في الداخل، كما أن تعقد النزاع مع السلطة الفلسطينية ومع الشعب الفلسطيني يفضي بدوره إلى تأزم في العلاقة بين إسرائيل وبين المواطنين الفلسطينيين فيها. وقد رأينا ذلك بشكل واضح من خلال الجدل الإسرائيلي حول وثائق التصور المستقبلي التي وضعها الفلسطينيون في إسرائيل، بالرغم من أن هذه الوثائق تعترف بحق إسرائيل في الوجود، وتعترف بحق الشعب اليهودي بإقامة دولته المستقلة فإن هذه العبارات غابت إزاء رفض شبه تام لدى مصممي الرأي العام الإسرائيلي لمجرد قبول فكرة أن يقوم المواطنون العرب في إسرائيل بصياغة شكل علاقتهم مع الدولة، أي أنه وكأن المتوقع والمفروض أن تقوم السلطات بتحديد شكل هذه العلاقة كما يحلو لها وكما تقتضي مصالح الأغلبية اليهودية في إسرائيل.

إيلاف: هذا يعني أن المواجهة بين الحكومة الإسرائيلية وبين الفلسطينيين في إسرائيل ستشتد في السنوات القادمة؟
د. مصطفى كبها: نعم، فالسنوات القادمة ستحمل تصعيدا في العلاقة بين الطرفين إذا أصر الفلسطينيون في إسرائيل على موقفهم وإذا أصرت الحكومة الإسرائيلية على موقفها في قضايا: منع إحياء النكبة، تغيير اللافتات وفرض أسماء عبرية على أسماء القرى والبلدات العربية، قضايا التشديد على المناهج المفروضة على المدارس العربية، وتضييق الخناق على الفلسطينيين في مجالات التخطيط والبناء، وحملات هدم البيوت والمنازل، وموضوع خصخصة الأراضي العامة، ف25% من الفلسطينيين في إسرائيل هو من لاجئي الداخل بمعنى أنهم هجروا من قراهم وبلداتهم الأصلية لكنهم ظلوا في الوطن، وهم يسمون رسميا بالحاضرين الغائبين. وقد وضعت الدولة اليوم يدها على هذه الأملاك، والآن تريد بيعها لقطاع الخاص الإسرائيلي وهذا يمكن له أن يزيد العلاقة تعقيدا في ظل الضائقة السكنية للفلسطينيين.

إيلاف: وهذا يرتبط بملف اللاجئين وحق العودة وأملاكهم ؟

د. مصطفى كبها: طبعا ينعكس هذا على القضية الفلسطينية برمتها وأشكال التسوية المستقبلية، ولكن هذا سينعكس على شكل العلاقة بين الفلسطينيين في إسرائيل مع الدولة، لا سيما أن هؤلاء اللاجئين والفلسطينيين يعيشون ضائقة سكنية وقد سلبت أراضيهم ، بينما تقوم الدولة ببيع أراضيهم للمواطنين اليهود، كما هو الحال مثلا في قرى الفريديس وجلجولية وأم الفحم، وهي بلدات أغلبية سكانها من اللاجئين في الداخل.

إيلاف: طبعا في هذه الحالة هناك إجماع إسرائيلي من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين على تهويد الأرض وعلى يهودية الدولة؟

د. مصطفى كبها: هذا أمر بديهي لأن اليسار الإسرائيلي يصبح هنا جزء من المشكلة، فكثير من كيبوتسات والقرى التعاونية التابعة لمنظمات يسارية مثل quot;هشومير هتسعيرquot; وquot;ألحركة الكيبوتسيةquot; قائمة أصلا على قرى مهجرة، يعيش سكانها لاجئين في إسرائيل، وهم في هذه الحالة جزء من هذه المشكلة. هذه المستوطنات قائمة على ا راضي عربية، وهم يسكنوها دون حرج، إذ يبقى اليساري الإسرائيلي يساريا إلى أن تصل إلى مستوطنته والأراضي التي تستخدمها مستوطنته رغم أن أصحابها الفلسطينيين موجودون على مقربة منها ولا يستطيعون فلحها أو العمل فيها فكم بالحري إقامة بيوتهم عليها.