من quot;نجرانquot; القصيّة إليكم مع التحيّة!

في هذا الطرف المُغبّر من جنوب السعودية، تتجلى لك قصة نجاح الحكومة المحلية في مواجهة قوى الإرهاب، والتسلل، وكل ما قد يهدد السلم الوطني، في أوضح صورها، على الرغم من أن عملية ضبط الحدود البرية لهذه الدولة العظمى، في شبه الجزيرة العربية، تعد نوعًا من الأحلام المستحيلة.

نجران ( جنوب السعودية) :منذ عدة أشهر أصبح اسم منطقة نجران على كل لسان وصحيفة، بعد أن حاولت فرقة صغيرة من المتمردين الحوثيين، الذين تطلق عليهم السلطات الرسمية في المملكة وصف quot;متسللينquot;، فتح جبهة جديدة في هذه المنطقة، التي لا يفصل بينها وبين اليمن سوى جبل، وبضعة نقاط تفتيش، وروابط قبلية متشابكة.

أما الآن، فالأوضاع هادئة هنا إلى حد الصمت المطبق، واختفت أصوات القنابل، بينما قال شهود عيان إن كل ما سمعوه كان صوت قنبلتين فقط، quot;لكنها كانت مثل مئات القنابلquot; على حد تعبير أحد سكان المنطقة. ويبدو أن وصفه كان دقيقًا لأن quot;القنبلتين سقطتا على مستودعي أسلحة حوثية فتضاعفت حدة الانفجارquot;، بحسب مصدر عسكري.

إذًا هل تكون نجران المثل الذي يتوجب على المناطق الأخرى في المملكة أن تنظر إليه بعين من الاهتمام؟. الإجابة نعم ولا في الوقت نفسه. quot;نعمquot;، لأن هذه المدينة ضربت مثالاً للتسامح والولاء، بين أطراف الطائفة الإسماعيلية، والحكومة، على الرغم من حملات التحريض المتبادلة، وquot;لاquot;، لأنه لا يزال من المبكر الحكم على تجربة نجران في هذا الصدد.

ويحظى الإسماعيليون بوضع فريد في المنطقة منذ تأسيس الدولة السعودية، إذ هم أحرار في ممارسة شعائرهم الدينية، والتي لا تختلف كثيرًا عن سنة المنطقة، وذلك تحت مظلة الدولة، ويشاركون في حماية الحدود بالتعاون مع أبناء القبائل على الضفتين، سواء اليمنيّة، أو السعوديّة.

وتمتد حبال القبيلة بين البلدين، لدرجة أنه يمكن مشاهدة عائلة واحدة بجوازي سفر مختلفين. ويقول مصدر وثيق الإطلاع إن اتفاقات تجري بين القبائل، حتى داخل حدود اليمن، بمراقبة الحدود من أي متسلل، إذ تنشط قبيلتي quot;يامquot; و quot;وائلةquot; في المراقبة اللصيقة للداخلين والعابرين.

ويقول مراقبون، سبقت لهم مراقبة جنوب البلاد بدقة خلال السنوات الفائتة، إن quot;نجرانquot; نجحت في ما فشلت فيه quot;جازانquot; حدوديًّا، إذ بينما ضبطت الأولى حدودها بتعاون أمني قبلي، فإن الثانية كانت تدير حدودًا غارقة في الفوضى والإهمال.

ويقول مراقب مطلع، وثيق الصلة والاتصالات، إن ما كان يحدث في quot;جازانquot; لا يمكن وصفه بأقل من أنه quot;إهمال غريب غير مسؤولquot;. يضيف متجنبًا ذكر اسمه بسبب حساسيّة موقعه: quot; كان المشاة يذهبون إلى اليمن ويعودون إلى السعودية دون أن يوقفهم أحد ويسألهم بتفحص ... تخيل حتى أن الماشية كانت تعبر محملة أحيانًا بالأسلحة دون أن يكتشفها أحدquot;.

وعلى مدار عدة أشهر نجحت خلايا القاعدة، والجهات الأخرى في أن تجد لها موطئ قدم في الجنوب من شبه الجزيرة العربية، التي تعتبر خطرًا يهدد العالم بأسره؛ فمنها جاء عدد من مفجري سبتمبر، والانتحاري الذي حاول اغتيال الأمير محمد بن نايف، وأخيرهم، وليس آخرهم، الشاب الذي أراد أن يفجر طائرة quot;ديترويتquot; الأميركية.

وهذا هو تحدي السعوديين الأصعب في الأشهر المقبلة.

وعلى الرغم من أن الجنوب السعودي الفقير، والمهمل مثل شماله، قد غاب عن خارطة التنمية لسنوات طويلة، قاربت العقدين عددًا، فإن هذه المنطقة تعتبر مثالاً على الإصلاح الذي يقوم به الملك عبد الله حديثاً في بلاده، إذ تحولت مؤخرًا إلى ورشة مشاريع متحركة، وأحيت أمل شبانها في مستقبل واعد.

وحين يتحول مطار نجران إلى مطار دولي، ولو جزئيًّا على الأقل، فإنها يمكن أن تتحول إلى منطقة محورية لمراقبة جنوب الجزيرة العربية، وشرق أفريقيا، حيث للسعوديين مصالح، واتصالات، وأعداء يتفرّسون في الحدود الطويلة والمستقرة، بغية النفاذ إليها. وبالتالي يتحتم إنشاء وحدة تابعة إما لجهاز quot;الاستخباراتquot; أو quot;الأمن الوطنيquot;، تتخصص في جمع المعلومات، والقيام باتصالات تنسيق مع رجالات القبائل، والسكان، لتجنب المفاجآت مستقبلاً، حسب ما يقوله مراقبون.

ويعكس تعيين الملك لأبنه الشاب، الأمير مشعل، في هذه المنطقة، إيمان بأهميتها. وما يعرفه الأمير الشاب، الذي جاء ملمًّا بعلوم من الشرق والغرب، أنها تحتاج إلى الاهتمام الاقتصادي أكثر من أي شيء آخر.

في يوم من أيام شهر تشرين الثاني/نوفمبر الفائت ذُكر اسم نجران أكثر من إثنين وثلاثين مرة في نشرات تلفزيونية وصحف يومية، الأمر الذي أبرز أهميتها بالنسبة إلى المملكة، ولأمنها الوطني، بعد أن كان ظهورها الوحيد هو حين يمر اسمها سريعًا في نشرة الأحوال الجوية، التي غالبًا ما تغالط في أرقام درجات الحرارة الصغرى والكبرى.

إلا أن المعلوم أنها الآن على قائمة نشرة الأحوال السياسية، تعتبر صاحبة درجة حرارة قصوى، بسخونة مرشحة للالتهاب من الآن فصاعدًا، في وقت بدأت تحظى فيه المنطقة باهتمام، محلي، وإقليمي، ودولي، واسع، عكستها زيارة القنصل الأميركي لها قبل أسبوعين.