الجدل يحتدم مجدداً في مصر حول إشكالية المعونات الأميركية
القاهرة: خفض المساعدات الاقتصادية ارتبط بشروط رفضناها

الإتجار بالبشر يهدد مصر بفقدان المعونات الأميركية

مصر ترفض ربط المعونة الأميركية بالإصلاح

نبيل شرف الدين من القاهرة: مرة أخرى عادت إشكالية المعونات الأميركية لمصر إلى واجهة الحدث، لكن على نحو ربما يبدو إيجابياً هذه المرة، بعد شدّ وجذب استمر طوال الولاية الثانية للرئيس الأميركي السابق جورج بوش فقد رحبت القاهرة بما وصفته بالتطور الإيجابي لعلاقاتها مع واشنطن، وذلك في إشارة إلى إسقاط الشروط على المساعدات الأميركية لمصر حيث لم يتضمن القانون الحالي لعام rlm;2009rlm; الذي وقع عليه الرئيس الأميركي باراك أوباما أي شروط على برنامج المساعدات العسكرية لمصر والتي تقدر بنحو rlm;(1,3)rlm; مليار دولارrlm;، مع إسقاط الشروط الثلاثة التي تضمنها القانون المالي لعام rlm;2008،rlm; والتي تتعلق بقضايا التهريب لغزة واستقلال القضاء وتدريب أجهزة الأمن وتطوير أدائها.

وكثيراً ما يثار جدل حول المعونات الأميركية لمصر عادة، ففي إطار الدفاع عن تخفيض المعونات لمصر أو إعادة توزيعها يقول بعض السياسيين الأميركيين إن الحكومة المصرية لا تستحق كل هذه المعونات لأنها ليست متعاونة بما يكفي مع السياسة الأميركية في الشرق الأوسط او في قضية التحول الديمقراطي، وهو الأمر الذي يثير غضب الكثير من الأوساط في مصر مما يثير ردود فعل معاكسة تدعو إلى محاولة البحث عن موارد بديلة للمعونة الأميركية.

ومنذ العام 1975 وبالتحديد بعد عودة العلاقات الأميركية ـ المصرية التي أعقبت قرار فك الاشتباك الأول والثاني مع إسرائيل، في أعقاب حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973 بدأت المعونات الأميركية تتدفق على مصر، وتعد مصر منذ ذلك الوقت ثاني أكبر متلق للمعونة الاقتصادية الأميركية بعد إسرائيل، التي تمنح من خلال صندوق الدعم الاقتصادي للولايات المتحدة، وبلغ إجمالي المعونات الاقتصادية الأميركية التي تم إنفاقها خلال فترة تطبيق برنامج التعاون الاقتصادي بين مصر والولايات المتحدة نحو 26 مليار دولار، كما صرح بذلك ويلارد بيرسون مدير برنامج المعونة الأميركية في القاهرة.

ويرى الدكتور مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة أن المؤشر الأساسي لنجاح المعونة الأجنبية هو قدرتها على تنمية قدرات اقتصاد ما، وهو ما تحقق بالفعل على سبيل المثال في المعونات التي قدمتها الولايات المتحدة إلى عدد كبير من دول العالم، التي استفادت من المعونة بطريقة أفضل من مصر بكثير مثل اندونيسيا وماليزيا وباكستان والفلبين، والعديد من دول أميركا الجنوبية. ولكن على الطرف الآخر يحاجج البعض بأن مصر لم تبد الكفاءة اللازمة للاستفادة من المعونات الأميركية.

معونات وشروط

وفيما أكد سليمان عوادrlm;،rlm; المتحدث باسم الرئاسة المصرية أن بلاده لا تقبل أي معونات أميركية مشروطةrlm;، وأنها تنظر إلى هذه المساعدات باعتبارها عاملا داعما لجهود التنمية في شتى المجالات، فقد أوضح أن ما نشر عن تخفيض المعونة الأميركية المقدمة لمصر، يمثل خطأ في تفسير اعتماد قانون الاعتمادات الخارجية في الموازنة الأميركية، إذ إن هذا القانون يتيح استمرار العمل بالميزانية الحالية حتى يتم اعتماد الميزانية الجديدة rlm;2010/2009 على حد تعبيره.

ومضى المتحدث الرئاسي المصري قائلاً إن القاهرة سبق أن تفاهمت مع واشنطن على إجراء خفض تدريجي للمعونة خلال عشر سنوات اعتبارا منrlm;1998rlm; حتى rlm;2008 لكن ميزانية الاعتمادات الخارجية للعام rlm;2009rlm; خفضت المساعدات الاقتصادية لمصر من rlm;415rlm; مليون دولار إلى rlm;200rlm; مليون دولار بينما أبقت على المساعدات العسكرية التي تبلغ rlm;1,3rlm; مليار دولار كما هيrlm;،rlm; دون استشارة مصر في هذا التخفيض للمعونات الاقتصاديةrlm;، الذي جرى بقرار انفرادي وارتبط بشروط ترفضها مصرquot;، حسب قوله.

وقال عوادrlm;:rlm; إن مصر تقدر ما تلقته من مساعداتrlm;،rlm; سواء من الولايات المتحدة،rlm; أو من شركائها الدوليينrlm;، وتتطلع إلى هذه المساعدات باعتبارها عاملا داعما لجهود التنمية في شتى المجالاتrlm;،rlm; ومواقع الإنتاجrlm;.rlm; وأشار إلى رفض مصر أن يرهن أي جانب المساعدات بأي شروطrlm;، وأن هذا موقف مصري واضح. وأضاف عواد quot;أن الإدارة الأميركية الجديدة أبدت إشارات إيجابية للغاية بشأن إعادة النظر في هذا الموضوعrlm; وأن هذا الحديث يتم من خلال القنوات الثنائيةrlm;، مشيرا إلى ما نشرته بعض وسائل الإعلام في هذا الصدد عن اعتماد قانون المعونات الخارجية الذي يضمن استمرار العمل بموازنةrlm;2009/2008،rlm; إلى حين اعتماد الميزانية الجديدة للعام المالي rlm;2010/2009quot;, كما يقول المتحدث الرئاسي المصري.

تجدر الإشارة إلى أن أكثر من 26 ألف خبير أميركي يعملون في مصر، ويحصلون على 35% من إجمالي قيمة المعونة الأميركية سنويا، وهؤلاء موزعون على قطاعات التعليم 11 ألف خبير و8 آلاف في قطاع الزراعة و5 آلاف في مجال البنية التحتية والخدمات أما الباقون الذين يصل عددهم إلى نحو ألف خبير فيعملون في مراكز البحوث العلمية والمعلومات والأرصاد الجوية وأسواق المال والعقارات المصرية، كما يوجد 22 مكتبا وخبيرا أميركيا يعملون في مجال تقييم أصول الشركات العامة المطروحة للبيع ويحصلون على 35 مليون دولار سنويا في شكل أجور ورواتب.

استثمارات ومساعدات

أموال المعونة الأميركية لمصر منها 200 مليون دولار تحصل عليها مصر نقداً، و200 مليون دولار أخرى توجه إلى برنامج الاستيراد السلعي الذي يقدم الأموال بطريقة ميسرة للقطاع الخاص لكي يستورد من أميركا الآلات والمعدات و400 مليون دولار توزع على القطاعات المختلفة كالصحة والتعليم والبيئة والبنية الأساسية ومشروعات المياه والصرف الصحي.

وتشير البيانات إلى حصول 1200 مورد أميركي من 47 ولاية أميركية على مليار و634 مليون جنيه خلال السنوات العشر الماضية مقابل معدات وآلات تم توريدها لمشروعات المعونة في مصر ما يعني أن هناك 1200 شركة أميركية استفادت من عملية دوران الأموال وحصلت على ما يعادل 20% من حجم المعونات الأميركية التي حصلت عليها مصر، إضافة إلى 60 شركة مقاولات أميركية تعمل في مصر وتتولى تنفيذ مشروعات المعونة وهذه الشركات تحصل على المشروعات وتسندها من الباطن لشركات مصرية.

وتشمل المعونة الأميركية في جزء منها منحا لا ترد وهذا ما سجله تقرير أشار إلى وجود عشر منح قيمتها 416 مليون دولار خصصت اعتمادات لتطوير وتحديث محطات كهرباء وتحسين الهواء في القاهرة وأشرف على هذه المشروعات خبراء أميركيين فضلا عن منحة لرجال الأعمال و200 مليون لبرنامج الاستيراد السلعي من أميركا الذي حصل منه الوكلاء والموردون الأميركيون على 25 مليون دولار، وفي عام 1997 تم تخصيص مليون دولار للعمل في الحاصلات الزراعية بالاشتراك مع الخبراء الأميركيين، وتحظر المعونة الأميركية على الحكومة المصرية إقراض الشركات المصرية التي تزيد فيها مساهمات القطاع العام على 40% واستفادة نحو 1400 شركة أميركية من وراء هذا البرنامج خلال 3600 صفقة مولتها المعونة في برنامج السلع الأميركية لمصر تحت هذا البند.

وكشفت دراسة أعدها المركز المصري للدراسات الاقتصادية بشأن المعونة الأميركية عن أن إجمالي الاستشارات والمساعدات الفنية وصل إلى 4 مليارات دولار خلال العقدين الماضيين حيث تتراوح قيمة المكافآت التي يحصل عليها الخبير الواحد ما بين 6 و10 آلاف دولار شهرياً، وبرر مدير المعونة الأميركية في مصر ذلك بأنه يصعب أن تعمل المشروعات التي تمولها المعونة من دون خبراء متخصصين في ظل ندرة الخبرات الفنية في مصر مؤكدا أن المعونة لا يمكنها أن تستغني عن المعدات الأميركية ولا عن هؤلاء الخبراء.