عصابات quot;رومquot; كانت رأس الحربة في فرض النظام النازي
ألمانيا في مواجهة الذكرى 75 لـ quot;ليلة السكاكين الطويلةquot;

صالح كاظم من برلين: قبل 75 سنة، وعلى وجه التحديد في الثلاثين من حزيران 1934 دخل هتلر مع حلول الفجر إلى الغرفة التي كان يرقد فيها رفيقه إيرنست روم ( 1887-1934 ) قائد كتائب العاصفة ( SA ) وقال له :quot; إنهض يا روم. أنت معتقل quot; ، ومن هنا بدأت حملة تصفية رهيبة وسط أعضاء هذه الكتائب، التي كانت بمثابة الميليشيا ( الشعبية ) التابعة لحزب العمال القومي الإشتراكي الألماني وكانت هي الأساس في ترسيخ سلطة هتلر وحزبه النازي، في مواجهة الأحزاب الأخرى وما تبقى من قيادات الجيش الألماني بعد الحرب العالمية الأولى وهي قيادات تنتمي على الأغلب الى طبقة النبلاء الألمان التي كانت، على الرغم من قبولها بهيمنة هتلر على السلطة ودعمها له من خلال المستشار هندنبورغ، تكن له مشاعر الإحتقار لإنتمائه الى الطبقات الدنيا.

وفي الحقيقة فإن عصابات روم كانت تشكل رأس الحربة في فرض النظام النازي على الشارع الألماني وذلك قبل وبعد إستلام هتلر للسلطة، وهي التي تمكنت من سحب البساط من تحت أرجل الأحزاب اليسارية الألمانية ومن ضمنها الحزب الإشتراكي الألماني والحزب الشيوعي الألماني من خلال التسرب الى الطبقة العاملة الألمانية التي كانت تشكل القاعدة الجماهيرية الواسعة للحزبين المذكورين أعلاه.

من هنا فقد جاء إعتماد هتلر بشكل شبه مطلق على خدمات صديقه المقرب روم نتيجة منطقية لما حققه الأخير من نشر الإرهاب في أغلب المدن الألمانية بما فيها برلين وميونيخ تمهيدا لترسيخ هيمنة هتلر على السلطة. ومن المعروف أن هتلر كان قد عين في العام 1931 روم قائدًا عامًا لكتائب العاصفة، وذلك على الرغم من معرفته بميوله المثلية التي لم يحاول أن يخفيها.

بلغ عدد المنتمين لهذه الكتائب 3،5 مليون فرد، مما جعل روم مؤهلاً لإستلام قيادة كافة فصائل القوات المسلحة الألمانية. غير أن إصرار روم على الدخول في نزاعات شخصية مع غيره من النخبة النازية المحيطة بهتلر بما فيهم غوبلز وغورنغ وروزنبرغ والتوغل في إهانتهم علنا، واصفا إياهم بكونهم مخلوقات منحطة، فوق ما روي عنه من إهانات موجهة لهتلر وضعه بالتدريج في موقع quot;العدوquot;الذي قد يشكل من خلال ممارساته quot;غير المنتظرةquot; خطرًا على النظام النازي.

وقدأدى غوبلز دورًا كبيرًا في نقل هذه الصورة عن روم الى هتلر، الذي كان قد سبق له أن أشار الى عدم رضاه عن ممارسات رفيقه الذي بلغ به الغرور درجة قصوى توجها بقوله: quot;لا يمكن أن يصيبني أي ضرر... فلو تم إعتقالي فسيخرج مئات الآلاف من الناس الى الشوارع.quot;

لا شك بأن هتلر كان على وعي تام بالتأثير الجماهيري لروم، لذا فإنه قد لجأ الى أسلوب ملتو لغرض تصفية هذا العدو quot;المحتملquot;، فبدلاً من أن يقود حملة مباشرة للقضاء عليه، دعاه مع قادة quot;كتائب العاصفةquot; الى quot;لقاء مع القائدquot; في منطقة بادفيسسيه في بافاريا، حيث جرى إعتقالهم بعد ليلة صاخبة، لم تخل من الممارسات المثلية، في أحد quot;قصورquot; القائد العديدة الواقعة في بافاريا. في مجرى هذه الأحداث التي أطلقت علييها لاحقا تسمية quot;ليلة السكاكين الطويلةquot; على العكس من التسمية الرسمية في أجهزة الإعلام النازي quot;إنقلاب رومquot; قام هتلر بتصفية المئات من quot;أعدائهquot; في صفوف الجيش والميليشيات المختلفة المرتبطة بالنظام.

ومن الجدير بالذكر أن الميول المثلية وquot;الإنحطاط الخلقيquot; كانت من ضمن التهم التي وجهت الى روم وأتباعه، رغم أن ميوله هذه كانت معروفة للقاصي والداني، وقد عالجها المخرج الإيطالي الكبير لوتشينو فيسكونتي (1906-1976) في فيلم quot;اليوم الثالثquot;، حيث خصص جزءًا كبيرًا من الفيلم للمجزرة التي قادها هتلر بحق روم وأتباعه من كتائب العاصفة في إطار quot;ليلة السكاكين الطويلةquot;. لقد جاءت quot;ليلة السكاكين الطويلةquot; تكملة للمشهد الدموي الذي بدأه هتلر ضد اليسار الألماني إثر quot;إشعال الرايخشتاغquot; في العام 1933، حيث وجد نفسه الآن أمام مهمة quot;ترتيب البيتquot; النازي يمينًا وتصفيته من quot;حثالاتquot; البروليتاريا، بهدف إرضاء الجنرالات ذوي الجذور الأرستقراطية.