ميرفت ابو جامع من غزة: في صف دراسي يخلو من الكراسي، الا عدد من المقاعد الدراسية، تفترش الطفلة روان قديح 13 عاما من خزاعة جنوب قطاع غزة، ورقة بيضاء على ارضية المكان وتنشغل في رسم بيت تلفه اشجار الزيتون والفواكه ، وتزين جدرانه بالوان زاهية .

تقول قديج:quot; هذا بيتنا قبل أن يتدمر ، لقد كان جميلا وجديدا، لم نفرح به، عام واحد أقمنا في البيت ثم قصفه الطيران الاسرائيليquot; .

تلتف عدد من الطفلات حول قديح في احدى مدارس وكالة الغوث، ويناولنها بعض الالوان لتكمل لوحتها الجميلة ، تقول صديقتها ياسمين:quot; كان الى جوار البيت بعض أشجار الورود، دوما نلعب حولها وارجوحة ربطناها في شجرة الزيتون، لمعت عيونهما بالدموع وراحتا تكملان لوحتهما بعيدا عن أسئلتي المثيرة لشجونهما.

وتتوجه قديح التي تعيش واسرتها حاليا في بيت بالايجار على مقربة من بيتها المهدم بالقرب من الحدود الجنوبية لقطاع غزة مع اسرائيل، للجلوس بجانب أنقاض منزل أسرتها المكون من طابقين والذي دمرته آلة الحرب الإسرائيلية في الأسبوع الأخير من هجومها على قطاع غزة .

ولا تدري قديح ما السر وراء ذهابها الى هناك، رغم ان المكان يحتوي على كومة من حجارة وركام، ويثير غصة في قلبها ،وتضيف أنها تشتاق دوما لتختها وألعابها التي تكسرت اسفل الردم، وتستذكر بعض هدايا من صديقاتها في يوم ميلادها، وتضيف :quot; نشعر بالراحة أكثر ببيتنا، كل شيء موجود فيه، اما البيت الذي نسكنه الآن ضيق المساحة لا يفي باحتياجات اسرتنا كبيرة العدد فلا اسرة نوم ولا خزانات ولا ..... مللنا الانتظار quot;.

وشن الطيران الاسرئيلي حربا اواخر ديسمبر الماضي لمدة 22 يوما على قطاع غزة وهدمت الاف المنازل تدمير جزئي وكلي ،وللآن لم تبدأ عملية اعادة الاعمار في غزة، رغم وعود كثير من الدول برصد مبالغ لتحقيق هذا الهدف، الا ان هذا مرهون برفع الحصار عن غزة وانجاز اتفاق المصالحة الفلسطينية .

وتأمل قديح ان يعاد اعمار بيتها من جديد ليعود لاسرتها الامان، والراحة التي اعتادوها في بيتهم قبل هدمه، إلا انها لا تبدي كثيرا من التفاؤل بقولها :quot; يبدو هذا لن يتحقق ، فلا مواد بناء تدخل ولا اسمنت، ياريت يرجع بيتنا مثل ما كان quot;.

ولا زالت ذكريات الحرب المؤلمة حاضرة في ذاكرة الطفلة عبير النجار 13 عاما ، وتروي لايلاف كيف قصف الطيران الاسرائيلي بيتهم بصاروخين، وهم بداخله دون انذارهم بذلك أو تمكنهم من اخذ جزء من ملابسهم او بعض الأثاث ، فضلا عن اصابة شقيقها بشظايا في انحاء جسده ،ونجا الباقون باعجوبة من الموت وتضيف quot;: مع بداية القصف هربنا الى بيت عمنا في الطابق الثاني ، واقمنا لفترة شهرين في بيت بالايجار في منطقة تبعد الكيلو مترات عن بيتنا وعندما هدأ الوضع عدنا للسكن في بيت عمي هنا .

وتلفت انها حصلت على كراسة رسم في احد مشاريع الدعم النفسي التي اقامتها احدى المؤسسات بالمنطقة ورسمت بيتها الذي طالته الحرب ليبقى راسخا بذاكرتها ..

وبعد مرور أكثر من ستة شهور على توقف الحرب على غزة لازالت أكوام الردم واثار الدمار في اماكنها ، فيما ينتظر اصحابها ان تفتح المعابر ويرفع الحصار وتفي المؤسسات بوعدها في اعادة اعمارها ، ليمارسوا حياتهم الطبيعية.

ومع تأخر اعادة الاعمار، فان أكثر من 53 ألف طفل من المهدمة بيوتهم تزداد اوضاعهم سوءا، وبدات بعض الاسر تعود الى عصورها القديمة و تتجه نحو بناء بيوت من الطين، او الاقامة في خيام، أو بيوت بالايجار، حتى تأتي رياح الاعمار بما تشتهيه سفنهم، التي تلاطمها رياح شتى: الصيف والأوتاد المتهاوية .

وتشير الطفلة آلاء صالح 13 عاما من شمال قطاع غزة وقد فقدت والدها ووالدتها واحد اخوتها وزوجته في الحرب وتعيش في بيت بالايجار هي واخوتها الناجون من الحرب، الى ان لها ذكريات جميلة في بيتها ، متمنية ان يعاد اعماره بعد ان بات الامل باعادة اسرتها الى الحياة مستحيل .

وتروي الطفلة صالح انها هرعت في أحد ايام الحرب من نومها فوجدت حجارة فوقها حتى جاء اقاربها وانقذوها من تحت الدمار وذهبوا بها للمستشفى ، لتجد ثلاثة من اخوتها مصابين وباقي افراد عائلتها قتلوا بصاروخ من طائرة ال اف 16 .

وتحلم الاء ان تصبح مهندسة لتعيد اعمار بيتها والبيوت التي تهدمت بالحرب ،وتقول سوف أعيده كما كان قبل، لاعيش بنفس اهلي فيه .

وتمنع اسرائيل منذ فرضها الحصار على قطاع غزة قبل 3 سنوات ادخال الاسمنت ومواد البناء الى غزة، مما جعل امكانية اعادة الاعمار صعبة ، وادخلت الاسبوع الماضي لاول مرة أطنان من الاسمنت، لكنها قليلة، ولا تسد حاجة 11 ألف اسرة تهدمت بيوتها في غزة اما بشكل كلي او جزئي ،إلى الاعمار.

ورغم ما حفرته الحرب في قلب ونفس الطفلة ألماظة السموني 12 عاما من حي الزيتون بغزة ، من جروح على اثر هدم منزلها بالكامل ومقتل 30 من أفراد عائلتها بينهم والدتها وأشقاؤها الأربعة، ، فانها تعمر هذا البيت على الورق وتحتفظ برسومات جميلة لبيتها وبيوت حيها ومزرعة عائلتها الصغيرة التي دمرها الجيش الاسرائيلي في حي الزيتون شرق مدينة غزة. و تقيم الماظة مؤقتا في منزل صغير لجدتها ، وتعرب عن املها في ان يعاد بناء بيتهم ومزرعتهم ويعيدوا الحياة الجميلة إلى حيها كي تعود للعب مع صديقاتهاquot;.

ومنذ أواسط شهر يوليو الماضي تقوم وكالة الغوث في غزة بتنظيم دورات صيفية ترفيهية تحت عنوان quot; العاب الصيفquot; في مدارسها بغزة لمدة أسبوعين. ويستضيف كل موقع نحو 200 طفل من غزة ، تتراوح أعمارهم بين 6 و 15 عاما، وذلك للترفيه والتخفيف عن الاطفال.

وبحسب احلام زياد التي تعمل باحد المخيمات الصيفية في انشطة الرسم والفن التشكيلي، فإن هناك توجه للاطفال نحو رسم بيوت محاطة باشجار ورسم الطبيعة والبحر او رسم مشاهد الموت والخراب.

وتؤكد ايناس جودة اخصائية الصحة النفسية ببرنامج غزة للصحة النفسية ان اطفال غزة يعيشون واقع صعب جدا، مشيرة الى ان جزء كبير منهم فقد عائلته بالكامل وفقد بيته، وقالت لايلاف:quot; إن فقدان هذه الاشياء اثرت على نفسيتهم، فهناك شعور بالاحباط quot; محذرة من ان الاحباطات المتراكمة تقود الى الاكتئاب وفقدان الشهية والمزاج والعصبية الزائدة.

وتشير الى ان البيت يوفر حماية للاسرة وفقدانه يعرض الاطفال للخوف الشديد والضغوطات النفسية ، لافتة الى انه من الطبيعي ان يرسم الأطفال بيوتهم قبل تدميرها، لانها تعيش في خيالهم وهو نوع من الهروب من الواقع لحياة طبيعية يحبوا ان يعيشوها .

وشددت جوده على اهمية تقديم الدعم النفسي والاجتماعي لهؤلاء الاطفال لتفريغ الكبت النفسي عندهم بوسائل وطرق علمية وسليمة حتى لا يتراكم عليهم مستقبلا ويتحول الى عنف لا يحمد عقباه.