&
&
&
بيروت -الياس حنا : ادى تدخل الصينيين في الحرب الكورية ضد القوات الاميركية العاملة تحت قيادة ماك آرثر، بطل الحرب في الباسفيك، الى خسائر فادحة في الارواح الاميركية، والى تراجعها الى خط الطول 38.
وعندما سأل الرئيس ترومان عن السبيل المعتمد لتحقيق النصر، اجاب ماك آرثر: <<فلنتخطى الحدود الشمالية، ونقاتل الصينيين حتى ولو ادى ذلك الى استعمال النووي>>. بعدها اقيل ماك آرثر لأنه لم يؤد التحية العسكرية للقائد الأعلى الرئيس ترومان خلال لقائهما في جزيرة <<وايك>>، ويبدو من خلال هذه الحادثة، ان ماك آرثر لم يع التحوّل في وجهة ونوع الصراع بعد الحرب الثانية. فهو تعوّد على الحروب الشاملة، وغاب عن باله مفهوم الحرب المحدودة. خلال حرب فيتنام اعطى الكونغرس الرئيس جونسون صلاحيات مطلقة للرد على حادثة خليج تونكين. لكنه كان دائما يخاف من التصعيد مع كل من السوفيات والصين، الامر الذي قد يؤدي الى حرب نووية. وبدل ذلك، راح يتدخل في الشؤون العسكرية حتى المستوى التكتيكي، اذ يقال انه كان يختار هو بنفسه الاهداف لسلاح الطيرن. ازعج هذا الامر القادة العسكريين، ولاموا القيادة السياسية لاحقا لأنها لم تسمح لهم باستغلال تفوقهم.
عندما جمع الرئيس كيندي مستشاريه خلال الأزمة الكوبية ليسألهم عن السبيل المعتمد للخروج من هذه الورطة، كان دائما جواب العسكر يتركز على القيام بعمل عسكري. حتى ان البعض اقترح القيام بأعمال ارهابية داخل الولايات المتحدة بتدابير من المخابرات الاميركية، وإلقاء اللوم على الكوبيين، الأمر الذي يبرر الاجتياح.
بعد حادثة 11 ايلول اعطى الكونغرس صلاحيات استثنائية للرئيس بوش للقيام بما يراه مناسبا. اعلن الحرب على الارهاب، اعلن التعبئة، قسّم العالم الى مع وضد. تحركت الأساطيل، وضعت السيناريوهات، تبدلت نتيجة لذلك الخارطة السياسية الاستراتيجية، وبدا اعداء الأمس حلفاء اليوم، كما تراجع دور بعض الاصدقاء. وقد اظهرت هذه التحالفات الجديدة براغماتية القوى العظمى، ومعطوبية القوى الصغرى. في هذا الاطار، ما هي العوائق الخمسة امام المخططين العسكريين الأميركيين؟
1. ترتيب البيت الداخلي: لا يمكن لأميركا القيام بأي عمل ناجح في افغانستان، الا اذا امنت الداخل الاميركي. فالعملية المنفذة، والنجاح الذي حققته يؤكدان ان المخططين ليسوا هواة. فهم استطاعوا خداع الأجهزة الأمنية، قبل وبعد العملية. قبل العملية، كونها لم تحبط. بعدها عندما عجزت الأجهزة الأميركية عن حل لغز الشبكة وتقديم الدلائل الحسية عن المسؤولين عن التخطيط والتنفيذ، وقد بدا هذا الأمر في الاتهامات الخاطئة التي اطلقت على بعض الأشخاص. ونتجية لذلك يبقى السؤال، من يضمن انه لا يوجد إرهابيون آخرون داخل الولايات المتحدة مع مهمات محددة تنفذ على أمر ما او ما شابه؟ وبهدف تأمين الداخل، عمد الرئيس بوش الى إنشاء إدارة (بمستوى وزارة) للاهتمام بهذا الأمر. لكن الأمن سوف لن يتحقق بقرار، لأنه مسار. وتبدو مسؤولية هذا الجهاز الجديد معقدة وليست سهلة. فهو سوف يُنسق بين أكثر من 30 إدارة فدرالية متضاربة في المهمات والوظائف. ولا يجب ان ننسى هنا الدول المجاورة (المكسيك ? كندا) والتي قد تكون المدخل الرئيسي للإرهابيين، فالمشكلة مع المكسيك تكاد تكون معضلة لأمن الولايات المتحدة. فبدل العمل على أمن الداخل، وجب توسيع البيكار ليضم كندا، والمكسيك ضمن أي تصوّر أمني مستقبلي.
2 في التوازن بين الوسائل والأهداف: يقول كيسنجر ان الانتصارات الأميركية في الحروب، لم تكن بسبب استراتيجية متفوقة، بل بسبب وسائل ولوجستية لا حدود لهما. تحشد الولايات المتحدة كامل قوتها في المناطق المحيطة بأفغانستان، والمعروف حتى الآن يصب في التصنيف التقليدي، وما نأمله ان لا تكون هناك أسلحة دمار شامل. كما يأمل البعض ان تكون أميركا أعدت أسلحة غير قاتلة (Non Lethal)، لتجنيب المدنيين الخسائر. فعّلت أميركا كل وكالاتها الاستخباراتية، من الاف. بي آي، الى الوكالة الوطنية للأمن، الى الوكالات الصديقة، بهدف تكوين الملف الاستعلامي لاستغلاله على مسرح العمليات. جمعت حاملات الطائرات (أربع)، التي تستطيع تأمين 80 طلعة يوميا، استدعت الاحتياط، ذخّرت القاذفات الاستراتيجية. هذا عن الوسائل، فماذا عن الأهداف؟ يبدو الهدف الأول متمثلا بأسامة بن لادن، وقاعدته (قارن مع الوسائل)، الهدف الثاني، نظام طالبان والذي يملك قوى مسلحة تقريبا بدائية. وذلك بعكس ما كان عليه الوضع في حرب الخليج، حيث كانت الأهداف واضحة، حيوية على الصعيد العملاني. إذا التوازن بين الوسائل والأهداف العسكرية مفقود تماما. إذا لماذا هذا الحشد؟ يقول الخبراء انه رسالة موجهة بعدة اتجاهات، خاصة الجهة العراقية.
3 في التوازن بين العملاني التكتيكي والاستراتيجي: ماهو استراتيجي لأفغانستان قد يكون تكتيكا للولايات المتحدة. فاستمرارية نظام طالبان تتعلق بنتيجة الحرب المقبلة، الخسارة قد تعني نهايته. لكن الصورة من الجهة الاميركية مختلفة خاصة في شقها العسكري. فالخسارة ام نصف الربح الاميركي سوف لن يؤديان حتما الى نهاية الولايات المتحدة، فقد يضافا الى السوابق الاميركية في هذا المجال، فيتنام مثلا. لكن ظروف الازمة الحالية تضع ضغوطا كبيرة على المخططين العسكريين الاميركيين، وهذا ما يعطي البعد العملاني الاميركي بعدا استراتيجيا. فالخسارة العملانية من الجهة العسكرية ليست خطيرة بحد ذاتها، لكن الكارثة سوف تكون في نتائج هذه الخسارة. فهي ستؤكد هشاشة اميركا، وتراجعها الى مستوى دولة كبرى اقليمية فقط، وسوف تسهل قيام قوى كبرى منافسة، وعلى رأسها الصين. وهي حتما (اي الخسارة) ستكون نقطة التحوّل في مصير اميركا. لذلك لا يحسد القادة الاميركيون على هذا الوضع، فهم يريدون النصر، لكنهم لا يستطيعون استعمال كل وسائلهم، فعليهم خلق المعادلة السحرية لهذا الوضع.
4. في العامل الجغرافي الطوبوغرافي: كونها دولة عظمى، هذا يعني ان اميركا تستطيع التدخل في اية بقعة من الارض (Global Reach)، والعكس قد يكون على صورة ما تعانيه روسيا من خلال حروبها المحيطة بها. صدف ان يكون العدو الحالي في ارض مغلقة، وصدف ان تكون اميركا مجبرة على خوض هذه الحرب بسبب اهميتها القصوى. لكن تاريخ الحروب الخارجية على افغانستان لا تشجع كثيرا. فقد حاول الانكليز وفشلوا، ولا تزال التجربة السوفياتية ماثلة حيّة في ذاكرة الكل. وقد يعطي هذا الأمر قوة ومعنويات اكبر للأفغان، ويضع ضغوطا سلبية على المهاجم بشكل عام، فالطوبوغرافيا لا تشجع على الحروب التقليدية، ويعتبر هذا الامر رادعا للاميركيين، لأن فيتنام قد تتماثل مع افغانستان، فبدل الغابات، هناك الوعورة والمغاور والتصميم على القتال والتضحية دون حساب. اما الجغرافيا، فهي تضع عائقا آخر امام المخططين، فالحرب تستلزم التموين، الأمر الذي يستلزم خطوط المواصلات الآمنة والقصيرة. فالمسافة بين اي مرفأ باكستاني تستعمله اميركا والحدود الجنوبية لأفغانستان، هي 300 ميل، وبين هذا المرفأ والعاصمة كابول هناك 700 ميل.
5. في المحيط المعادي: ان اهم قسم في امر العمليات العسكرية يتناول المحيط الذي تدور فيه العمليات. والمقصود به هو السكان، واذا ما كانوا موالين او معادين. وقد عانت اميركا كثيرا من هذا الامر. وتجربة لبنان من خلال حادثتي السفارة الاميركية ومركز المارينز قرب المطار لا تزالان ماثلتين في الذاكرة العسكرية الاميركية. كما ان حادثة الخُبر في السعودية هي ايضا مثال حي. تعمل اميركا الآن في محيط معاد. فباكستان اضطرت مرغمة وبقرار تاريخي للرئيس مشرّف، القبول باستعمال اجوائها من قبل الطيران الاميركي، ولا تزال التظاهرات حتى الآن في باكستان تندد بقرار الرئيس. كما انه يقال ان بعض العسكريين الباكستانيين من الرتب العالية يعارضون قرار الرئيس، حتى ان الشعب الطاجاكستاني لا يبدو بمجمله مواليا للاميركيين، فمنهم من هو مسلم، لذلك يضع المحيط المعادي ضغوطا اضافية على المخططين الاميركيين، الامر الذي يجعلهم يبنون خططهم بشكل ان لا يختلطوا بالشعب، فكل قاعدة جوية تؤوي اميركيين هي عرضة للهجمات الاصولية، وكل خط تموين اميركي قد يكون خط قتل الاميركيين عبر كمائن تقام عليه.(السفير اللبنانية)
&













التعليقات