&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&& &جهاد الخازن&

اعترف بأن عندي صديقاً اميركياً، وهو اعتراف خطير هذه الايام. والواقع ان عندي اصدقاء اميركيين، غير انني اتحدث هنا عن صديق عرفته منذ كان سكرتيراً ثالثاً في السفارة الاميركية في بيروت. وهو تدرج صعوداً حتي اصبح سفيراً، وعاد الي وزارة الخارجية في واشنطن، واستقال قبل سنتين او ثلاث، مع قناعتي الكاملة بأن حاخامات وزارة الخارجية جعلوه يطفش .
اتصل بي هذا الصديق الاميركي الذي يتكلم العربية مثلنا وقال ممازحاً يا أخي ليش بتكرهونا؟ ورددت الله يخليك قل لي، شو فيكم شي بينحب .
الاميركي هذا يعرف الجواب، غير ان الاميركيين العاديين لا يعرفونه، لذلك كان اكثر الاسئلة تردداً منذ ارهاب 11 ايلول (سبتمبر) هو لماذا يكرهوننا؟ .
وكنت اقرأ جريدة كريستيان ساينس مونيتور علي الانترنت قبل ايام. ووجدت مقالاً بهذا العنوان فطبعته، وفوجئت بأنه يقع في 26 صفحة، وكاتبه بيتر فورد استعان بمراسلين كثيرين حول العالم، وسجل اسباب كره العرب والمسلمين للولايات المتحدة، من مخيمات الفلسطينيين في الشرق الاوسط، الي الهند وباكستان وأندونيسيا.
وتحدث فورد مع باسم وسنية الغصين، وهما لبنانيان من اصل فلسطيني، قتلت ابنتهما رأفت عندما هاجمت طائرات اميركية اهدافاً في طرابلس وبنغازي في 16 نيسان (ابريل) 1986، فكانت بين 55 ضحية لذلك القصف الذي جاء رداً علي انفجار في ملهي في برلين قتل فيه اثنان، احدهما جندي اميركي، وجرح مئتان، منهم 63 جندياً اميركياً. كما تحدث مع الشيخ عبدالمجيد عطا، من مخيم الدهيشة، جنوب بيت لحم، وهو من مناصري حماس ويقول ان الطفل يعرف ان اسرائيل لا شيء من دون اميركا. وسمع الصحافي قصصاً مختلفة من باكستان، ومن اندونيسيا، والولايات المتحدة نفسها، وألمانيا واليمن وغيرها.
وباختصار، فكل عربي او مسلم له قضية او قصة ضد اميركا، واذا كان والدا شابة قتلت في طرابلس لهما قضية شخصية بالاضافة الي القضية العامة، فإن الكومودور طيار حيدر، وهو عمل ملحقاً عسكرياً في السفارة الاميركية في واشنطن عشر سنوات، يقول ان الولايات المتحدة طعنت باكستان في الظهر خلال حرب كشمير سنة 5691.
واختار بيتر فورد ان يترجم ابياتاً من قصيدة نشرتها الحياة في الصيف هي:
نزار ازف اليك الخبر
يموت الصغار، وما من احد
تهد الديار وما من احد
يداس الدمار وما من احد...
سئمت الحياة بعصر الرفات
فهيّء بقربك لي حفرة
فعيش الكرامة
تحت الحفر
وقال فورد ان هذه القصيدة لم يكتبها فلسطيني بائس او يائس في مخيم، وانما السفير السعودي في لندن، غازي القصيبي، وهو عضو في احدي اكثر الاسر ثراء ونفوذاً في بلاده .
وتزامن مقال كريستيان ساينس مونيتور مع عدد من مجلة نيوزويك وقفته كله علي السؤال لماذا يكرهوننا؟ ووجدت بضعة عشر مقالاً، بينها واحد كتبته الزميلة راغدة درغام، وقالت فيه ان الولايات المتحدة لن تكسب العرب والمسلمين بالكلام فقط، بل يجب ان تقرن كلامها بأفعال تبني جسوراً من الثقة مع شعوب شعرت طويلاً بخيانة الولايات المتحدة لها.
المقال الاساسي في المجلة كتبه فريد زكريا، وهو هندي مسلم علّم في هارفرد ويرأس تحرير الطبعة الدولية من المجلة.
ووجدت المقال يؤلم عندما يضع اصبعه علي الجرح، ويقول ان الدول العربية اليوم اقل حرية منها قبل 30 سنة. ثم يسفّ وهو يرتكب اخطاء واضحة. وزكريا مثلاً يتحدث عن جو ايجابي ازاء الولايات المتحدة عندما زار الشرق الاوسط في السبعينات. غير اننا نعلم جميعاً ان الجو الايجابي تبدد بعد حرب 1976، وتلاشي نهائياً عندما مدت الولايات المتحدة جسراً جوياً الي اسرائيل خلال حرب 1973 لمنع هزيمتها العسكرية.
ولن ادافع هنا عن اي دولة عربية، ولكن اقول ان هناك اسباباً حقيقية لانتقادها منفردة ومجتمعة، ولا حاجة، بالتالي الي اختراع اسباب غير موجودة.
زكريا يقول ان الحكومة المصرية ليست فاعلة في شيء سوي قمع المعارضة. هل هذا صحيح؟ لا توجد حرية كاملة في مصر بالتأكيد، ولكن عهد الرئيس مبارك افضل كثيراً في مجال الحريات من عهدي جمال عبدالناصر وأنور السادات، وهناك شيء اساسي لا يعرفه الغريب عنا حتي لو كان خبيراً من مستوي فريد زكريا، ففي مصر لا يوجد خوف من ركوب مركب المعارضة، وهو خشن، كما يوجد في بلد مثل العراق مثلاً. والاقتصاد المصري يعاني، الا ان مصر بلد يزيد سكانه كل سنة 6،1 مليون نسمة، وكان يجدر بالكاتب ان يقدر صعوبة ايجاد وظائف جديدة لهؤلاء كل سنة وهو يتحدث عن البطالة.
ويتحدث زكريا بعد ذلك عن المملكة العربية السعودية، ومن اخطائها او خطاياها في نظره تمويل مدارس دينية في الخارج لتحويل الانظار عن الداخل. مرة اخري اسأل: هل هذا صحيح؟ الصحافيون الاجانب يكتبون مدرسة بحروف لاتينية ثم يترجمونها الي الانكليزية بمعني مدرسة دينية . ولكن المدرسة هي المدرسة، ولا يمكن ان تعتبر كل مدرسة مدرسة دينية ، والسعودية وراءها.
مرة اخري، لن ادافع عن اي بلد عربي، وأعرف من اخطائنا ما لا يعرف زكريا او غيره، وانما القول ان العرب يشعرون بالفشل لأن اسرائيل بنت مجتمعاً عصرياً، غير صحيح، فهم يشعرون بالغضب لأن الولايات المتحدة بنت اسرائيل ضدهم، وهنا يصبح لاجئ في مخيم اكثر وضوحاً في رؤيته من استاذ في جامعة هارفرد. (عن "الحياة" اللندنية)
&
&