&&&&&&&&&&&&&&&& ميخائيل غورباتشوف
شهد العالم، في الشهر الماضي، شيئا لم يعهده من قبل: موقفا مشتركا اتخذته اميركا وروسيا واوروبا والهند والصين وكوبا ومعظم دول العالم الاسلامي ومناطق ودول أخرى كثيرة. وعلى الرغم من وجود كثير من الخلافات الجدية بينها، فقد توحدت لانقاذ الحضارة.
وتتمثل مسؤولية المجتمع الدولي، الآن، في تحويل التحالف ضد الارهاب الى تحالف لنظام عالمي سلمي. وعلينا ألا نضيع الفرصة، كما فعلنا في سنوات التسعينات، من أجل اقامة مثل هذا النظام.
لقد اختفت مفاهيم مثل التضامن ومساعدة دول العالم الثالث على مكافحة الفقر والتخلف، من المفردات السياسية. ولكن اذا لم يجر إحياء هذه المفاهيم سياسيا، فإن أسوأ سيناريوهات صدام الحضارات يمكن ان يتحول الى واقع.
اعتقد ان على مجلس الامن الدولي التابع للأمم المتحدة ان يتبنى مكافحة الارهاب ومعالجة القضايا الدولية الأخرى. فكل القضايا الرئيسية التي تأخذها الامم المتحدة بالحسبان تؤثر في أمن البشرية. وقد آن الأوان للتوقف عن صب اللعنات على الأمم المتحدة، وتحقيق تقدم في اطار تكييف المنظمة الدولية لاداء مهمات جديدة.
ويتعين ان تشتمل الخطوات الملموسة التعجيل بنزع الاسلحة النووية والكيمياوية، والسيطرة على المخزونات المتبقية من المواد الخطرة بما في ذلك الادوات والوسائل الكيمياوية والبيولوجية. ولا يمكن ان يكون أي قدر من المال كثيرا على انجاز هذه المهمة. وآمل ان تدعم الامم المتحدة اتفاق التحقق من معاهدة حظر الاسلحة البيولوجية، وتقر معاهدة حظر جميع الاختبارات النووية، رغم ان كلتا الخطوتين يمكن ان تقلبا المواقف الحالية لادارة بوش.
ويتعين علينا ان ننتبه الى أولئك الذين اشاروا الى النتائج السلبية للعولمة بالنسبة لمئات الملايين من الناس. فالعولمة لا يمكن ايقافها، لكن يمكن ان تكون اكثر توازنا بالنسبة لأولئك الذين تؤثر فيهم.
واذا ما كانت المعركة ضد الارهاب محدودة بالعمليات العسكرية، فإن العالم يمكن ان يكون هو الخاسر. ولكن اذا ما اصبحت جزءا اساسيا من جهود مشتركة لاقامة نظام عالمي اكثر عدلا، فإن الجميع سيستفيدون، بمن فيهم أولئك الذين لا يدعمون الآن الافعال الاميركية او التحالف المناهض للارهاب. ان أولئك الناس، وهم كثر، يجب ان لا يعتبروا اعداء.
لقد اظهرت روسيا تضامنها مع اميركا. وبعث الرئيس فلاديمير بوتين، في الحال، ببرقية الى الرئيس بوش يوم الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) ادان فيها "العمل الوحشي" الذي جرى في ذلك اليوم. وتتقاسم روسيا المعلومات والمواقف المنسقة مع الغرب ومع جيرانها، وتفتح مجالها الجوي، وتقدم المساعدة الانسانية للشعب الافغاني، والاسلحة لتحالف الشمال. وهذه سياسة سليمة، لكن يتعين علينا ان نأخذ بالحسبان انه في المؤسسة الروسية وكذلك بين الناس، تتباين ردود الافعال. فبعض الناس ما زالوا عرضة للأساليب القديمة في فهم العالم وموقع روسيا فيه. ويتساءل آخرون، بصدق، عما اذا كان يتعين على البلد الاقوى في العالم ان يقصف افغانستان الفقيرة. وما زال آخرون يتساءلون: لقد دعمنا اميركا في ساعة المحنة، فهل ستلتقي بنا في منتصف الطريق وتدعمنا في قضايا هامة بالنسبة لنا؟
انا واثق من ان روسيا ستكون شريكا جادا في مكافحة الارهاب الدولي. ولكن من المهم، على نحو مماثل، سماع صوتها في اقامة نظام دولي جديد. واذا لم يجر ذلك، فإن الروس يمكن ان يستنتجوا بأنهم قد استثمروا ليس إلا. وسيجري التعامل مع قضايا مثيرة في العلاقات الاميركية ـ الروسية قضايا مثل الدفاع الصاروخي، وقبول اعضاء جدد في حلف شمال الاطلسي (الناتو) ـ في الاطار ذاته، ولكنها ستكون يسيرة الحل ما ان ننتقل باتجاه اجندة عالمية جديدة وشراكة اعمق بين بلدينا.
واخيرا سيكون من الخطأ استخدام المعركة ضد الارهاب لفرض الهيمنة على دول او مناطق. فهذا سيفقد التحالف مصداقيته، ويعرقل أفق تحويله الى آلية فعالة لبناء عالم سلمي.
ان تحويل التحالف ضد الارهاب الى تحالف يسعى الى تحقيق نظام دولي عادل سيشكل حفاظا دائما على ذكرى الآلاف من ضحايا مأساة الحادي عشر من سبتمبر.
* الرئيس السوفياتي السابق ـ خدمة "نيويورك تايمز" ـ خاص بـ "الشرق الأوسط"
&