واشنطن - من وفيق رمضان: يسافر وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد غداً الجمعة الى روسيا والى الدول المجاورة لافغانستان، سعياً الى ابقاء تماسك التحالف الدولي ضد الارهاب.
ويحاول رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير في جولته الشرق الأوسطية ان يكون "حكومة ظل" اميركية وان يقنع الدول العربية والاسلامية بان تحافظ على صبرها وعلى حسن علاقتها مع الولايات المتحدة.
وبات يصعب، مع تشعب الحرب التي اعلنتها دولة كبرى على أفراد، معرفة أين هي الجبهة الثانية. لكن الجبهة الثانية، تقليدياً، هي الجبهة الداخلية، وهذه أيضاً صارت مصدر قلق لادارة الرئيس جورج بوش.
وذهب بوش الثلثاء الى نيويورك، وسط تدابير أمنية لا سابق لها، ليرمي الكرة الأولى معلناً بدء موسم رياضة البيسبول الشعبية لدى الاميركيين، وليثبت ان الحياة الطبيعية ينبغي ان تعود.
لكن الاميركيين صاروا محتارين في هذا الشأن، لان تحذيراً صدر قبل أيام من ان عملية ارهابية كبيرة وبحجم ما حدث في نيويورك وواشنطن قد تحصل بين يوم وآخر. وهذا التحذير يشبه آخر صدر قبل اسبوعين.
لكن العلامة الاوضح على عودة الحياة الطبيعية، هي عودة الخلافات والمشاحنات العلنية بين الديموقراطيين والجمهوريين في شأن نتائج الحملة العسكرية على الارهاب. وهذا ما دعا بوش الى الاجتماع مع زعماء الحزبين، لطمأنتهم الى ان ما يرونه ليس بداية لانغماس عسكري في افغانستان، مثل بداية الانغماس العسكري الاميركي في فيتنام في الستينات من القرن الماضي.
وذهبت الادارة الاميركية، للمرة الثانية منذ بدء الغارات الجوية على أفغانستان، الى مطالبة التلفزيونات الاميركية الرئيسية "بليونة" بان تقلل بث صور القتلى المدنيين وخصوصاً النساء والاطفال والمنازل المدمرة، لئلا تزيد في تدمير الرأي العام الاميركي فيعود الى التساؤل "ولكن ماذا نفعل هناك؟".
ويشبه قرار ارسال الف من المشاة الى اوزبكستان وقبلهم مئة من "الخبراء" العسكريين الى تحالف الشمال المعارض لحركة "طالبان" في افغانستان، بدء التدخل العسكري الاميركي في فيتنام.
وبدأت عبارة "المستنقع الافغاني" تتكرر بكثرة في تعليقات الصحف والتلفزيونات، لتذكر بالمستنقع الفيتنامي الذي عاش الزعماء المدنيون والقادة العسكريون الاميركيون ليأسفوا ويعتذروا ويندموا على ما قاموا به في الكتب والمذكرات التي نشروها.
ومع دخول الغارات الجوية اسبوعها الرابع، لاحظت الادارة الاميركية انه كان عليها ان تعد الحل السياسي في افغانستان اولاً، ثم تفرضه عسكرياً في ما بعد. كذلك تنبهت ادارة بوش الى ان انتشاراً لقوات برية او لقوات خاصة في الدول المحيطة بافغانستان، الآن، من شأنه ان يزيد الضغط على حكومة "طالبان" التي اثبتت انها اكثر صلابة مما ظنت وزارة الدفاع الاميركية "البنتاغون".
والاسوأ هو ان "البنتاغون" موقن ان القصف الجوي لن يحسم الامر، كما تمنى، وحتى عمليات الكوماندوس لن تكفي، بل يجب ارسال قوات برية بكثافة... وهذا ما لن يقرره "البنتاغون" حالياً وربما على الاطلاق.
وهذا الامر دعا السناتور الديموقراطي جوزف بايدن الى التصريح: "انهم يقولون اننا نتجرأ على العالم بقوتنا الجوية واسلحتنا الالكترونية واننا نخاف العمليات العسكرية البرية".
كذلك رأى السناتور الجمهوري جون ماكين انه اذا كان بوش يريد انجاز شيء في افغانستان، فعليه ان يدفع بعشرات الآلاف من الجنود وان يتوقع سقوط مئات القتلى بينهم.
بشبح فيتنام، او بعدمه، قرر "البنتاغون" توسيع العمليات العسكرية، وابلغ رامسفيلد الى الرئيس بوش ان وزارته ستستدعي قريباً خمسين الفاً من جنود الحرس الوطني للخدمة العسكرية الفعلية.
وبحسب القوانين الاميركية، يحق للرئيس الاميركي استدعاء مليون من الحرس الوطني او من قوات الاحتياط، لفترة لا تزيد على السنتين. والى الآن استدعى "البنتاغون" 42 الفاً من الحرس الوطني. لذا ابلغ رامسفيلد الى الرئيس الاميركي استدعاء عدد اضافي. والارجح ان الجنود الاميركيين سيعملون مع مقاتلي تحالف الشمال الافغاني.
ويمكن المرء ان يتصور ان الالتزام العسكري الاميركي سيكون طويلاً، كما يمكن ان يسلّم بصدقية المعلومات الاستخبارية التي تعتمد عليها وزارة الدفاع الاميركية والتي مصدرها تحالف الشمال!
وتبدي بريطانيا، وهي البلد الوحيد الذي يشارك بقواته في الحرب الدائرة فوق افغانستان، قلقا من مصير هذه الحرب مع تصاعد المشاعر في الدول العربية والاسلامية لقرب حلول شهر رمضان.
وجاء الى واشنطن وزير الدفاع البريطاني جوف هون للاجتماع مع رامسفيلد، الذي كان صرح سابقا ان الحرب ستستمر خلال شهر رمضان "لأن حكومة طالبان وتنظيم القاعدة لا يذهبان الى اجازة خلاله". ولكن مع وجود هون الى جانبه، عاد ليصرح بأن واشنطن حساسة حيال مشاعر المسلمين.
وفكرة هون، بوقف العمليات العسكرية الاميركية خلال شهر رمضان، تعكس موقفا اوروبيا، وتخوفا على مصير نظام الجنرال برويز مشرف في باكستان.
وتشعر الادارة الاميركية باحباط لأن العمليات العسكرية الجوية تدور على نفسها، ولم تحقق اي انتصار سياسي. وبات المواطنون& الاميركيون يتصورون انهم سيدفعون ثمنا كبيرا لنصر صغير، ولو كان هذا النصر سقوط حكومة "طالبان" او القبض على زعيم تنظيم "القاعدة" اسامة بن لادن او قتله.
وقامت القوات الاميركية حتى الان بعملية كوماندوس واحدة، جبهت بمقاومة، وعادت ومعها بعض الحاجات الشخصية لزعيم "طالبان" الملا محمد عمر وزجاجات من الادوية المختلفة قيل انها& له (...) وهذا يثبت كم ان المعلومات& الاستخبارية التي لدى الجانب& الاميركي لا معنى حقيقي لها.
كما ان الحلفاء الجدد لاميركا، اي تحالف الشمال، يكررون منذ اسابيع انهم على اهبة الاستيلاء على مدينة مزار الشريف الاستراتيجية، مما سيسهل لدباباتهم ان تكر على كابول، وكل هذا لم يحدث.
والذي تخشاه ادارة بوش، هو ان يحدث في افغانستان ما حدث في فيتنام، عندما تسبب التدخل العسكري هناك بسقوط كل الرؤساء الفيتناميين الذين تعاونوا مع واشنطن، وبسقوط جنوب فيتنام في ايدي الشيوعيين الذين حاربتهم سنوات.
في افغانستان، قلبت الغارات الاميركية انتقاد الافغان لـ"طالبان" ووحدتهم ضد الاميركيين، ومن يمكنه ان يؤكد ان تحالف الشمال، الذي هو اقلية عسكرية وعرقية، يمكنه ان يسيطر على افغانستان؟ (النهار اللبنانية)
&