دمشق- من فايز سارة:فتحت محاكمة النائبين السوريين المستقلين عن مدينة دمشق محمد مأمون الحمصي ورياض سيف بوابة الحديث عن الاصلاح في سورية، وهو باب بدا وكأنه قد اغلق تماماً بعد حملة الاعتقالات التي طالت اضافة الي النائبين الحمصي وسيف ثمانية آخرين من نشطاء لجان احياء المجتمع المدني وحقوق الانسان.
ولم تكن مجريات المحاكمة في مدلولاتها ومجرياتها، هي الدليل الوحيد علي اعادة الحديث عن الاصلاح في سورية، بل اضافة الي المحاكمة، التي جرت علي يومين متتاليين، وفي جلستين منفصلتين، لعبت المذكرة التي وجهها النائب منذر الموصلي الي كل من الرئيس بشار الاسد ورئيس مجلس الشعب عبد القادر قدورة دوراً في اعادة طرح موضوع الاصلاح، حيث طعن فيها بتوقيف النائبين الحمصي وسيف وسياسيين آخرين ممن اتهمتهم السلطات بالاخلال بالدستور وطالب باخلاء سبيل الجميع بكفالة لعدم دستورية اعتقالهم.
واقترحت مذكرة الموصلي، اخلاء سبيل الموقوفين بكفالة، وان يحاكموا وهم مطلقو السراح، وبذلك تكون قد تحققت هيبة الدولة، واحترمت صلاحيات القضاء ومن جهة اخري يكون العدل قد اخذ مجراه باخلائهم بالكفالة علي ان تستمر محاكمتهم، حسب تأكيدات النائب الموصلي.
وكانت محاكمة النائبين السوريين المستقلين عن مدينة دمشق محمد مأمون الحمصي ورياض سيف، التي حضرها النائب الموصلي، طرحت حيثيات وتفاصيل، تتصل في مجرياتها ومدلولاتها بموضوع الاصلاح في سورية، وهي تستحق الوقوف عندها.
ففي مدلولات ما حدث، انها المرة الاولي التي تتم فيها اقامة محاكمات سياسية، وهذا يسجل سابقة في تاريخ القضاء السوري غابت، وغيب عنها طوال نحو اربعين عاماً، لم تتم خلالها محاكمات سياسية امام القضاء السوري، وكل المحاكمات التي تمت خلال تلك الفترة، جرت تحت قاعدة القضاء الاستثنائي، وليس تحت جناح القضاء العادي الذي يفترض به التعامل مع القضايا السياسية علي نحو ما يتعامل به في القضايا الاخري المطروحة امامه.
وكون المحاكمة لاعضاء منتخبين في مجلس الشعب السوري، فان هذا يعني، ان لا أحد خارج حدود القضاء، وان هناك امكانية لاحالة مسؤولين آخرين في السلطات المختلفة امام القضاء - وقد تمت بالفعل وبغض النظر عن طبيعة كل من الحالتين - احالة مسؤولين كبار امام القضاء للمحاكمة بتهم الفساد في العام الماضي، والامر في كل الاحوال، سيعطي دوراً جديداً ومميزاً للقضاء السوري، وهو سوف يعزز مطالب دعاة الاصلاح من السوريين بقيام القضاء بمهماته الاساسية، وهو ما يتطلب مستوي من الاستقلالية عن السلطة السياسية، لم تتوفر في خلال المراحل السابقة.
ولعل في مدلولات ما حدث أمراً ثالثاً ومهماً، اساسه تحويل المحاكمات السياسية الي محاكمات عادية وعلنية، محاكمات تجري وفقاً للاصول القانونية، فكان فيها قاض وهيئة محكمة، ونيابة، ودفاع، وفوق ذلك حضور للمتهمين وذويهم ولجمهور من الرأي العام ومن المهتمين بالقضية سواء من الصحافيين والعاملين في الشأن العام، بل ان الامر تجاوز ذلك الي حضور شخصيات دبلوماسية اجنبية، وهو ما اعطي المحاكمة طابع الشفافية، ليطلع الجميع، ويسمع الجميع، وهم سيكونون شهوداً علي ما حدث وما قيل، كما يمكن ان يكونوا شهوداً علي الحكم عندما يصدر، اذا سارت المحاكمة بصورة عادية الي نهايتها.
ودلالات المحاكمة لاتنفصل عن محتوياتها في تقدير اهمية المحاكمة وصلتها بموضوع الدعوة الي الاصلاحات في سورية، التي قامت المحاكمة علي اساسها، وبدا من الطبيعي، ان يعيد النائبان الحمصي وسيف تأكيد وجهة نظرهما ومواقفهما في مواجهة قرار الاتهام الذي تلاه القاضي مقدماً التهم الموجهة للنائبين في انتهاك الدستور ومحاولة تغييره بطريق غير مشروعة، وإثارة النعرات الطائفية، وتأسيس جمعية سرية منافية للقانون، وعقد اجتماعات سرية وغير قانونية، وقد نفي النائبان تلك التهم جملة وتفصيلاً، بل انهما ردا علي التهم باتهام اطراف اخري بأنها تعطل الدستور، وتمنع الصوت الآخر من القول العلني.
وقد اتاحت المحاكمة للدفاع في الجلستين، ان يقول شيئاً مختلفاً في قضية سياسية، منه بطلان كل الاجراءات التي تمت في اعتقال ومحاكمة النائب الحمصي، وكذلك القول، ان توقيف النائب سيف وتحريك الدعوي العامة ضده غير قانونية ومخالفة للاصول، وفي الحالتين، اعتبر الدفاع، ان جميع التهم التي وجهت للنائبين، وأنكراها امام المحكمة، ليس من دليل عليها، مما يتطلب اطلاق سراحهما، حسبما تضمنت مذكرتان تقدم بهما الدفاع الي المحكمة. في الجلسة الاولي لمحاكمة النائب الحمصي ومثيلتها جلسة محاكمة النائب سيف كثير من الدلالات، وكثير من المعاني التي تؤكد، ان حركة الاصلاح في سورية تمضي الي المستقبل، رغم العثرات التي اصابتها باعتقال النائبين الحمصي وسيف، وثمانية آخرين من نشطاء الاصلاح ودعاة المجتمع المدني في سورية، وهذه العثرات تشبه في جوانب منها الارباكات التنظيمية، التي ظهرت اثناء جلستي المحاكمة، كان منها عدم اطلاع النيابة والدفاع علي ملف القضية قبل انعقاد الجلسة، وهو امر عادي، يمكن تفهمه في ضوء فرادة التجربة وحداثتها، ويمكن القول، ان بين الارباكات، افتقاد الجلسة الي ادارة افضل، تسمح للمعنيين بها من المشاركة الحقيقية والفعالة من خلال طرح افكارهم وآرائهم، ومناقشة بعضهم بعضاً في قضايا عامة تهم السوريين كلهم، وتؤثر علي مستقبلهم.(الراية القطرية)
&