&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&& &كمال رمزي
&
اسلوب محسن مخملباف يتجلى على نحو واضح، في فيلمه الاخير "طريق قندهار": الاهتمام بالمكان، ببيوته، كثبانه الرملية، أفقه الواسع، مدارسه، وسائل مواصلاته.. وفي مقدمة هذا كله، البشر، بآمالهم،
لقطة من الفيلم
آلامهم، ظروف معيشتهم، اخلاقياتهم،ملابسهم، طقوسهم. هذه العناصر، ممتزجة، تبلور شكل الفيلم وجوهره، لذا، ليس من التعسف القول ان "قندهار" نصف تسجيلي او يستفيد، بقوة، من وسائل السينما التسجيلية.

يبدأ الفيلم بنظرة طائر: "نافاس"، الشابة الافغانية المهاجرة الى كندا، في طائرة صغيرة تابعة للأمم المتحدة، تحلق فوق صحراء شاسعة، وسلسلة من جبال لا تكاد تنتهي.
المخرج مخملباف اثناء التصوير
من خلال حديثها مع قائد الطائرة نعرف انها عائدة الى افغانستان، بحثا عن شقيقتها المعتقلة في احد المعسكرات، والتي تهدد بالانتحار، اذا لم يتم انقاذها.
قصة "نافاس" باداء الممثلة نيلوفار بازيرا مجرد نكتة، او جواز مرور مخملباف الى أشلاء دولة مفككة، تكاتفت عشرات الامور ضدها، خارجية وداخلية، كي تجعلها نموذجا موجعا للتعاسة.
الشكل الروائي، في "طريق قندهار" يفسح المجال للاتجاه التسجيلي، "نافاس" وهي في قرية افغانية، تتابع، مع مصور فوتورغرافي، بعض تفاصيل حياة ضنينة، حيث يختلط الظلم بالجهل بالفقر بالمرض، والرجل يتزوج باكثر من امرأة، لا صوت ولا حضور لها، وحتى وجهها، يعتبر عورة، لا يجب ان يرى النور، اما الاطفال -وما اكثرهم- حفاة، ضمرت اجسامهم وشحب جلدهم، لا علافة لهم بعلوم العصر، فما يشبه "الكتاتيب" لا تكتثر الا بتحفيظ كلمات القرآن، من دون استيعاب معانيها، الى جانب دراسة الكلاشينكوف وفوائده الجمة.
"نافاس" توزع دولارات، وتدفع الكثير، كي يقبل احد الرجال انضمامها الى قافلة زوجاته، واطفاله، في طريقهم الى قندهار. لكن، سريعا، يظهر قطاع طرق، يسلبون الرجل، ومن معه. انها اخلاقيات المجاعة، التي ستتجسد، على طول الفيلم.
محسن مخملباف، لا ينغمس في السياسة، ولا يدين طرفا من اطراف الصراع المحتدم داخل افغانستان ولكن يرصد الواقع، سواء في مظهره، كما يتبدى في الصور الفوتوغرافية، الثابتة، التي يصورها مصور البداية، او في جوهره، حيث يتابع بتفهم، ما يمكن ان تسميه "خراب الروح" عند من طحنتهم مأساة اناس يعيشون بلا عمل، وبلا رزق، ويتجلى هذا الخراب على المستويين، الفردي والجماعي.
الصبي "خاك" باداء سادو تيموري، رفيق جزء من رحلة "نافاس" الذكي، اللطيف، الذي كان من الممكن ان يكون متفوقا، لو انه في ظروف سوية، نجده اقرب الىالنصاب، اللص، لا قلب ولا ضمير له، حتى انه لا يتوانى عن تخليص خاتم من اصبع هيكل عظمي لبائس ميت في الصحراء، ويصر الصبي المخادع على بيع الخاتم لنافاس المنزعجة.
بالقرب من مركز طبي للأمم المتحدة، يوزع الاجهزة التعويضية لضحايا الالغام، يتابع الفيلم، بقلب واجف، توجه العشرات من مبتوري الارجل، والاذرع الى المركز. بالطبع، ثمة من يكتشف ان الساق الصناعية التي تسلمها، اطول من الساق السليمة، وهناك من يبيع، بلا تردد، الاذرع التي كان ينبغي احضارها لزوجته.. ويصل هذا الجزء من الفيلم الى ذروته، في مشهد بالغ القوة، مهيب ومروع في آن: طائرة تلقي باطراف صناعية، بينما مئات الرجال، بأرجلهم المبتورة، يتسابقون على نحو محموم، في اتجاه الغنائم.. ويتعمد مخملباف - المتمكن- ان يجعلنا نرى معه، بالتصوير القريب والبعيد، البطيء والسريع، تلك اللحظات التي وان كانت لا تخطر على بال، فانها تعبر وبصدق وعمق، عن منسيين تكالبت الخطوب ضدهم، لم يفقدوا مقومات الحياة السوية فحسب، بل فقدوا ايضا اطرافهم.
سواء وصلت "نافاس" الى شقيقتها او لم تصل، وسواء سيقبض عليها لتواجه مصيرها الغامض او أنقذها القدر، فان "طريق قندهار" الذي سلكه مخملباف بشجاعة، في افغانستان الموت، وبلاد الجحيم، هو بمثابة صرخة في واد.. فمن يسمع ومن يرى؟
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&& كمال رمزي
* ينشر هذا المقال بالاتفاق مع مجلة "سينما "
للاشتراك او المراسلة على العنوان التالي:

Cinema
75 rue de Lourmel& 75015 Paris- France
Tel: 00 331 45 77 33 31&& --- Fax: 00 331 40 59 43 57