&
&
&
قبل سبع سنوات وحين باشرت الحكومة في قطر مسيرة الغلط وخرق المحظور ومخالفة طبيعة شعبها ومصالحه، كان التبرير <<الرسمي>> أن هذه الدولة الصغيرة وجدت نفسها مهددة فطلبت حماية القطب الكوني الأعظم في واشنطن فكان أن أشار إليها بأن مفتاح البيت الأبيض في إسرائيل، وأن عليها أن تقصد تل أبيب لتحظى بالحماية الأميركية التي لا يجرؤ على تحديها أحد!
منذ ذلك الحين والحكومة في قطر تتطوع، وغالباً بلا طلب، لأدوار الانحراف والمروق وخرق المحظور، متحدية بذلك طبيعة شعبها الطيب والصافي العروبة والمتعلق بأهداب دينه الحنيف.
ولقد ساعد التردي العام في الوضع العربي حكومة قطر على التخلص من حرج الخائف من ذنبه، والانتقال إلى موقع المتحدي في ارتكاب الخطأ، واثقاً من أن أحداً لا يملك الأهلية لمحاسبته أو معاقبته على هذا الانحراف الخطير.
فالعرب بلا قيادة شرعية تملك حق الحساب باسم الأمة على الخروج عن أهدافها في استعادة حقوقها في أرضها وفي بناء غدها الأفضل بقدرات إنسانها وباجتهاده لتعويض دهور التخلف بالمزيد من الجهد والعرق وطلب العلم ومحاولة استيعاب روح العصر.
ولقد بزت حكومة قطر الأولين والآخرين في التفريط بحقوق الأمة، وفي أداء الأدوار التي لا يمكن <<اتهامها>> بالنظافة أو بخدمة مصالح القطريين أو إخوانهم من العرب، فضلاً عن المسلمين... وها هي تتقدم وتقدم أرض هذا الشعب الطيب لتحقيق أغراض خبيثة ولإيذاء شعوب الأرض جميعا كما يشهد تاريخ منظمة التجارة الدولية التي تم تحويل مدينة الدوحة الجميلة إلى ثكنة عسكرية مغلقة من أجل <<استضافة>> مؤتمرها الوزاري الرابع الذي يبدأ أعماله اليوم.
في البدء كانت الأذية قاصرة على العرب، ثم اندفعت حكومة قطر العظمى نحو الأدوار الكونية، فتطوعت لاستضافة كل اجتماع وأي مؤتمر أو لقاء مرفوض شعبيا لتعارضه مع مصالح الناس، الذين مثل <<رعاياها>> القطريين، يطمحون إلى حياة أفضل وإلى الحرية والكرامة.
اليوم، وبينما إسرائيل تواصل إرهاب الدولة فتغتال المناضلين في فلسطين وتقتل الأطفال وتدمر البيوت وتعيد احتلال المدن التي لم تفك عنها الحصار في أي يوم، تفتح حكومة قطر أبواب الدوحة لوفد إسرائيلي رسمي يتصدره وزير، بينما الكنيست الإسرائيلي يرفع الحصانة عن مواطني الدرجة الثانية من <<عرب 1948>> فيُخرج من عضويته عزمي بشارة، مسقطاً أسطورة الديموقراطية العنصرية الصهيونية.
اليوم، وبينما أقوى الطائرات الحربية الأميركية تدك المدن والقرى وتقتل الأطفال والنساء وتشرد الملايين من أبناء أفغانستان،
اليوم، وبينما تصل الولايات المتحدة الأميركية في عدائيتها للعرب إلى الذروة فيتكامل موقف إدارتها برئاسة جورج بوش مع موقف السفاح الإسرائيلي أرييل شارون، ويرفض كلاهما مبدأ المفاوضة مع الفلسطيني، أو محاولة استمالة العرب عبر الإقرار بحق شعب فلسطين في أرضه والفصل بينهم وبين <<المسلمين>>، برشوة بسيطة ولو كلامية...
اليوم وقد صارت استضافة أي مؤتمر تحت عنوان منظمة التجارة الدولية مصدراً للخطر الأمني وليس للشبهة السياسية فحسب،
اليوم وبينما تشهر أميركا سيفها على كل مجاهد ومناضل ومقاوم للاحتلال الإسرائيلي لا فرق إن كان قاومها بالأمس أو هو سيقاومها غداً،
اليوم وبينما أعضاء المؤتمر أنفسهم مشتبكون، ودول الاتحاد الأوروبي ترفض الخضوع للشروط الأميركية، وكل العالم يدين التعنت الأميركي في رفض التوقيع على بروتوكول كيوتو لحماية البيئة...
اليوم تتقدم حكومة قطر ملبية المطلب الأميركي باستضافة المؤتمر، والوزير الإسرائيلي فيه، متحدية مشاعر القطريين بداية ثم سائر العرب (والمسلمين).
بل لعلها تمنت على واشنطن أن تضغط عليها لتستضيف هذا المؤتمر الذي كانت الأصوات الأميركية هي الأعلى في رفضه، كما شهد العالم كله في <<سياتل>>.
لكأن حكومة قطر أصبحت طرفاً في كل اشتباك، فهي باستضافة المؤتمر تبدو كمن يقف ضد الاتحاد الأوروبي وخلافه مع الأميركيين حول الدعم المقدم إلى الصادرات الزراعية، وضرورة استمراره للحفاظ على اقتصاديات الريف والتعددية الوظائفية للنشاط الزراعي،
ثم إن حكومة قطر تتخذ موقفاً متحدياً للدول النامية التي تخشى القيود الحمائية التي تحاول الدول الصناعية فرضها لحماية حقوق العمال فيها،
أو لكأن حكومة قطر من كبار مصدِّري الأدوية في العالم، ويهمها الحفاظ على احتكار براءات إنتاج الأدوية بما يمنع وصولها إلى الفقراء، بما في ذلك الأدوية المعالجة لمرضى نقص المناعة (السيدا).
لقد تخطت حكومة قطر دور <<كاسر مزراب العين>> أو ذلك الذي يعتمد سياسة <<خالف تعرف>>، فباتت تتبرع بأداء <<المهمات القذرة>> لحساب الأميركيين والإسرائيليين، على حساب مصالح القطريين الطيبين وإخوانهم العرب (والمسلمين بالاستطراد).
هذا بينما تبلغ الإدارة الأميركية ذروة عدائيتها للعرب فتوجه تهديدات صريحة إلى العراق وضمنية إلى سوريا ولبنان، مع تركيز خاص على <<حزب الله>> وسائر منظمات المجاهدين في فلسطين.
ومع الرفض المبدئي للانتحار، ولو من أجل هدف شريف، فإن هذه السياسة بالتحديد هي المسؤولة عن اندفاع ذلك المواطن القطري عبد الله مبارك هوشل الهاجري إلى مهاجمة القاعدة الأميركية في قاعدة العديد، جنوبي الدوحة... وهي المنطقة التي كانت ذريعة التحول في السياسة القطرية، وقيل في التبرير يومها ان السعودية كانت طامعة باحتلالها لكي تجد لها منفذا على الخليج!!
لقد فضل الهاجري الموت برصاص شرطة حكومته على العيش في ظل سياستها المنحرفة.
ومع تمني الخير للقطريين الطيبين الذين لا شك في أصالتهم العربية فإن سياسة هذه الحكومة الناشز لن تجعل قطر دولة عظمى، ولن تجعلها طرفا مقررا في سياسات الدول ومصائر الشعوب.
والنكتة السائدة اليوم ان محطة فضائية قد أنبتت دولة، ولعل طموح حكومة قطر أن تلعب دورا في صراع الحضارات تمهيدا لإنهاء التاريخ، بما يجعلها خارجهما معاً دولة عظمى فعلاً!!(السفير اللبنانية)
&