فهد السلمان : لم يُخفِ أكثر المتفائلين بوصول السيد عمرو موسى.. إلى سدة الأمانة في جامعة الدول العربية.. قلقهم ومخاوفهم من استمرار غياب دور الجامعة.. خاصة بعد الأحداث الأخيرة.. والتي شكلت مفصلاً هاماً.. في تاريخ المجتمع الدولي.. حيث عدّ بعضهم هذه الظروف.. على أنها ضرب من سوء الطالع.. الذي سيقلل من فرص نجاح الأمين العام الجديد.. وهو الرجل الذي جاء إلى الجامعة.. مدججاً بالكثير من الأمصال والمضادات الحيوية.. في محاولة جادة لتطبيبها.. وإخراجها من دورها المعتل.. لتعود بيتاً للعرب مثلما ينبغي.. ومثلما كان يأمل معظم المراقبين.. الذين وجدوا في هذا السياسي البارز.. والخارج للتو من دوائر النضال السياسي مع المحتل.. الأمل الأخير ربما في إعادة صياغة أداء هذه المنظومة ـ التي لم تكن حيّةً فتذكر.. ولا ميتةً فتقبرـ كيما تكون أكثر قدرة على التصدي لقضايا الأمة العربية.. وانتشالها من حالة اللاهوية واللاموقف.
.. غير أنني.. وإن كنت لا أعرف عن مشروع السيد موسى.. عدا ما تناقلته وكالات الأنباء.. بعد انتخابه في مؤتمر القمة العربية الأخير.. والذي انعقد في العاصمة الأردنية.. وهي مجرد عناوين كبيرة لبعض الهموم العربية.. بالإضافة إلى تصوره لهيكلية الجامعة من الداخل.. على أنها أحد أسباب إخفاق هذه المؤسسة في إدارة قضاياها.. إلاّ أنني أجد أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر.. قد قدمت للأمين العام.. فرصة تأريخية.. للعمل باتجاه إعادة تأهيل الجامعة لدور عربي أكبر.. ومعاودة ضخ الدماء فيها.. عبر شرايين قادرة على إنعاشها.. ذلك لأنه ولأول مرة في تأريخها.. يستطيع أمينها العام.. أن يتحدث باسم كافة الدول العربية.. دون أيّ تحفظ أو ديبلوماسية.. ودون أن يخشى أن يُسأل من هذه الدولة أو تلك.. عمّن فوضه للحديث باسم الجميع!!.. وذلك خلال تعليقاته وتصريحاته حول مستجدات الأحداث.. وموقف ولا أقول: (مواقف) الدول العربية.. وهي المرة الأولى تقريباً.. التي يصبح فيها للأمة من سواحل طنجة.. إلى سواحل صور العمانية.. موقفاً واحداً.. منذ تأسيسها العام (1945م).
.. لكنني أعتقد أن استثمار هذه الفرصة.. لإعادة صياغة عمل الجامعة.. خاصة في أعقاب تداعيات أحداث أمريكا.. وما نجم عنها من حديث عن عودة بعض الرساميل العربية.. والأدمغة العربية إلى الوطن الأم.. لن يكون هذه المرة بالرهان على الموقف السياسي.. حتى وإن وحّدته هذه الأزمة.. كسابقة غير مسبوقة.. لأن ملفات العلاقات العربية العربية.. مليئة بالشواهد المضادة للأسف.. إنما يمكن أن يكون الرهان ـ مثلما أتصور ـ على الجانب الاقتصادي.. وهو ما دعا إليه سمو ولي العهد.. منذ أكثر من عام.. في حديثه لمجلة الشراع اللبنانية.. كأساس لعمل عربي حقيقي مشترك.. وكمدخل لمشروع وحدوي تكاملي.. لا يخضع لحسابات العواطف المجردة وحسب.
.. لا أدري.. ربما لأنني أحتفظ بالكثير من الاحترام لهذا السياسي البارع.. ولكن بالتأكيد ليس على طريقة الفنان المكوجي شعبان عبدالرحيم(!!).. لذلك أشعر أن إخفاقه لا قدر الله.. في استعادة الروح إلى الجامعة ومؤسساتها.. سيكون آخر الآمال.. لهذه الشعوب التي ظلت تمارس حلمها المشروع.. في قيام أمة قوية.. لا تتقاذفها الأزمات أينما هبّت.. ومن يدري فقد تجمع المصالح الاقتصادية.. ما فرقته الصراعات والمواقف السياسية.. وهنا يكون الأمل في أن يضع معالي الأمين.. يده في أيدي الاقتصاديين.. بعدما جرّب كل الأمناء السابقين.. الركض خلف الساسة دون نتيجة تذكر.. وقطعاً هي عملية شاقة ومضنية.. لكنها ليست معقدة.. في ظل سيادة قيم المصالح.. خاصة بعدما فرزت هذه الأحداث وتداعياتها المخيفة.. العالم كله وفق مساقات جديدة.. كانت في ثقافة الغرب المتحضر.. إلى ما قبل 11أيلول جزءاً من التراث.
.. لذلك كم سنكون سعداء.. لو وجد معالي الأمين.. في ملفات هذه الجامعة.. ما يمكن أن يُؤتمن عليه!!.(الرياض السعودية)