كتب رفيق خوري في " الأنوار " اللبنانية فقال : شيء ما يوحي بأن نافذة الفرصة المفتوحة امام التسوية في الشرق الاوسط بدأت تضيق بدل ان تتسع مع مجريات الحرب على الارهاب. طبعاً، على افتراض انها فرصة جدية فتحتها اوروبا ووضعتها أميركا في "الرؤية"، لا مجرد كلام تقليدي اختبره العرب وندموا، وحذّر الأمين العام للجامعة عمرو موسى من ان يكون "عملية نصب سياسي". فادارة الرئيس جورج بوش تبدو، في الشكل، محتاجة الى أمرين عاجلين: الأول هو تحقيق "خبطة" عسكرية على الأرض في افغانستان، ولو كانت تلفزيونية، لكي يكون للخطاب الأميركي امام الجمعية العمومية للأمم المتحدة وزن. والثاني هو ان يتضمن الخطاب تصوراً للتسوية وآلية للعمل من اجلها يقنع العرب والمسلمين بجدية الادارة وبضمن تعاونهم الكامل في اطار التحالف الدولي لكي تتمكن واشنطن من تصعيد الحرب في شهر رمضان من دون احتجاجات.
اما، في الجوهر، فان الادارة تتحرك على خطين متوازيين: الأول هو اعادة التركيز على سياسة الفصل والربط. والثاني هو التذكير بسياسة الثواب والعقاب.
ذلك ان الرئيس الفرنسي جاك شيراك ذهب الى البيت الأبيض للمرة الثانية حاملاً عدة هموم بينها الخوف من "تصدع التحالف في غياب المفاوضات" والحاجة الى حل الصراع العربي ـ الاسرائيلي وبقية "النزاعات التي يمكن ان تكون وقوداً للارهاب". ورئيس الوزراء البريطاني طوني بلير ذهب ايضاً وفي مفكرته التركيز على أهمية التسوية من خلال موقف اوروبي اختصره مسؤول بلجيكي بالقول "ان اميركا مستعدة هذه المرة لسماع رأينا لأنها ادركت انها تغامر بكل شيء في كل مكان اذا لم تحل مشكلة الشرق الاوسط". لكن بوش خرج بعد لقاء شيراك ثم بلير ليفصل التسوية عن حربه ويؤكد "اننا قادرون على الانتصار وسنحققه من دون السلام في الشرق الأوسط"، لا بل ان بلير نفسه تراجع عن تصوره، ولو عبر الايحاء بأن السلام في الشرق الاوسط "ليس شرطا" للمشاركة في التحالف الدولي وربح الحرب.
وبالمقابل، فان واشنطن التي اعطت الاولوية للمعركة ضد نظام الطالبان ومنظمة القاعدة، عادت الى ربط المعركة بمراحل الحرب في كل مكان. فاللوائح الاميركية المقدمة الى دول العالم وبينها لبنان، لم تعد تقتصر على القاعدة ومن له علاقة بها. اذ تعدتها الى كل المنظمات وعلى رأسها تلك التي تقاوم الاحتلال الاسرائيلي. وما كان يقوله "صقور" الادارة في البيت الابيض والبنتاغون صار يخرج من فم "الحمامة" الوحيدة، اي كولن باول. فوزير الخارجية يتحدث عن تحول الاهتمام الى "الارهاب في انحاء العالم"، ويعيد تسليط الاضواء على "دول مثل العراق الذي حاول امتلاك اسلحة الدمار الشامل" مهددا بأن الدور آت على الجميع.
أما على خط الثواب والعقاب، فان الرئيس بوش نفسه يعود الى رفض "الحياد" في الحرب مهددا بـ"المحاسبة" كل من يتخلف عن التعاون مع اميركا. وهو، بعدما قدم المكافآت للرئيس الباكستاني الجنرال مشرف، يراهن على اقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي خسرت بلاده ثلاثين مليار دولار من جراء العقوبات على العراق بأن يطلب من الرئيس صدام حسين اعادة المفتشين الدوليين على الاسلحة والا واجه ضربة يريدها الصقور.
وليس ذلك سوى وصفة لحرب بلا نهاية تقود الوضع الدولي كله الى أخطر مما كان فيه عشية 11 ايلول.