آثار التسلل الى موقع طلبان

تحقيق: نبيل شرف الدين: قبل شهور مضت، نشرت "إيلاف" تقريراً مطولاً عن الحركات الأصولية على الشبكة الدولية للمعلومات "إنترنت"، ورصدت مواقعها وأنشطتها التي كانت قبل أن يتغير العالم في 11 سبتمبر أيلول الماضي، هي الأبرز والأكثر حضوراً عبر شبكة إنترنت مقارنة بغيرها من التيارات السياسية والفكرية وحتى الحكومية والرسمية، فقد استغلت الحركات الأصولية فضاء الشبكة، وطبيعتها المميزة، والتي تصعب رقابتها، أو حظرها، وحتى في حال قيام السلطات بذلك فهناك وسائل تقنية للالتفاف على قرارات الحظر في بلد ما، لذلك مثلت الإنترنت للمنظمات الأصولية ساحة غير مسبوقة للتعبير عن آرائهم، والتواصل فيما بينهم.
ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان، فمنذ هجمات نيويورك وواشنطن، ثم بداية الحرب في أفغانستان انتقلت حرب التحالف الذي تقوده أميركا ضد الحركات الأصولية وأنشطتها في كل مكان، وبدا واضحاً أن هذه الحرب ستنطلق، إن لم تكن انطلقت بالفعل، على محاور لا حصر لها، من الحصار الاقتصادي، والضربات العسكرية، للضغوط السياسية، إلى ساحات الإعلام المتعددة، انتهاء بفضاء شبكة إنترنت الافتراضي، وكانت هذه هي الساحة الأخيرة التي شهدت قصفاً أميركياً غربياً مركزاً على مواقع الأصوليين على الشبكة، لدرجة يمكن القول معها أنه لم يعد هناك من بين عشرات الآلاف التي أسسها الأصوليون سوى بضع عشرات من مواقع الأصوليين التي حشي بعضها بالفيروسات التي تجعل من تصفحها مخاطرة غير محمودة العواقب، أو أنها ليست معروفة بعد للقراصنة الرسميين الذين لا يتوانون عن تخريب المواقع وضربها في مقتل في غضون دقائق، الأمر الذي سحب ورقة كانت شديدة الأهمية لهذه الحركات، دعائياً وعلى صعيد الاتصالات الحركية أيضاً بينهم.
حرب الشبكات
بعد الهجمات في نيويورك وواشنطن مباشرة، اختفت من شبكة الإنترنت عشرات، أو مئات المواقع الأصولية الشهيرة أو نصف المعروفة، فبعض المسؤولين عن هذه المواقع آثروا السلامة، وقاموا طواعية بحجب مواقعهم حتى لا يجدوا أنفسهم في موضع المتهمين ويلقون نفس مصير الأصولي المصري المقيم في لندن، ياسر السري، صاحب أحد أكثر المواقع الأصولية شهرة، وهو موقع "المرصد الإعلامي"، وبعض أصحاب هذه المواقع أكدوا أنهم فوجئوا باختفاء مواقعهم، وحينما راجعوا الشركات المستضيفة لتلك المواقع ـ ومعظمها شركات أميركية ـ لم يتلقوا أي رد، ما يرجح أنهم خضعوا لضغوط حكومية أميركية لحجب هذه المواقع، وآخرون قالوها صراحة أن السلطات الأمنية في الولايات المتحدة وأوروبا قامت بالقرصنة على مواقعهم، وهدموها تماماً بعد أن أغرقوها بالفيروسات والهجمات المتواصلة.
ومقابل هذه الهجمات الأميركية، فقد بادرت من جانبها منظمات أصولية إلى تأسيس ما أطلقوا عليه "مواقع الجهاد الالكتروني"، والتي أخذت توزع برمجيات ترسل ملايين الأوامر للمواقع الرسمية الأميركية، كموقع المخابرات المركزية الأميركية، أو مكتب التحقيقات الفيدرالي، أو حتى موقع البيت الأبيض، والبنتاجون وغيرها، ويلتقي عادة "السيبر مجاهدون" في غرف الحوار الخاصة على الشبكة، سواء النصية "Text Chat Rooms"، أو الصوتية المعروفة ببرنامج "بال توك"، ليتفقوا على أوقات محددة يقومون خلالها بعمليات إغراق المواقع المستهدفة بالأوامر، بهدف إرباك الخادمات المضيفة، وبالتالي تعطيل الموقع، أو جعل عملية تصفحه شاقة للغاية، فضلاً عن إرسال آلاف الرسائل المحملة بالفيروسات والأكواد المكتوبة بشفرات برمجية للتخريب أو الاختراق أو التجسس، أو غيرها من فنون القرصنة.
وكان طبيعياً أن تكون البداية بتخريب موقع حركة طالبان الرسمي، إذ تم إلغاؤه والاستيلاء على اسم النطاق Domain Name، وهو الذي كان يحمل اسم taliban.com، ومن ثم قامت الحركة، أو المتعاطفون معها بشراء اسم جديد هو "الإمارة"، لكن يتم يومياً وبشكل مكثف قصفه الكترونياً، وحشوه بالفيروسات ما جعل كجرد التردد عليه أمراً خطيراً وغير آمن.
معالم الظواهري
ومن بين أبرز المواقع الأصولية التي اختفت من الشبكة مؤخراً، يأتي في المقدمة منها موقع "معالم الجهاد" الذي كان يبث من مكان غير معلوم، وينطق باسم تنظيم "الجهاد" المصري الشهير، الذي يقوده أيمن الظواهري، وينشر إصدارات التنظيم من بيانات ونشرات وكتب وبحوث ودراسات، وتشير مصادر أصولية إلى أن الموقع دمر بفعل فاعل، نافية أن يكون الظواهري ومعاونوه قد ألغوا الموقع طوعاً من جانبهم، مشيرين أن الظواهري شخصياً يأتي في صدر قائمة المطلوبين بعد أسامة بن لادن، فما الذي يجعله يخشى من بث موقعه إذن ؟.
وأضافت ذات المصادر إلي أن موقف التنظيم من الهجمات علي الأهداف الأميركية لم يكن خافياً علي أحد، إذ يؤيد أي عمل عدائي ضد الولايات المتحدة وحلفائها، إذا نفذه أعضاء في تنظيم آخر، أو المشاركة فيه إذا سمحت الظروف لعناصر الجهاد بذلك، وأشارت إلي أن الظواهري لم يكن ليخفي تأييده ما حدث، علي خلاف قادة في تنظيمات أصولية أخرى كانوا وجهوا تهديدات إلي الأميركيين من دون أن ينفذ منها شيء، فقط لمجرد السير في ركب إعلان العداء للغرب الأميركي الأوربي، أو آخرين وجدوا في التعليق علي ما حدث أمراً محرجاً لهم، إذ تتنافى المبادئ التي يعتنقونها مع استهداف المدنيين، ولو كانوا أميركيين.
الدكتور فضل
وتوقف أيضاً موقع "الموحدون" الذي كان يبثه قيادي جهادي يستخدم اسماً حركياً هو : عبد القادر بن عبد العزيز، واسمه الحقيقي هو الدكتور سيد عبد العال الشريف، وهو المُنظر الأبرز& لجماعة "الجهاد" المصرية، وتولي إمارة التنظيم منذ إعادة تأسيسه علي الأراضي الأفغانية بداية التسعينات، تاركاً مهمة العمل التنظيمي والحركي لأيمن الظواهري، وأعلن تولي الأخير الإمارة خلفاً للشريف نهاية 1992، وفي 1996 أصدر الشريف الذي يشتهر في أوساط الأفغان العرب باسم الدكتور فضل بياناً هاجم فيه أيمن الظواهري، احتجاجاً علي تضمين نشرة المجاهدون التي يصدرها التنظيم أجزاء من كتابه الجامع في طلب العلم الشريف اعتبرها محرِفة، ثم اتهمه أيضاً بسرقة كتابه "الحصاد المر" ونسبته لنفسه، ويعد كتاب الدكتور فضل "العمدة في إعداد العدة" أحد أبرز المراجع التي يكلف الأفغان العرب بدراستها ضمن الدورة التثقيفية التي تعد لهم بالإضافة إلى التدريبات العسكرية والبدنية.
غير أن اعترافات المتهمين بتفجير سفارتي أميركا في نيروبي ودار السلام أمام القضاء الأميركي، أكدت أن الشريف التحق بتنظيم القاعدة وعمل مباشرة مع أسامة بن لادن، وأن الخلاف بينه وبين الظواهري حل بعد تدخل ابن لادن والملا عمر شخصياً، وكان موقع الموحدون يحوي الكتب التي أصدرها الشريف، بالإضافة إلى بحوث ودراسات لأصوليين آخرين مثل محمد المقدسي، وعمر أبو عمر الشهير بأبي قتادة الفلسطيني وغيرهما من منظري الأصولية، ويعتبرها المراقبون أنها الأعمق والأخطر من نوعها بين بقية الكتابات والإصدارات التي ينشرها الأصوليون الآخرون عموماً، والتي ينظر إليها على أنها لا تعدو أن تكون مجرد منشورات دعائية تحريضية لا وزن لها على الصعيد الفقهي أو السياسي.
لغز "المرابطون"
أما موقع المرابطون الناطق باسم تنظيم الجماعة الإسلامية المصري فما زال قائماً حتى اليوم ويمكن تصفحه بسهولة ومن دون أي مشاكل، ورغم أن معلومات بين أوساط الأصوليين تشير إلى أن الموقع يتم بثه وإدارته من الدانمارك، غير أن خبيراً مصرياً في المعلوماتية يقول إن بروتوكول الخادمات المضيفة له IP Address يشير إلى أنه يبث من داخل الولايات المتحدة أو تتم استضافته في خوادم أميركية، وهو أمر بالغ الغرابة خاصة لو عرفنا أن هذا التنظيم "الجماعة الإسلامية" مشمول في القوائم الأميركية التي صدرت مؤخراً عن المنظمات والشخصيات التي اعتبرتها الإدارة الأميركية إرهابية ومحظورة، لكن في المقابل يخلو الموقع تماماً من أي مواد حول عن الأحداث الجارية، ولم يتم تحديث الموقع منذ أكثر من عام على الأقل، والتنظيم الذي نفي أن يكون طرفاً في الجبهة الإسلامية العالمية لجهاد اليهود والصليبيين، وأسس الجبهة في شباط "فبراير" 8991 بن لادن والظواهري وجماعتان من باكستان، وأخري من بنغلادش، إذ أشار بيانها التأسيسي إلي أن أمير "الجماعة الإسلامية" السابق رفاعي طه وقع عليه مع الظواهري وابن لادن وغيرهما كما أسلفنا.
مسرح كساب
واختفى أيضاً موقع "المسرح" الذي كان يبثه عبر الإنترنت من لندن معارض سعودي يدعى كساب العتيبي، وهو أحد الأسماء التي اكتسبت شهرتها من خلال الأنشطة الواسعة عبر شبكة إنترنت، وكان "المسرح" من أبرزها، وهو بالأساس ساحة حوار مما يعرف بحلقات النقاش الافتراضية، حيث كان "المسرح" يجتذب عدداً من قادة الحركات الأصولية وعناصرها والمتعاطفون معها، يتبادلون من خلاله مناقشات علنية حول الأحداث السياسية العربية والدولية، والقضايا الفقهية، وكان يشهد سجالات يومية بين الأصوليين ومناوئيهم، الذين كانوا يتهمون من قبل الأصوليين بأنهم مدفوعون من جانب أجهزة الاستخبارات العربية للتحرش بهم، والرد على طروحاتهم، وهو ما كان ينكره هؤلاء المعترضون مؤكدين أنهم يعبرون عن آرائهم، وأن هوس الأصوليين وخوفهم الدائم من الملاحقات الأمنية يصور لهم أن كل مخالف هو رجل أمن بالضرورة، وكان من الملاحظ على هذا الموقع الذي توقف عن البث في أعقاب هجمات& 11 سبتمبر أيلول الماضي، أن الغالب على حوارات ومناقشات ذلك الموقع مفرطة المحلية في الشأن السعودي الداخلي تحديداً، فضلاً عن أن لغة الحوار انحدرت لحد تبادل ألفاظ السباب بين المتحاورين، ما جعله شبه ميتاً قبل أن يختفي من الوجود، الذي يؤكد البعض أنه جاء بمحض اختيار القائمين عليه، خشية تعرض موقفهم الدقيق في بريطانيا لنفس موقف المصري ياسر السري، والذي كان هو شخصياً من بين المشاركين في "المسرح"
الإخوان بخير
ومقابل هذه المواقع التي اختفت من فضاء إنترنت، فلم تزل هناك مئات المواقع التي لازالت تعمل بانتظام، ولعل أبرزها تلك المواقع التي تبثها جماعة "الإخوان المسلمين"، سواء بقيادتها الدولية أو فروع الجماعة المحلية والإقليمية ومنها مواقع للجماعة المصرية والسورية وغيرها وكذا هناك مواقع الحركات السلفية غير الجهادية كموقع "سحاب" أو شبكة "السلفيون" وغيرها والتي لم تتعرض لأي هجمات في حرب الإنترنت الدائرة الآن عبر الشبكة بين المنظمات الأصولية والقراصنة الغامضين، الذين يشتبه أن يكونوا أميركيين أو يعملون لصالح أميركا.
ولم تزل تنشط أيضاً مجموعة بريدية صارت معروفة جداً خلال الشهور الأخير، وهي تابعة لجماعة "الإخوان المسلمين"، وتسمى "هداية"، والتي تشن حملة دعائية شرسة ضد الحرب الأميركية على حركة "طالبان"، وذلك من خلال إرسال منتظم لعشرات الرسائل البريدية إلى آلاف المشتركين في المجموعة، التي تنتقي مقالات وكتباً لمحسوبين على التيار الإسلامي أو المناوئين للولايات المتحدة، ولو كانوا من غير الإسلاميين، فضلاً عن رسوم الكاريكاتيور والصور المعبرة، وأخبار القتال في أفغانستان وغيرها ليتم إرسالها بشكل منتظم للعناوين البريدية، التي تشتمل على كافة العناوين الالكترونية للصحف العربية والأجنبية فضلاً عن السفارات الأجنبية، والمنظمات الحقوقية ومحطات التلفزيون والشخصيات العامة وغيرها.