&
كتب جوزف خليل: سجلت الصين في الاعوام العشرة الاخيرة قفزة جبارة في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والسياحية. فهذه الدولة العملاقة بشريا خرجت من عزلتها، واتبعت سياسة انفتاح جعلتها قبلة المستثمرين، بعد ان استقرت لها الساحة بسقوط الاتحاد السوفياتي حليفها اللدود في العقيدة.
في مثل هذا اليوم قبل 30 عاما، اقام لبنان والصين علاقات ديبلوماسية، ما لبثت ان تعززت في العقد الاخير وتوسعت لتشمل ميادين مختلفة.
وفي هذه المناسبة، حاورت "النهار" السفير الصيني ليو زهنتانغ الذي شدد على أهمية التبادل التجاري والسياحي والثقافي بين البلدين اللذين يجمعهما حضارة وتاريخ عريقان.
* أين تضع العلاقات الصينية - اللبنانية بعد ثلاثة عقود من اقامة علاقات ديبلوماسية بين البلدين؟
- منذ اقامتها عام ،1971 تشهد العلاقات الديبلوماسية بين البلدين تطورا كبيرا في كل المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والشعبية.
وان الصين كما نعرف دولة نامية، وهي تقف بجانب القضية الفلسطينية وقضايا العرب ومن ضمنها قضية جنوب لبنان. ومنذ البداية، نتخذ مواقف مؤيدة لشعب لبنان وحكومته وخصوصا في مجلس الامن. نحن دائما نقف بجانب لبنان لأنه صاحب قضية محقة وعادلة.
وبالنسبة الى العلاقات الاقتصادية بين البلدين، فهي ممتازة جدا، وخصوصا ان حجم التبادل التجاري في الاعوام الثلاثين تضاعف عشرات المرات، وتحديدا بعد تطبيق سياسة الانفتاح في جمهورية الصين الشعبية، اذ زاد حجم التجارة بين بلدينا بسرعة فائقة. وعلى سبيل المثل، في العام الماضي كان حجم التبادل التجاري بين البلدين 280 مليون دولار. وأعتقد انه سيتجاوز هذه السنة 330 مليون دولار. هذا يعني زيادة 30 في المئة عن العام السابق.
وفي الاعوام الخمسة الاخيرة، كان المؤشر التجاري بين الصين ولبنان يرتفع درجة كل سنة. وصار لبنان يحتل المرتبة الخامسة بعدما كان في المرتبة العاشرة. علما ان نوعية الصادرات الى لبنان تتحسن وترتفع. ونتمنى خلال خمس او عشر سنين ان يحل لبنان في المرتبة الثانية او الاولى.
والأهم في الصادرات انها في تحسن نوعي. فالمنتجات تحتل النصيب الاكبر. لكن الادوات الكهربائية والتجهيزات التي تتمتع بتكنولوجيا رفيعة بدأت تأخذ حيزا أكبر، الى ما يزيد عن 40 الى 50 في المئة. وحتى صادرات الاحذية تتحسن بشكل ملحوظ. فقد وجدت كثيرا من المحال عندكم تبيع الاحذية الصينية بنصف سعر الاحذية الغربية او بربع سعرها.
وفي النواحي الثقافية اعتقد انه بسبب الحرب عندكم ولا سيما منها الاحتلال الاسرائيلي، لم يكن التبادل طبيعيا. قبل عشرة اعوام، لاحظنا تحسنا بشكل ملحوظ. مثلا تبادل الوفود بين الفنانين والصحافيين والكتّاب. ونتطلع الى مزيد من التبادل، فثمة رابطة صداقة للتعاون والتبادل. اضافة الى وجود جمعية صداقة برلمانية لبنانية - صينية عندكم.
وفي الشهر المقبل سيقام في الصين اسبوع ثقافي لبناني يتخلله عرض للعملة اللبنانية في المتحف الوطني للعملة الصينية. والوفد سيكون برئاسة وزير الثقافة الدكتور غسان سلامة.
والعلاقات التربوية ممتازة ايضا. ونحن مهتمون جدا بالتعليم، ولا نزال نستقبل الطلاب اللبنانيين لاستكمال دراساتهم العليا في الصين، من درجة ماجستير الى الدكتوراه.
وثمة مسألة مهمة في العلاقات تتمثل بالنسبة الممتازة لتبادل الزيارات. وأشير في هذا السياق الى زيارة رئيس مجلس النواب نبيه بري لبيجينغ في نيسان الماضي على رأس وفد نيابي. كما زارها في ايار الماضي رئيس اركان الجيش. وسيزورها الوزير سلامة الشهر المقبل، ورئيس الحكومة رفيق الحريري الذي من المقرر ان يزورها ربيع .2002
واضافة الى التعاون السياسي والاقتصادي والسياحي والثقافي، هناك تعاون عسكري لافت. فقد حضر الى لبنان في الصيف الماضي مدربون صينيون في "الكونغ فو" تولوا تدريب عناصر من الحرس الجمهوري لمدة شهرين. كما حصلت زيارات اخرى معددة، وحضر الى لبنان اكثر من مسؤول صيني.
* هل تقدم الصين منحا سنوية الى الطلاب اللبنانيين؟
- طبعا. تقدم وزارة التعليم في الصين منحا سنوية. وفي تشرين الاول الماضي، تسلمت هبة من حكومة بلادي بقيمة 900 مليون ليرة لبنانية مخصصة لـ24 مدرسة رسمية في الجنوب المحرر. ونحن نرى ان لبنان مميز في المجال العلمي والثقافي. لذلك نقدم هذه الهبة الى المدارس الرسمية في الجنوب من اجهزة كومبيوتر وأجهزة تعليمية ورياضية.
وعلى الصعيد الشعبي، فاننا نرى أن هذا الامر يشكل ركيزة من ركائز العلاقات السياسية بين البلدين. وفي هذه الايام التي تصادف ذكرى اقامة علاقات منذ ثلاثين عاما بين البلدين، يجري تبادل برقيات بين الرؤساء في البلدين. كما اننا في السفارتين نقيم احتفالين رمزيين، في حضور المسؤولين الكبار في وزارة الخارجية وعدد من الشخصيات.
اذا، العلاقات بين البلدين علاقات مميزة لانهما يتمتعان بحضارة وتاريخ عريقين. فبلدكم منارة الحضارة في هذه المنطقة، ولعب دورا رياديا في التاريخ. وكذلك للصين حضارة عظيمة وتلعب دور حلقة وصل وتنقل الابداع في الشرق الاوسط عبر طريق الحرير الى الشرق. والعكس ايضا صحيح.
فكلا البلدين حضاريان ومسالمان ومحبان للسلام، وليس عندهما اي اشكالات في التفاهم او اي تنافس، والعلاقات بينهما قائمة على قاعدة الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير والمنفعة المتبادلة.
المستثمرون الصينيون
* ما دامت العلاقات ممتازة الى هذه الدرجة، لماذا يحجم المستثمرون الصينيون عن الاستثمار في لبنان؟
- انت تعرف ان رأس المال جبان، ويتجه الى موقع فيه اموال وثقة وكل شيء جاهز. اقول صراحة، الصين وصلت الى المركز الثاني للاستثمار العالمي قبل الحادي عشر من ايلول الماضي. كل سنة يزيد الاستثمار عندنا عن 40 مليار دولار. وهذا ليس برقم بسيط. لكن معظم هذا المبلغ جاء من صينيين مغتربين. ان الانتماء الوطني لدى الصينيين قوي جدا.
ونحن كسفارة دائما نقوم بدعاية لمصلحة لبنان، وتأتينا وفود تقوم بنشاطات.، ونتمنى مع تقدم مسيرة الاعمار في لبنان وخفض الرسوم والضرائب وتحسن البيئة، ان يأتي رجال الاعمال.
* ما هو حجم الاستثمار اللبناني في الصين؟
- رجال الاعمال اللبنانيون يتعاملون في التجارة والكسب السريع، خلافا للاوروبيين واليابانيين الذين يريدون كسبا بعيد المدى. انا أتطلع في هذا الصدد الى زيادة التعاون. فالصين باتت مركزا للاستثمار واليد العاملة فيها رخيصة. فمعظم الشركات اليابانية أتت الى الصين للاستثمار ونقلت مقارها نظرا الى ان اليد العاملة عندنا أرخص بعشرين مرة من اليد العاملة في اليابان.
حتى أهلنا في تايوان يستثمرون في شانغهاي والسعر في الاخيرة أقل من تايوان بعشر مرات.
* كم يبلغ عدد افراد الجاليتين في كلا البلدين؟
- عدد افراد الجالية اللبنانية يتجاوز مئة. لكن الصينيين المقيمين دائما في لبنان فعددهم نحو .150 تحصل زيجات بين لبنانيين وصينيات وهذا ممتاز. لقد أصبحنا أقارب.
التعاون السياحي
* ما هي شروط منح التأشيرة الى الصين؟
- الحصول على التأشيرة سهل جدا. على سبيل المثل، حضر نحو 4 آلاف لبناني معرض كوانجو هذه السنة، من المقيمين في لبنان وخارجه.
* هل من تعاون سياحي بين البلدين؟
- طبعا، بالنسبة الى اللبنانيين الذين يزورون الصين للتجارة والاعمال، يقومون ايضا بالسياحة. والصين تستقبل سنويا اكثر من 30 مليون سائح، يوفرون لها عائدات بأكثر من 16 مليار دولار. لكن ليس هناك اتفاق سياحي بين بلدينا. واعتقد ان الطريق السياحي في المستقبل سيشهد مزيدا من التبادل.
أما البيئة، فتتحسن جدا. ففي العاصمة بيجينغ لا يسمح الا للباصات العاملة على الغاز الطبيعي. والمواصلات عندنا سهلة جدا. والاسعار أرخص مما هي عندكم. ونتمنى مزيدا من التعاون السياحي بين البلدين. وهذا في الحقيقة تبادل ثقافي وتبادل معارف.
الحملة المعادية للعرب
* بعد اعتداءات 11 ايلول وما أعقبها من حملة غربية معادية للعرب والمسلمين، نرى ان الصين تنفي انزلاقها الى هذه الحملة فيما الواقع يشير الى عكس ذلك؟
- في الحقيقة ليسن هناك قيود على دخول العرب والمسلمين الى الصين. انما كان هناك اجراء موقت واكب مؤتمر "ايباك" الذي يضم 20 دولة. وهناك اجراءات أمنية موقتة لا تستهدف أحدا، وخصوصا ان سياستنا هي سياسة وئام وصداقة مع الجميع دون استثناء. لكن علاقتنا بالدول العربية ممتازة. ونتبادل دائما التأييد والتعاطف. ونحن& نشجع السياحة العربية في الصين.
* بعد صدور النفي عن السفارة، أثار لبناني مشكلة الغاء اقامته في الصين بلا مبرر - على حد زعمه - فما رأيك؟
- أرجو ان تستفسر منه عن حقيقة هذه المسألة، لأنه يعرف كل شيء. وأقول صراحة ان خوضنا في هذه المسألة يضر بمصلحة هذا الشخص وبمصلحة لبنان.
انصياع الصين؟
* الملاحظ ان الصين بعد 11 ايلول، ابتعدت عن الشيوعية وانصاعت لتوجهات الولايات المتحدة؟
- السياسة الخارجية للصين هي سياسة سلام ومؤيدة للدول النامية التي تعتبر الصين واحدة منها.
اما بالنسبة الى نظامنا تحت قيادة الحزب الشيوعي، فهذا لا يمنع التعاون مع كل الدول المختلفة ايديولوجيا وعقيدة وحضارة. فمثلا كنا في عقيدة واحدة مع الاتحاد السوفياتي السابق لكن علاقاتنا لم تكن جيدة. بينما روسيا اليوم ذات عقيدة مختلفة عن عقيدتنا، لكن علاقاتنا الان هي الاحسن في تاريخها. وحتى مع لبنان ذي النظام الرأسمالي فان علاقات الصين الاشتراكية معه نموذجية.
وبعد أحداث 11 ايلول في الولايات المتحدة، ثمة تعاون لمكافحة الارهاب لأنه مضر بالجميع. ولبنان ايضا يتعرض للارهاب من زمن بعيد، ونحن نتضامن معه. ان الارهاب هو الوباء العام المهدد للجميع.
* كيف تنظر اذا الى موضوعي الارهاب والمقاومة؟
- للصين موقف مستقل، وتنظر الى كل القضايا الدولية انطلاقا من المصلحة العامة لجميع الدول والشعوب ولا سيما منها الدول النامية.
التماسك الداخلي
* ماذا تقول في ذكرى اقامة العلاقات بين البلدين؟
- في هذه المناسبة، أعبّر عن ارتياحي وسعادتي وشكري للشعب اللبناني. وانا أعيش في لبنان للمرة الثانية، اذ كنت فيه مطلع السبعينات عندما كان نموذجا ليس للشرق الاوسط فحسب بل للعالم. وأقول صراحة ان الصين تأخرت في الانفتاح عن لبنان نحو 30 عاما. ولبنان في ذلك الوقت كان نموذجا لنا، وقد تعلمنا كثيرا منه في الانفتاح ونشر الثقافة وادارة السياحة. وشخصيا، تعلمت كثيرا من شعب لبنان. فاللبناني مبدع وصريح وسهل التفاهم معه ومضياف ونشيط وحيوي. ويسعدني انني أتعلم من اللبنانيين اتقان اللغة العربية. كما انني معجب جدا بتاريخ لبنان. وهذا البلد الصغير الحجم وعدد السكان، ساهم في حضارة العالم اكثر من حجمه بكثير. ولبنان يلعب دورا مهما ولا يزال في نقل حضارة الشرق الى الغرب، وحضارة الغرب الى الشرق.
وأتمنى للشعب اللبناني وحكومته التوفيق في اعادة الاعمار واعادة البناء. لكن الشيء الوحيد في الصين الذي يمكن ان يستفيد منه الشعب اللبناني هو التماسك الداخلي والوئام الوطني، مما يقوي مناعته ويعزز استقراره فيجتذب استثمارات، فيعود الى لعب دوره افضل مما كان عليه في الستينات واوائل السبعينات.
ولا بد من ان اقول ان الصحافة في لبنان تلعب دورا مهما. ويمكنها ان تزور الصين للاطلاع على ما حدث فيها ومعرفة سبب استقرارها وازدهارها، وتبادل الخبرات في هذا المجال. (النهار اللبنانية)
&