&
إيلاف&- نبيل شرف الدين: في كل مرة يتطوع أسامة بن لادن ومعاونوه بتقديم الدليل تلو الدليل على اتهامات واشنطن، فقبل أن يبدأ المتعاطفون مع تنظيم القاعدة الرد بإنكار مسؤوليتها عن تفجيرات الثلاثاء الدامي، جاء بيان ابن لادن الذي تضمن أكثر من عبارة تشير إلى اعتراف ضمني بمسؤولية تنظيمه عن الحوادث، كوصفه مرتكبيها بأنهم "كوكبة من شباب الإسلام"، ثم يؤكد سليمان بو غيث الأمر بتهديدات فجة من أن "عاصفة الطائرات" لن تتوقف، وفي الأيام الماضية أعلن ابن لادن صراحة لصحيفة "فجر" الباكستانية، عن امتلاكه لأسلحة كيماوية وبيولوجية ونووية أيضاً، بعد يوم واحد من إعلان الإدارة الأميركية عن إمكانية حيازة "قاعدة بن لادن" لتلك القدرات غير التقليدية، وكأن هناك اتفاقاً بين الفريقين المتحاربين على هذا الأمر، وهو ما يمنح الأميركيين مشروعية استخدام تلك الأسلحة، فيما لو قررت استخدامها لسبب أو آخر، في أي مرحلة من مراحل الحرب الدائرة الآن في أفغانستان.
وتزامنت تأكيدات ابن لادن امتلاكه لأسلحة كيماوية و نووية وإمكانية استخدامها للردع مع استطلاع للرأي يشير إلى أن أربعة وخمسين في المائة من الأميركيين يؤيدون حكومتهم في استخدام السلاح النووي في الحرب على افغانستان .
وهكذا ينتقل السيناريو الأسوأ من حلقات النقاش الأكاديمية، وإدارات التقييم في المؤسسات الأمنية، إلى إمكانية حقيقية لوقوع حوادث إرهاب نووي، لأن الطريقة التي نفذت بها هجمات 11سبتمبر أوضحت أن كل شيء قد أصبح ممكنا، وأن ثمن تجاهل احتمالات حدوث ما لايمكن تصديقه منطقيا قد يكون هائلاً.
وكان ما قيل خلال اجتماع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بفيينا يوم الجمعة 2 نوفمبر الماضي، يشير إلى اتجاهات التفكير الجديدة السائدة بشأن الإرهاب النووي حاليا، فقد تخلى خبراء الوكالة، المحافظين بطبيعتهم، عن تصوراتهم السابقة، ليعلن بعضهم - حسبما قال د. محمد البرادعي مدير عام الوكالة - "ان الإرهاب النووي لم يكن يمثل تحديا حقيقياً عاجلاً، والآن أدركنا أنه خطر لا يمكن تنحيته جانبا، إذ أنه اصبح في المواجهة تماماً. والسبب ـ على حد قوله ـ ان هجمات 11 سبتمبر قد أظهرت استعداد بعض الناس للتضحية بحياتهم، وهي نقطة جوهرية، فكما أن اختراع الصورايخ البالسيتية في الخمسينات هو الذي جعل القنبلة الذرية "سلاحاً مطلقا ً" مرعبا، فإن اقتران أعمال الإرهاب بانتحار جماعي للعناصر الإرهابية، قد جعل استخدام أساليب التدمير الشامل ـ من جانب مثل هذه العناصر ـ غير مستبعدة على الإطلاق، في ظل ذلك الهوس السائد.
القنبلة الإرهابية
وعودة إلى ذلك التصور السائد قبل 11 سبتمبر ايلول الماضي، بشأن احتمالات الإرهاب النووي، حيث كان يركز على إمكانية حدوثه بأشكال أقرب إلى سيناريوهات الحرب النووية، التي تستخدم فيها "أسلحة نووية" Nuclear weapon ضد هدف ما، ومن هنا كان عدم التصديق العام لإمكانية وقوعه، فهذا السيناريو يرتبط باحتمالين، الأول، أن يكون أسامة بن لادن قد حصل على "سلاح نووي مكتمل"، ويستند ذلك إلى تقارير عديدة أشارت إلى صفقة تمت بين بن لادن وعسكريين من آسيا الوسطى لحصوله على "قنبلة نووية"، إضافة إلى تصريحات الجنرال الروسي الكسندر ليبيد سنة 1997، التي ذكر فيها أن قنابل ذرية صغيرة الحجم قد اختفت من الترسانة النووية الروسية.
ولا يصدق أحد في الواقع أن ذلك يمكن أن يكون قد حدث، ولا تؤكد تقارير CIA ذلك أيضا، وحتى لو كان "بن لادن" قد حصل على قنبلة، فإنها ستكون أداة ميتة بدون كود أو ضبط، أو إمكانية لنقلها فهي اقرب إلى جهاز نووي Nuclear Device وليس سلاح نووي، ولا يمكن استخدامها مباشرة، ويكاد يكون أهم ما تحتويه هو "المواد النووية". ثانيا، أن يكون أسامة بن لادن قد تمكن من تصنيع سلاح نووي. ومن المعروف أن قابلية الأسلحة المصنعة للاستخدام أكبر من مثيلاتها "الجاهزة".
ويستند ذلك على تقارير عديدة حول تعاملات لبن لادن في السوق النووية السوداء في السودان أو وسط آسيا، وقد أكدتها اعترافات عناصر تابعة له تم اعتقالها (مثل جمال الفضل).
ويشار هنا كذلك إلى إمكانية استعانته ببعض العلماء النوويين الباكستانيين في عملية التصنيع، ودعم من هذا الاحتمال اعتقال السلطات الباكستانية لخبراء نوويين مثل "سلطان بشير الدين" المعروف بتأييده لطالبان.
ويرى الدكتور البرادعي أن نجاح إرهابيين في صنع قنبلة ذرية غير محتمل"، أو على حد قول سفير طالبان في باكستان عبد السلام ضعيف، "لا يعقل التوقع من بلاد لا تتمتع حتى بمنشآت لصنع الزجاج أن تمتلك أجهزة معقدة كالأسلحة النووية".
كما أكد الأمير تركي بن عبد العزيز، رئيس الاستخبارات السعودية السابق، انه لم ترد إليهم معلومات تشير إلى ذلك، وتبعا لما يذكره العديد من الخبراء الأميركيين أنفسهم، فإن هناك العديد من الحواجز العلمية والتقنية التي يجب عبورها لتحويل "القنابل المشتراة" أو "المواد النووية" إلى أسلحة حقيقية.
لكن المشكلة تظل على ما هي عليه، فلا أحد يعرف بدقة ما قام به أو لم يقم به بن لادن في هذا الاتجاه، ولم يعد أحد قادرا على استبعاد أي شيء، فهذا الاحتمال سيظل قائما - حتى إذا لم تكن هناك دلائل إثبات - إلى أن يثبت العكس.
المخاطر الحقيقية
وبعيدا عن مسألة قيام الإرهابيين باستخدام أسلحة نووية ضد الولايات المتحدة أو الدول الحليفة لها، طرحت احتمالات اكثر واقعية وتحديدا، حول الضرب النووية الإرهابية المتصورة،
استنادا على مفاهيم وسيناريوهات معروفة - وإن لم تكن شائعة- منذ سنوات طويلة، ووقائع حديثة جرت قبل وبعد 11 سبتمبر، أهمها مايلي، احتمالات استخدام سلاح إشعاعي Radiological Weapon، وهو جهاز يتم من خلاله نشر مادة إشعاعية في منطقة الهدف لإلحاق أضرار أو إصابات بالأفراد.
وتبعا لتعريفه الأصلي لا يلزم حدوث انفجار لإحداث تلك الآثار، إلا أن التطويرات الحديثة للتعريف الأصلي طرحت إمكانية إحداث انفجار باستخدام مواد TNT التقليدية لتوسيع نطاق الآثار الإشعاعية.
ولا تستخدم في تلك الأسلحة بالضرورة المواد المشعة الانشطارية المعروفة كاليورانيوم 235 أو البلوتونيوم 239، فمن الممكن استخدام نظائر أخرى من البلوتونيوم واليورانيوم، أو حتى مواد معلومات كالسيزيوم 137 أو الكوبالت 60.
ولا توجد معلومات حول إنتاج أية دولة أو منظمة في العالم لمثل هذه الأسلحة، إلا ان قادة الشيشان كانوا قد هددوا عام 1995 بتحويل موسكو إلى صحراء ملوثة بالنفايات المشعة كالسيزيوم 137، كما أن الجماعة الإرهابية اليابانية التي استخدمت "عناصر كيماوية" في أحد قطارات أنفاق طوكيو قد حاولت قبل ذلك ان تحصل على "يورانيوم خام" من استراليا، فهناك إمكانية نظرية لتطوير هذه الأسلحة دون عوائق فنية كثيرة، وستكون آثارها مشابهة لحوادث التسربات الإشعاعية في المفاعلات النووية، ولكن وسط مناطق سكانية.
ويمثل امتلاك هذا السلاح الذي اصطلح على تسميته "القنبلة القذرة"، أحد الخيارات الأساسية لجماعات الإرهاب ، إذا ما تحركت في اتجاهات نووية ، ووفقا لتقديرات، جراهام أندرو، المستشار العلمي للوكالة الدولية للطاقة الذرية، لا توجد مشكلة حادة في حصول تلك الجماعات على "مصدر مشع"، متوافر حتى في المستشفيات (أجهزة العلاج بالأشعة) ، بل أن مصادر الأمن الأميركية ترى أن مثل هذه المواد تتوافر بالفعل لدى بن لادن، بطاقات إشعاعية مرتفعة .
احتمالات استهداف المفاعلات النووية، وفقا لما أطلقت عليه العديد من الكتابات "الحرب الإشعاعية" Radiological War، التى يعد شن هجمات تقليدية ضد المنشآت النووية أحد أهم أساليبها، وهو ما ينتج آثارا تختلف كثيرا عن التسربات الإشعاعية، على غرار حادثة "ثرى مايلز آيلاند" بالولايات المتحدة، فهذا الوضع يرتبط بحالة على غرار انفجار مفاعل تشرنوبيل عام 1986 في أوكرانيا بالاتحاد السوفيتى السابق.
وقد أشارت مصادر مختلفة إلى ان الطائرة الرابعة التي اختطفت فى 11 سبتمبر، وتحطمت فى بنسلفانيا ، ربما كانت متجهة إلى مركز نووي، يرجح أنه محطة "ثرى مايلز آيلان" تحديداً.
وتبعا لما يقره خبير بريطانى (جافين كامرون) من جامعة سالفورد، فان الطائرة قد هبطت إلى ارتفاع منخفض قبل تحطمها، فيما يشير إلى أنها لم تكن متجهة إلى واشنطن. وقد قامت الحكومة الأمبركية بتوسيع دائرة حظر الطيران حول منشآتها النووية بالفعل، كما قررت الحكومة البريطانية زيادة السرعة المسموح بها للقطارات التي تنقل مواد نووية إلى 60 ميلا فى الساعة. فهناك مخاوف حقيقية بهذا الشان، ولا يوجد ما يمكن أن يسمى "موانع فنية" على هذا المستوى.
وفي النتيجة النهائية، فإن المخاوف الخاصة بالإرهاب النووي تتصاعد بدرجات غير مسبوقة في ظل تصور سائد بأن كل شيء يمكن أن يحدث، إلى درجة أن مجلة "نيويوركر"، قد سربت ملامح سيناريو مثير، أشارت فيه إلى أن مجموعة من "الكوماندوز" الأميركيين يتدربون عل الاستيلاء على الأسلحة النووية الباكستانية، والاحتفاظ بها في منطقة آمنة، في حالة الإطاحة بالجنرال برفيز مشرف، فلم يعد هناك مالا يمكن التفكير فيه.