مصطفى الزين&- يقول الاديب البريطاني الساخر اوسكار وايلد في روايته الشهيرة "صورة دوريان غراي" ان تمرد إبليس على الله لم يكن سوى اعتراض على الحكم المطلق. ولذلك يمكن اعتبار إبليس المؤسس الاول للنظام الديموقراطي ولولاه لما عرفت بريطانيا مجلس العموم"!!
واذا نحن تركنا جانباً تهكم اوسكار وايلد على المجتمع البريطاني في القرن التاسع عشر واستعرضنا اعمال جميع ابالسة الديموقراطية في هذا القرن وتصرفاتهم لا سيما اعمال وتصرفات جورج بوش لتأكد لنا ان ما نسميه الديموقراطية - ولا سيما الديموقراطية الاميركية - هي فعلاً من صنع إبليس وابتكاراته كما ذهب الى ذلك اوسكار وايلد.
فقد عبّأ الرئيس الاميركي جميع دول العالم وجيّش جيوشها من أجل القضاء على شيخ نحيل من أصل يماني ما زال يطوف جبال افغانستان ووهادها وكهوفها لبث "الارهاب" في جميع انحاء المعمورة والقضاء على الترسانة الاميركية الجبارة التي تهدم بيوت الطين فوق رؤوس الاطفال والنساء الافغان وتشردهم في الوديان والقفار حتى لا يجدوا جرعة ماء تروي رمقهم او كسرة& خبز تسد جوعهم.
فهؤلاء الافغان المعدمون هم الذين دمّروا مركز التجارة العالمي في مدينة نيويورك وهم الذين قوّضوا وزارة الدفاع الاميركية "البنتاغون" التي لا حراس عليها ولا رقباء سوى الملائكة!!
والسؤال الذي ما زال يحيّر العقول ويثير الاستغراب هو: من اين لاسامة بن لادن كل هذا المستوى العلمي والتقني الرفيع والمعقد كي يقوم بمثل هذا العمل المتهم به والذي يعجز عن تحقيقه حتى سليمان وجنوده وشياطينه وعفاريته ومستشاروه بمن فيهم "الذي عنده علم من الكتاب" والذي نقل اليه عرش ملكة سبأ "قبل ان يرتد اليه طرفه"!!
وكيف تمكنت اجهزة التلفزة من التقاط كل هذه المشاهد الحية الراعبة لقصف برجي مركز التجارة العالمي و"البنتاغون" وعرضها على شاشاتها لحظة وقوعها دونما علم مسبق بانها سوف تحدث او دون اذن مسبق بتصوير دقائق تفاصيلها؟!
وهنا تعود بي الذاكرة الى كلام تفوّه به رئيس وزراء اسرائيل السابق بنيامين نتنياهو بعد مقابلة عاصفة جرت بينه وبين رئيس الولايات الاميركية المتحدة بيل كلينتون في البيت الابيض عندما خرج غاضباً من الاجتماع وتراكض الصحافيون ومراسلو التلفزيون نحوه لاستصراحه حول نتائج الاجتماع. فما كان منه الا ان رفع سبابته في الهواء مهدداً ومتوعداً بأنه سوف يحرق البيت الابيض!!
ألم يكن الاجدر بمن اتهموا بن لادن بانه وراء كارثة مركز التجارة العالمي و"البنتاغون" قبل مضي اربع وعشرين ساعة على الحادث ان يبدأوا بالتساؤل، واذا كانت لديهم الجرأة ان يسألوا نتنياهو ماذا كان يقصد عندما هدد بانه سوف يحرق البيت الابيض؟ علماً بأن عبارة البيت الابيض هنا تعني اميركا كلها - وهي تسمية من قبيل المجاز - وتالياً فانها تشمل نيويورك بطبيعة الحال؟
هذا ليس دفاعاً عن بن لادن. فالرجل له مفاهيم خاصة عن الاسلام قد لا يوافقه عليها عامة المسلمين. فالدين الاسلامي لا يقرّ العدوان والمسلمون "امة وسط" بموجب كتابهم اي امة بعيدة عن الغلوّ والتطرف. ولكن اقتناعات هذا الرجل لا تجعله مؤهلاً للقيام بما تنسبه اليه واشنطن. فالتسرع في الصاق التهم واطلاق الاحكام دليل الانفعال والطيش والخلط بين الحقيق والشبهة أمر في منتهى الغباء. وحادثة "اوكلاهوما" خير دليل على ذلك بعد اكتشاف حقيقة الفاعل.
لن أدخل نفسي في تفاصيل الاخطاء التي تسببت بها السياسة الاميركية في العالم وما جرته على الولايات المتحدة من مشكلات سواء في الشرق الاوسط (فلسطين وايران والآن افغانستان) واميركا اللاتينية (بنما، نيكاراغوا، التشيلي الخ...) والشرق الاقصى (فيتنام وكوريا وكمبوديا ولاوس وسواها...) وافريقيا (الصومال والسودان وتانزانيا...) ووقوفها الدائم ضد الشعوب الفقيرة والمستضعفة. وهي مواقف اكثر من ان تحصى. وقد لخص هنري كيسينجر ذات يوم هذه السياسة بانها "سلخ جلود الضعفاء وبيعها للأقوياء". وهذه سياسة طالما شاهدنا نماذج عنها في افلام "الكاوبوي" التي كانت تتحفنا بها هوليوود عندما كانت تستعرض مطاردة المهاجرين البيض للهنود الحمر سكان اميركا الاصليين. والسياسة الاميركية الحالية ليست سوى امتداد لعقلية الآباء والاجداد. وكما يقول المثل: من شابه أباه فما ظلم...
فالى متى ستستمر هذه السياسة" وهل جنت اميركا اية فائدة منها؟! فأية دولة في العالم اليوم ليس عندها مشكلة مع اميركا؟
أما آن لواشنطن ان تعيد النظر في كل ما قامت وتقوم به، ام انها اصبحت دمية للصهيونية تلعب بها على هواها بما يخدم مصالحها واطماعها وهيمنتها على العالم؟ (النهار اللبنانية)
&
سفير لبناني سابق
&