&
إيلاف- نبيل شرف الدين: في أعقاب سيطرة قوات التحالف الشمالي على العاصمة الأفغانية كابول، ومحاصرتها لمدينة قندهار، آخر معاقل حركة طالبان، التي اندحرت بشكل مروع وسريع لم يكن متوقعاً، فقد فرضت سيناريوهات ما بعد طالبان نفسها بشدة، على الواقع الأفغاني الداخلي، فضلاً عن الوضع الإقليمي، والدولي، ضماناً لاستقرار الأوضاع في أفغانستان المنكوبة بالحروب والاقتتال الداخلي منذ عقود، وفضلاً عن الجنرال رحيم وارداك الذي تحدثت عنه "إيلاف" منذ أيام، لأول مرة باعتباره الوريث الأكثر قبولاً للقيام بالدور الذي كان مرشحاً له القائد عبد الحق، الذي قتلته حركة طالبان، والجنرال رحيم وجه باشتوني، يشكل وجوده في معادلة الحكم الأفغاني توازناً مع قوات تحالف الشمال، التي تعبر عن الأقليات غير الباشتونية.
لكن يبقى اسم الملك السابق ظاهر شاه، مطروحاً بشدة، باعتباره نواة ملكية دستورية، ومظلة رمزية يمكن أن تندرج تحتها كافة القوى الأخرى في حكومة وطنية متعددة الأطراف، ويتوقع المراقبون أن يصل الملك ظاهر شاه على متن طائرة تابعة للأمم المتحدة، إلى مطار كابول الدولي مع حكومة يتم إعدادها في المنفى، كما يتوقع المراقبون أيضاً أن تكون الولايات المتحدة أول دولة تعترف بحكومة ظاهر شاه وتساندها ماديًا وسياسيًا، كما سيمد الناتو والاتحاد الأوروبي يد المعونة للحكومة الجديدة بعد سقوط طالبان، وفرار قادتها إلى الجبال، حيث ستتم ملاحقتهم هناك بواسطة قوات التحالف الشمالي، مدعومة بخبرات لوجستية من الكوماندوز الأميركي.
سيرة ملك
وملك أفغانستان السابق ولد عام 1914، وهو يبلغ من العمر الآن حوالي 87 سنة. وينتمي إلى قبائل الباشتون التي تمثل 43% من سكان البلاد، ويعيش نجله الأكبر وبعض أقاربه الآن في الولايات المتحدة. ويتحدث الملك ظاهر شاه الفرنسية بطلاقة، ويلم إلماماً دقيقاً بالثقافة الفارسية. وقبل أن يتم العشرين من عمره تعرض والده لعملية اغتيال، فخلفه ظاهر شاه على عرش أفغانستان في عام 1933، وحاول شاه إدخال إصلاحات ديمقراطية في البلاد، وأعلن عام 1946 عن وضع دستور جديد لأفغانستان كما سن قوانين تنظم انتخابات عامة لبرلمان تمثيلي منتخب وصحافة حرة، وانتهج ظاهر شاه سياسة معتدلة ومحايدة بين الشرق والغرب، مما ساعده على تلقي مساعدات من الطرفين، استخدمها في بناء بنية تحتية للبلاد في مجالات الطرق والري والزراعة وتحسين خدمات التعليم.
ويعد ظاهر شاه آخر ملوك أفغانستان وبه تم إسدال الستار على الحكم الملكي في أفغانستان الذي استمر قرابة المائة عام. وتميزت الأعوام الأربعون لحكم الملك السابق بالهدوء النسبي في تاريخ أفغانستان المليء بالحروب. ويقيم ظاهر شاه حاليا في منفاه بإيطاليا منذ عام 1973.
أبرز صفاته
ووفقاً لمحطة MSNBC الأميركية، فإن الملك الأفغاني السابق، ظاهر شاه المرشح للعودة القريبة لحكم بلادة كملك دستوري، فإنه شخص يتميز بالحذر الشديد وتجنب الصدامات، وقد رفض الملك الاعتراف بباكستان كدولة مستقلة، لأنها رفضت إعادة المناطق الحدودية التي يسكنها الباشتون إلى أفغانستان، وقد اقتربت الجارتان من إعلان الحرب عام 1969 لولا تدخل شاه إيران في ذلك الوقت. وبذلك فقد الملك السابق تعاطف باكستان التي اعتبرته عدوا لها خاصة وان علاقاته كانت قوية بالهند مما عزز من شكوك اسلام آباد..
آخر ملوك أفغانستان
استمر حكم ظاهر شاه لأفغانستان أكثر من أربعة عقود، فقد خلف والده على عرش أفغانستان بعد أن اغتيل في عام 1933جنبها خلالها من مشاكل التحالفات الدولية ومراكز القوة. ولكن سياسة شاه الحيادية لم ترض جاره الاتحاد السوفيتي، فقاد الأمير محمد داود خان، ابن عمه وزوج أخته، في 17 يوليو عام 1973 انقلابا عسكرياً بمساعدة ضباط شيوعيين موالين لموسكو أطاح بحكم ظاهر شاه. وهرب ظاهر شاه وأسرته إلى طهران، غير أن الشاه لم يكن مستعداً لمساعدته على العودة إلي عرش كابول، لخوفه من حرب شاملة ضد السوفييت، وذهب الملك السابق بعد ذلك إلى روما حيث اشترى فيلا متواضعة بضواحيها.
وقام داود خان بإلغاء الدستور وتأسيس جمهورية أفغانستان منصبا نفسه رئيسا لها. وقد قتل داود خان وتم تأسيس جمهورية أفغانستان الديمقراطية اليسارية في إبريل من عام 1978، وفي نهاية عام 1979غزا السوفييت البلاد ودام احتلالهم لها 10 سنوات. وارتكب ظاهر شاه خطأه الأول، وربما الأكبر في معاركه مع باكستان. فقد رفض الملك الاعتراف بباكستان كدولة مستقلة، لأنها رفضت إعادة مناطق الباشتون الحدودية إلى أفغانستان، وقد وصلت الجارتان عام 1969 إلى نقطة قريبة من شن الحرب، ولكن تدخل شاه إيران جعلهما يتجنبان الحرب الشاملة، ولكن ذلك الحادث كان تجربة مريرة بالنسبة لحكام باكستان، جعلتهم يتعاملون مع الملك كعدو خطير، ولا بد أن علاقات الملك الوثيقة مع الهند قد عززت تلك الشكوك.
ولذلك عندما طرد الاتحاد السوفيتي من أفغانستان، كانت واحدة من الأولويات الكبرى لباكستان حرمان ظاهر شاه من لعب أي دور يذكر في حكم أفغانستان. ولأن الدول العربية والإسلامية كانت تدعم باكستان، فقد نجحت في جهودها من إبعاد الملك السابق.
وبينما صارت مجموعات " المجاهدين " المختلفة تتصارع حول السلطة، ظل ظاهر شاه قابعاً في منفاه بروما، وفي نهاية المطاف تمكنت حركة طالبان من الاستحواذ على السلطة وفرضت سيطرتها على ما يقرب من 95 في المائة من أراضى أفغانستان، فيما انحصر نفوذ تحالف الشمال المعارض في الخمسة في المائة الباقية.
الخروج من القوقعة
وقد بدأ ظاهر شاه مع اندلاع الأزمة الأخيرة وبمساعدة من الأميركيين، الذين أعادوه مرة أخرى إلى دائرة الضوء، في تنشيط مكتبه الصغير بالعاصمة الإيطالية وإرسال رسائل إلى عواصم غربية وإسلامية عديدة تعبر عن استعداده لقيادة حكومة انتقالية. ويصر ظاهر شاه في كل أحاديثه الصحفية على أنه لا يريد إعادة الملكية، مؤكدا أن هدفه هو المحافظة على استقلال أفغانستان ووحدة أراضيها.
ويؤكد كثير من المراقبين أن طريق عودة ظاهر شاه لعرش أفغانستان لن يكون مفروشا بالورود، فالقائد الأعلى لحركة طالبان الملا محمد عمر تحدى الولايات المتحدة وظاهر شاه وهددهما بحرب عصابات في حال الإطاحة بنظام طالبان. وحذر الملا في كلمة نادرة عبر الإذاعة الأفغانية الملك العجوز قائلا " كيف تتجاسرون ومن دون استحياء على المجيء إلى أفغانستان بدعم الأميركيين وحدهم؟ ألا تعرفون طبيعة الأفغان وألا تعرفون أنهم سيقاومون إدارتكم الفاسدة ؟ "، وحذر الملا عمر ظاهر شاه من عواقب العودة لأفغانستان قائلا "سأرى كيف تتصرفون عندما تأتون إلى أفغانستان، فمن السهل الإدلاء بتصريحات من خارج البلاد"
وانضم قلب الدين حكمتيار، أحد الزعماء السابقين للمقاومة الأفغانية ضد السوفييت، وأحد زعماء الباشتون إلى المعارضين لعودة ظاهر شاه ووصفه بـ "بابراك كارمل الأميركي". وفي إشارة إلى الرئيس الشيوعي الذي سلمه السوفييت الحكم في أفغانستان عام 1979. وأكد حكمتيار أن عودة الملك السابق للحكم أمر غير مقبول، فالشعب لا يريد محتلين ولا نظاما صوريا مفروضا من الخارج، معتبرا قيام تحالف الشمال المعارض بإجراء محادثات مع الملك السابق في روما خطوة خاطئة، لأن المعارضة بذلك تخسر مصداقيتها.
ورغم عدم الود بين باكستان والملك الأفغاني السابق، والذي كان أحد المعارضين الأساسيين لانضمام باكستان إلي الأمم المتحدة عام 1947، إلاّ أن إسلام آباد بدأت تتحدث عن دور مهم له باعتباره الشخصية الباشتونية الوحيدة المؤهلة للحكم، خصوصاً أن باكستان لن تتحمل وجود شخصية غير باشتونية في حكم أفغانستان، نظراً للتشارك العرقي واللغوي بين الطرفين
ومن جانبه يبدو أن ظاهر قد استوعب الدرس جيدا، حيث يؤكد أنه "لا يضمر حقداً لباكستان، والتاريخ مليء بالأحكام الخاطئة، والنقطة الهامة هي استيعاب الدروس والتحرك إلى الأمام لا الركون إلى أوهام الماضي والاستسلام".
وتبدو إيران - أحد جيران أفغانستان الأقوياء - التي تخلصت من الملكية قبل 22 عاما غير مستريحة لخيار عودة الملكية، وتفضل أن يأتي الحل عن طريق التحالف الشمالي، مع مراعاة مشاركة الأقليات العرقية الأفغانية في أي تقاسم مقبل للسلطة، باحثين بذلك عن دور للشيعة الأفغان من قبائل الهزازا. كما أن خضوع ظاهر شاه للولايات المتحدة، وظهوره كدمية أميركية، تحركها وشنطن حسبما تشاء أمر لا يريح طهران، بحكم العداء المستحكم بين إيران والولايات المتحدة. ويضاف كل هذا إلى هواجس الكثيرين في إيران حول إمكانية أن تكرر وشنطن نفس اللعبة مع نجل شاه إيران المقيم في الولايات المتحدة، ويبث من خلال قناة تليفزيونية خاصة العديد من النداءات والخطابات إلى الإيرانيين.
ووسط هذه الاستعدادات والتجهيزات الأميركية لعودة ظاهر شاه، جاءت عملية إعدام المعارض الأفغاني البارز القائد عبد الحق على يد سلطات حركة طالبان لتوجه ضربة قاصمة لآمال الملك السابق في العودة، حيث أن عبد الحق القائد السابق خلال الحرب ضد السوفييت كان سيمثل واجهة شعبية مقبولة لعودة الملكية إلى أفغانستان مرة أخرى، ولهذا لم يتردد الملك السابق في تأكيد إصابته بصدمة شديدة فور تلقيه نبأ إعدام عبد الحق، مشيرا إلى أنه تسلل لأفغانستان لإجراء اتصالات مع كافة القبائل الأفغانية للتوصل إلى اتفاق بشأن إقامة حكومة وطنية موسعة تكون البديل الجديد للحكومة الحالية لحركة طالبان.
البحث في الأوراق القديمة
لجأت الولايات المتحدة في محاولتها الخروج من مأزق ما يسمى " ماذا بعد إسقاط حكم طالبان؟ " إلى البحث في السجلات القديمة، ومن هنا جاء طرح اسم الملك الأفغاني السابق ظاهر شاه لقيادة أفغانستان في المرحلة الانتقالية فيما بعد سقوط طالبان، وهو الاقتراح الذي حظي بدعم من الحلفاء الأوروبيين والأمم المتحدة، وموافقة مشروطة من جانب باكستان، صاحبة النفوذ القوى داخل أفغانستان.
ويتوقع الأميركيون أن يقبل الأفغان شاه كرمز أبوي، لا سيما وأنه ينتمي إلى الباشتون الذين يمثلون 43% من السكان، وفيما يتعلق بجيران أفغانستان فانه لا يمثل بالنسبة لهم أي خطر
وإذا كان البعض داخل وخارج أفغانستان لا يعتبروه الخيار المفضل، فانه في الوقت ذاته لا يمثل بالنسبة لهؤلاء السيناريو الأسوأ، مقارنة بالخيارات الأخرى المطروحة على الساحة، وينطبق هذا على إيران وباكستان على وجه الخصوص. فاستحواذ تحالف الشمال على السلطة لن يرضي باكستان الحليف التقليدي للباشتون الأفغان، كما أن بقاء طالبان في الحكم سيمثل مصدر إزعاج وتوتر دائمين بالنسبة لإيران.
سيناريو ما بعد طالبان
بات من المؤكد لدى المراقبين لما يبدو في منطقة بحر قزوين أن وشنطن وحلفاءها يهيئون لعودة الملك الأفغاني المخلوع ظاهر شاه للحكم في أفغانستان بعد التدمير المفترض لحكومة طالبان، إذ يعتبر مستقبل أفغانستان في مرحلة ما بعد تحطيم هذه الحركة من أكبر الهواجس التي تقلق الإدارة الأميركية في إدارتها للحرب الحالية، لارتباط ذلك بسعيها لتحقيق أهدافها السياسية والإستراتيجية من هذه الحرب على المستويين الإقليمي والدولي.. وإذا كان القضاء على الإرهاب المتمثل في الرؤية الأميركية بشكل مباشر في تنظيم القاعدة، الذي يرأسه أسامة بن لادن، وحركة طالبان التي تؤويه، فإن وشنطن تدرك تماما أنه حتى مع افتراض نجاحها في تحقيق هذا الهدف بواسطة القوة العسكرية على النحو الجاري حاليا في أفغانستان، فإنه لن يوفر لها الاستقرار الذي تنشده في هذا البلد، والذي يعد مفصلا وحلقة وصل بين وسط آسيا وجنوبها، ويتوسط منطقة تحيطها قوى إقليمية في أغلبها معادية للولايات المتحدة، وقريبا من منطقة بحر قزوين التي تعج بالثروات المعدنية، وأصبحت مطمعا لقوى إقليمية ودولية عديدة، وتحرص الولايات المتحدة على أن يكون لها نصيب الأسد فيها.
ومن أبرز المشاكل التي تواجه الولايات المتحدة وهي تحاول معالجة مشكلة ما بعد طالبان، الاختلافات العرقية والقبلية والطائفية التي تسود الشعب الأفغاني، وارتباط ذلك بالدول المحيطة بأفغانستان، كذلك الهوية السياسية والأيديولوجية للزعامات الأفغانية المطروحة على الساحة اليوم، ومدى نفوذ وفعالية كل منها، وبالتالي حصولها على تأييد الشعب الأفغاني ودعم الدول المجاورة، أو رفض التعاون معها، هذا إلى جانب الخبرة التاريخية للولايات المتحدة في التعامل مع حكومات عميلة لها أنشأتها في مناطق أخرى من العالم بفعل القوة العسكرية، وفرضتها على شعوبها، ولم تنجح في تحقيق الأهداف المنوطة بها.
العقبات الداخلية والخارجية أمام عودة ظاهر شاه المرتقبة
لكن عودة الملك ظاهر شاه لأفغانستان رغم الجهد الأميركي والترحيب الكبير تعترضها عقبات عديدة خارجيا وداخليا، فإذا كانت المحادثة التي جرت بين الملك وممثلي المعارضة أخيرا في روما تحت إشراف عدد من رجال الكونجرس الأميركي قد توصلت إلى اتفاق بإنشاء مجلس أعلى للوحدة الوطنية يتكون من 120 من الزعماء التقليديين في البلاد، على أن يتولى هذا المجلس انتخاب رئيس للبلاد وتشكيل حكومة وطنية، فإن هذا الاتفاق يظل حبرا على ورق طالما أن طالبان ظلت في السلطة، وما دامت هناك قوى ضخمة ضمن المعارضة ترفض حكما تأتي به المخابرات الأميركية فما العقبات التي تعترض الخيار الأميركي المتعلق بظاهر شاه؟.
أولا- العقبات الداخلية:
التوازنات العرقية

وتلعب التوازنات العرقية والطائفية في أفغانستان دورا لا يمكن الاستهانة به في تشكيل أي حكومة وحدة وطنية في هذا البلد المتعدد عرقيا وثقافيا ودينيا.. فأفغانستان تضم حوالي 25 مليون نسمة، 4 ملايين منهم لاجئين في باكستان والدول المجاورة.. وتشكل قبائل الباشتون الأغلبية السكانية (38%)، والطاجيك (25%) والأوزبك (9%) والهزاره الشيعية (19%)، بجانب أقليات صغيرة من البلوش والتركمان والأيماك وغيرهم. ·
وتنتمي حركة طالبان إلى الأغلبية الباشتونية ذات الامتداد القبلي في باكستان، أما تحالف الشمال المعارض فهو يضم خليطا من الطاجيك والهزاره والأوزبك، يرأسه برهان الدين رباني، الذي لا يزال ينظر إليه رسمياً باعتباره رئيس أفغانستان، وذلك منذ أن تولى فعلا هذا المنصب عام 1992 بعد ستة أشهر من سقوط الحكم الشيوعي. وتعد أبرز نقاط ضعفه أنه ينتمي إلى الأقلية الطاجيكية في الشمال، ولا يحظى سوى بدعم ضئيل من الغالبية الباشتونية.
أما القائد العسكري لتحالف الشمال فهو الجنرال عبد القاسم فهيم الذي ينتمي إلى الترويكا التي حلت محل القائد مسعود، وتشمل يونس قانوني للشؤون السياسية، وعبد الله عبد الله للشؤون الدبلوماسية، ويقدم التحالف الشمالي نفسه إلى الولايات المتحدة باعتباره الأقدر سياسيا وعسكريا على أن يخلف طالبان في حكم أفغانستان، بعد هزيمتها عسكريا إذا ما قدمت له وشنطن الدعم السياسي والمادي الكافي.
ثم تأتي بعد ذلك في ترتيب القوى العرقية في أفغانستان قوات الجنرال عبد الرشيد دوستم، الذي يتزعم الأقلية الأوزبكية في شمال أفغانستان، وله نفوذ مؤثر، إلا أنه لا يرقى لمستوى يؤهله لحكم أفغانستان كلها.. وقد بزغ نجمه داخل الجيش الأفغاني بعد الغزو السوفييتي، ويصطف حاليا مع تحالف المعارضة الشمالية.
أما رابع القوى العرقية المؤثرة على الساحة الأفغانية فهو قلب الدين حكمتيار، الذي يرأس الحزب الإسلامي، ويعد أكثر قيادات المجاهدين الأفغان إثارة للجدل.. حيث انخرط في قتال مع منافسيه الأفغان أكثر من انخراطه في معارك ضد القوات السوفييتية، إلا أن الخط المتشدد لحزبه استقطب المجاهدين من مختلف الجماعات العرقية والطائفية.
تقاسم السلطة مع تحالف الشمال
حتى إذا وافق الأفغان على هذا الحل نتيجة للضغوط الأميركية فإن الملك سيواجه عدة عقبات، أهمها الخلافات العميقة التي ستظهر بينه وبين قوات التحالف الشمالي، على الرغم من الهدوء النسبي المشوب بالحذر الذي يجمع بينهما حاليا.. فمسألة تولي ظاهر شاه مقاليد السلطة سواء كانت ملكية أو جمهورية، هي أمر مشكوك فيه بعد 28 عاما قضاها في إيطاليا جعلت منه رجلا علمانيا غريبا على المجتمع الأفغاني، بعكس معظم القوى السياسية في أفغانستان التي لا تزال متمسكة بأصولها الإسلامية، فضلا عن أن شكل الحكومة وتوزيع الحقائب الوزارية لا بد أن تعترضه مشكلات عديدة، إذ تستوجب المسألة إدراج (الباشتون) في الإدارة الجديدة حقنا للدماء، الأمر الذي سيلاقي معارضة شديدة من قبل تحالف الشمال الذين ينتمي بعضهم إلى الطاجيك والأوزبك مما يهدد باندلاع حرب أهلية جديدة.
ثانيا- العقبات الخارجية:
الدور الباكستاني:

ورغم الدعم الباكستاني للدور الأميركي في محاربة الإرهاب وإدانتها لطالبان والقاعدة، إلا أنه من الواضح أن إسلام آباد وطالبان غير راغبتين في التباعد الجاري بينهما، حيث لاتزال باكستان تعتقد أن طالبان هي الحليف الأمثل لها في أفغانستان.. لذلك حذر وزير خارجية باكستان من محاولة الولايات المتحدة إيجاد بديل لطالبان، وفرض حكومة موالية لوشنطن تضم عناصر من التحالف الشمالي المعادي لإسلام آباد.
كما لا يرى المسؤولون الباكستانيون أي فائدة من المحاولات الأميركية لإقامة نظام ديمقراطي صحيح في أفغانستان بالنظر لسيادة مفهوم الحكم الفردي لشيخ القبيلة على قبيلته، ومن ثم فلا مجال للحديث عن انتخابات حرة أو إمكانية تداول السلطة، كما يخشى المسؤولون الباكستانيون من تزايد نفوذ روسيا والهند وإيران، وهي قوى معادية لباكستان -في أفغانستان- في إطار سيناريو توسيع دائرة الحكم في أفغانستان مستقبلا، خاصة وأنه لا يوجد بديل باشتوني قوي يمكن أن يحل محل طالبان ويكون حليفا مخلصا وأمينا لباكستان، يؤمن ظهرها، ويحافظ على أفغانستان بوصفها عمقا إستراتيجيا لباكستان في مواجهة عداء طويل الأمد مع الهند.
لذلك فإن الرئيس الباكستاني برويز مشرف لا يزال يسعى ويأمل في أن تضحي طالبان بشخص بن لادن حتى تتجنب كل من باكستان وأفغانستان عواقب حرب مدمرة، ومردوداتها السلبية على كلا البلدين.
إلا أن طالبان رغم تقديرها لصعوبة الموقف الباكستاني، فإنها ترفض نهائيا فكرة تسليم بن لادن لأن ذلك يدمر صورتها ليس فقط أمام الشعب الأفغاني، ولكن أمام المسلمين في كل العالم، لذلك من المعتقد أن تقبل إسلام آباد بنظام حكم في كابل تسيطر عليه وجوه معتدلة من طالبان، وليس عناصر من تحالف الشمال المعارض أو الملك السابق.
الدور الإيراني:
برغم العداء والتباين المستفحل بين إيران والولايات المتحدة إلا أنهما تشتركان في رؤية مستقبل أفغانستان، لا سيما فيما يتعلق بضرورة طرد حركة طالبان، ورغم الخلاف في وجهة نظرهما بشأن الضربة العسكرية، فإيران التي تتقاسم مع أفغانستان حدودا تمتد على طول 900 كم، تعتبر معادية بشدة لحركة طالبان، ومؤيدة لتحالف الشمال، مع إدانتها المسبقة لحل عسكري لا يحظى بموافقة الأمم المتحدة.
وتعتبر المشكلة الأفغانية الموضوع الوحيد الذي تجرى بشأنه محادثات بين الجانبين الإيراني والأميركي منذ سنوات في إطار مجموعة "الدول الست المحاذية لأفغانستان بالإضافة للولايات المتحدة وروسيا"، والتي شكلتها الأمم المتحدة.
وتقضي المصالح المشتركة لكل من الولايات المتحدة وإيران برحيل طالبان، حيث تفضل الولايات المتحدة السيناريو الإيراني الذي يسند حكم أفغانستان لقوى المعارضة، على السيناريو الباكستاني المتمثل في إقامة تسوية مع طالبان لكن واشنطن تأخذ على طهران دعمها لحكمتيار .