باريس - من جورج ساسين: من المقرر ان يبعث الرئيس الفرنسي جاك شيراك في غضون أيام برسائل الى الرئيسين اللبناني اميل لحود والسوري بشار الاسد والى العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني بن الحسين في شأن الأوضاع المستجدة على الصعيد الديبلوماسي لاعادة تحريك العملية السلمية بين الفلسطينيين والاسرائيليين ولاطلاعهم على المشاورات بين الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي ومصر والمملكة العربية السعودية لايجاد "مخرج لائق" بالمعنى الديبلوماسي للكلمة يدفع الحكومة الاسرائيلية الى الموافقة على المشاركة في "طاولة مفاوضات".
كذلك ستتضمن هذه الرسائل التي سيحملها السبت مدير دائرة الشرق الأوسط وشمال افريقيا في وزارة الخارجية ايف أوبان دو لاميسوزيير، مستهلاً جولته بالاردن، ما تسعى باريس الى القيام به بالتعاون مع الاتحاد الاوروبي وخصوصاً بريطانيا والمانيا في شأن قضية الشرق الأوسط، وكذلك الاستراتيجية المقبلة لمحاربة الارهاب وتمويله، وتداعيات الحرب في أفغانستان والاطر السياسية التي ستوضع بالتعاون مع الأمم المتحدة لايجاد حل سريع من طريق اقامة حكومة انتقالية تضم مختلف الاتجاهات السياسية والقومية.
وسيسلم دو لاميسوزيير الرسالتين الى لحود الثلثاء والى الاسد الاثنين بعد لقائه الملك عبدالله الثاني في نهاية الاسبوع.
وكانت مصادر فرنسية واسعة الاطلاع أفادت أول من أمس ان الادارة الاميركية تستعد لاعلان مهم عن النزاع الفلسطيني - الاسرائيلي يتولاه وزير الخارجية كولن باول ويبرز فيه المعالم السياسية للتوجه الاميركي في المنطقة مستقبلاً. وقالت ان جهوداً بذلت في اكثر من عاصمة لحض واشنطن على المضي قدماً في اعطاء الاشارات السياسية التي من شأنها الاستجابة ولو جزئياً لدعوات المسؤولين العرب والأوروبيين وخصوصاً الرأي العام العربي الذي بدأ يهدد التحالف الدولي ضد الارهاب، ذلك ان الحكومات العربية المعنية مباشرة تشعر بالضغط المتزايد لرأيها العام مما يؤدي الى عدم استقرار في هذه المنطقة. ولعل ما أعلنه الرئيس شيراك في الرياض أول من أمس عن احتمال قيام انتفاضات شعبية في العالم العربي والاسلامي اذا لم يوضع حد لتدهور الاوضاع في الاراضي الفلسطينية ويوجد حل سريع للنزاع العربي - الاسرائيلي، مؤشر رسمي& وعلني لضرورة التحرك الاميركي والدولي الفاعل.
وكانت جهود قد بذلت من اجل اصدار بيان اوروبي - اميركي عربي مشترك في شأن النزاع في الاراضي الفلسطينية على هامش اعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة، الا ان واشنطن فضلت اصدار موقف خاص بها في هذه المرحلة.
ولكن ما هي طبيعة الجهود المبذولة وحدودها السياسية؟
الواقع ان الرسالة الخطية التي بعث بها قبل ايام الرئيس المصري حسني مبارك الى الرئيس الاميركي تعبر عن فحوى المشاورات التي تجرى بعيداً عن الاضواء. وكان مصدر قريب من مبارك أفاد ان الرئيس المصري أثنى على موقف بوش من دولة فلسطين القابلة للحياة، لكنه اعتبر ذلك غير كاف ولا بد لبوش من تحديد الروزمانة والآلية لاقامة هذه الدولة لئلا يذهب كلامه هباء.
وثمة مسعى جدي يقوم على ايجاد تسوية مرضية للفلسطينيين بالنسبة الى اعلان الدولة لا تغضب الحكومة الاسرائيلية التي تتحفظ عن اعلان الرئيس ياسر عرفات دولته المنشودة. وتبدأ هذه التسوية التي يطلق عليها ديبلوماسيون فرنسيون "المخرج اللائق" باعلان دولة فلسطينية قابلة للحياة ومسالمة، على ان يكون الاعلان ثمرة مشاورات الى "طاولة المفاوضات" لمح اليها شيراك وتضم الى اطراف النزاع الفلسطيني - الاسرائيلي كلاً من الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الاوروبي ومصر والاردن والامين العام للامم المتحدة.
واوضح مصدر فرنسي ان هذه "النقلة" تحسن موقع الفلسطينيين في العملية التفاوضية اذ تضعهم على قدم المساواة من الناحية القانونية والشرعية مع الاسرائيليين فيجري التفاوض انطلاقاً من موقعهم الجديد ممثلين للدولة الفلسطينية العتيدة وليس لسلطة حكم ذاتي كما يجري حالياً، او انطلاقاً من كونهم يمثلون حركة تحرير وطني.
ثانياً، ان مجرد قبول الاطراف وخصوصاً الحكومة الاسرائيلية بالمشاركة في "طاولة المفاوضات"، ولو تأجلت مفاوضات الحل النهائي، سيخفف الاحتقان الحالي ويدفع في اتجاه بناء الثقة بين الجانبين عبر تنفيذ توصيات اللجنة الدولية لتقصي الحقائق برئاسة السناتور الاميركي السابق جورج ميتشل وخطة عمل مدير وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية "سي آي اي" جورج تينيت.
وانطلاقاً من ذلك، تصير فكرة "غزة اولاً" التي يقترحها وزير الخارجية الاسرائيلي شمعون بيريس اكثر قبولاً لدى الجانب الفلسطيني لانها تندرج في اطار سياسي جديد".
وهذا "المخرج اللائق" يأخذ في الحسبان "التحفظ الواضح" الذي ابداه بوش عن فكرة شيراك عقد مؤتمر دولي، وعليه فإن تنظيم "طاولة مفاوضات" على اساس قرارات الامم المتحدة ومجلس الامن ومكتسبات مؤتمر مدريد قد تكون "الاطار العام" المقبول في هذه المرحلة التي تعارض فيها الادارة الاميركية اي محاولة للضغط الفعلي على اطراف النزاع وخصوصاً حكومة رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون لاسباب ثلاثة: اولاً، ادارة واشنطن الحرب في افغانستان لتدمير تنظيم "القاعدة" بزعامة اسامة بن لادن وحركة "طالبان" راعيته. وابلغ بوش الى عدد من المسؤولين الاوروبيين ان الاولوية في سياسته الحالية هي للحرب في افغانستان ولاستئصال الارهاب وتجفيف مصادره وليس مستعداً اليوم للدفع في اتجاه الحلول الجذرية للنزاع العربي - الاسرائيلي.
ثانياً، ان تحضير بوش المعركة الانتخابية لعدد من اعضاء مجلس الشيوخ يدفعه الى توظيف كل الادوات الحالية التي يمتلكها لتوسيع مدى شعبيته في اوساط الرأي العام الاميركي والحد من تأثير جماعات الضغط المناوئة لتوجهاته.
ثالثاً، ان شارون وحكومته يحظيان بتأييد الشارع الاسرائيلي ولا مجال للتحرك لممارسة ضغط فعلي على رئيس الوزراء الحالي. ولهذا فإن الاتجاه السائد في الادارة الاميركية هو انتظار حسم الاستحقاق الانتخابي داخل تكتل "ليكود" اواخر شباط عندما يخوض شارون معركة حاسمة ضد خصمه اللدود رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو.
هذه الاسباب الثلاثة هي التي ادت في الواقع الى ايجاد صيغة "المخرج اللائق" بدافع من النصائح الاوروبية والعربية والروسية المختلفة في "الوقت الاميركي الضائع". (النهار اللبنانية)