&
في 1956في السويس، انتهى الاستعمار. فرنسا وبريطانيا فهمتا الرسالة في ما خص افريقيا جنوب الصحراء.&1960 و1961 سجّلا استقلال معظم مستعمرات القارة السوداء. لكن باريس أخطأت الفهم في خصوص الجزائر: البلد الكبير والغني الذي صار أيضاً بلد استيطان. أرادت أن تبقي هناك في الجزائر الفرنسية .
عدم الفهم كلّف الكثير. العنف تصاعد وتزايدت بشاعته حفاظاً علي وضع تأكدت استحالته. النتيجة: مئات آلاف القتلي الجزائريين. مئات آلاف الفرنسيين خرجوا وأُخرجوا من الجزائر. احدي ابشع وحشيات الحروب. محاولة انقلابية في فرنسا نفسها. و... استقلال الجزائر في 1926.
أرييل شارون، في رعونته الكولونيالية، لا يقرأ الدرس الفرنسي، ولا البرتغالي في انغولا والموزامبيق حيث تأخر الجلاء الي اواسط السبعينات. لا يلجم العنف شبه الاستئصالي ولا يعطي السياسة فرصتها التي تتجه بها الي هدف مؤكد: دولة فلسطينية.
الراديكاليون الفلسطينيون، في المقابل، يقرأون الدرس قراءة مغلوطة. يظنون ان العنف والشهداء سيفرضون الاستقلال والدولة كما حصل هناك. أو بعد ذاك في فيتنام مع الانسحاب الاميركي.
هذه موديلات لا تعمل هنا. وطبعاً لا يعمل الموديل اللبناني الاسرائيلي الذي يبقي هامشياً وبرانياً في ما خص الدولة العبرية.
الوضع يختلف في التفاصيل. لكنها تفاصيل مهمة: فرنسا بعيدة عن الجزائر. وأميركا عن فيتنام. والبرتغال عن أنغولا. الدولة الاستعمارية او المحتلة يمكنها الانسحاب حين يتحتّم عليها ولا تجد مناصاً، وبعد ذاك ليكن ما يكون بالبلد المستقل البعيد. في فلسطين واسرائيل، لن يؤدي العنف والشهداء هذا الغرض نظراً لقرب البلدين وتداخُلهما. شارون لن ينسحب ما لم يضمن صورةً عن مستقبل العلاقة، كما أن الفلسطينيين لن يوقفوا انتفاضتهم ما لم يضمنوا رغبة اسرائيلية رسمية في دولة فلسطينية.
الصورة ينبغي تظهيرها. الرغبة ينبغي اعلانها. بعد التظهير والاعلان تكون طاولة المفاوضات والتفاصيل. لكن الجسر الي ذلك هو: السياسة. شارون يسد الباب عليها بعنفه التدميري المحض الذي يستدعي العنف المقابل. وللسياسة التي تضع حداً لهذا الدم المجاني، أدواتها وهيئاتها ولغتها.
صحيح انها لا تسلك مع شارون. لكن: من الذي يزيح شارون؟
الأميركان؟ هذا وهم.
ممتاز الاعلان عن الدولة. وايجابي خطاب بوش وذكر كلمة فلسطين والاشارة الي دولتين، علي ما لاحظ باول وسعود الفيصل وعرفات. لكن بات واضحاً الفصل بين الحرب علي الارهاب وبين التسوية. يندرج في هذا الباب ان بوش لن يدفع شارون الي التفاوض، كما قال شيراك للحريري ولـ الحياة . وأنه لن يلتقي عرفات، كما فعل وكما قالت رايس. يندرج، هنا أيضاً، أن بوش هو الآخر لديه شارعه ، كما نُسب الي بلير رداً علي نظرية الاستجابة لـ الشارع العربي . يندرج أن اسرائيل لا تؤمر من أميركا، كما يظن بعضنا، وأن بوش الأب ما كان يمكنه الحاق الأذي باسحق شامير لولا وجود رأي عام اسرائيلي يؤيد ذلك. لولا وجود رابين يومها.
نضيف عناصر ثلاثة أخري غير مشجعة: بوتين اعلن مراراً استعداده تزويد الغرب ما قد يعانيه من نقص نفطي. واشنطن حاضرة اليوم مباشرة في آسيا الوسطي. معركة مزار الشريف، ثم كابول، قللت درجة الاعتماد علي باكستان و الشارع الباكستاني : الأميركان أنشأوا مواقعهم المستقلة انطلاقاً من منطقة بعيدة عن بيشاور.
من يستطيع إذاً أن يغير شارون، وأن يشجّع الأميركان علي تغييره؟
اثنان: أن يستطيع الفلسطينيون النطق والتصرف عبر أداة سياسية واحدة وصوت سياسي واحد. أن يوضع الراديكاليون وعنفهم جانباً. ثم: الرأي العام الاسرائيلي الذي يستقبل هذا المستجد ويتفاعل ايجاباً معه. هذا ما قد نحبه أو نكرهه، لكنه ما لا بد منه. ذات يوم كان هذا الرأي العام معنا ثم جنّ ووقف مع الهستيريا الشارونية. يمكننا ان نردّه الي عقله اذا رجعنا الي عقلنا.(الحياة اللندنية)