القاهرة- نبيل شرف الدين: في تشرين الاول (أكتوبر) الماضي، كان قد مر عقدان من الزمن على تولي الرئيس المصري حسني مبارك مقاليد السلطة في مصر‏، وقد شهدت مصر خلال هذه الفترة كثيراَ من الأحداث الجسام التي ساعدت علي إبراز ملامح نمط الحكم والقيادة خلال هذه الفترة‏، لكن تظل أكثر القضايا حساسية في هذا المضمار هي قضية تعيين نائب للرئيس المصري، فالمعروف أن منصب نائب الرئيس في مصر ظل شاغراً لأكثر من عشرين سنة، وتحديداً منذ تولي مبارك الحكم عام 1981، ورغم الأحداث الدولية المتلاحقة هذه الأيام، وانشغال الشارع المصري، كما هو الحال عربياً وإسلامياً ودولياً بما يجري في أفغانستان، وملاحقة أسامة بن لادن، وسقوط طالبان.. وتفجيرات أميركا، والجمرة الخبيثة، غير أن قضية تعيين نائب الرئيس، عادت لتفرض نفسها بقوة في الشارع المصري، خاصة مع مؤشرات بدت على صعيد الواقع السياسي، عبرت عنها تصريحات رسمية للرئيس نفسه وأحد أبرز معاونيه، على النحو الذي سنأتي عليه بالتفصيل لاحقاً في هذا التقرير.
المسكوت عنه
ولعله من نافلة القول أن هذه المسألة ظلت من كبريات القضايا المسكوت عنها، ولم تتطرق لها من قريب أو بعيد الصحف أو وسائل الإعلام المصرية، حتى بدت في الأفق إشارات من مراكز صنع القرار ذاتها، ومنها على سبيل المثال تصريحات مبارك لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية مؤخراً انه يعتزم اختيار نائب لرئيس الجمهورية الباب امام الكثير من التكهنات رغم ان الرئيس مبارك لم يلمح الى اي شخص او يحدد موعداً للتعيين.
ثم أتت تصريحات أخرى لأسامه الباز، مستشار الرئيس للشؤون السياسية مؤخراً، والتي أكد فيها وجود قائمة تضم 20 شخصاً يدرسها مبارك، لاختيار نائب له من بين أشخاصها، لتؤكد أن هذه القضية لن تظل إلى الأبد في دائرة "المسكوت عنه"، وتعيد طرح تساؤلات كثيرة حول هوية نائب الرئيس، وتثير دلاً حول مقومات اختياره، وامكانياته وتاريخه السياسي، والسؤال الأهم عما إذا سيكون هذا النائب عسكرياً أم مدنياً وتوقيت إعلان اسمه.
وتشير معلومات متداولة في الأوساط السياسية المصرية، أن هناك نية لدى القيادة السياسية المصرية في تعيين نائب للرئيس خلال الشهور القادمة، وأن هذه المسألة سوف تتزامن مع قرارات مهمة سيصدرها مبارك تتعلق بالإصلاح السياسي، على صعيد قانون الانتخابات وتفعيل المشاركة الديمقراطية من جانب الجماهير في دوائر صنع القرار، وأن هناك عدة بدائل يتم تدارسها حاليا بشأن الإصلاح السياسي حيث يتعلق بعضها بالأحزاب السياسية وبعضها بنظام الاداء الحزبي في الانتخابات وآخر يتعلق بدور مجلس الشورى، ورابع يتعلق بطبيعة دور المؤسسات الدستورية الأخرى في مصر.
وأشار مصدر سياسي إلى أن هناك تقارير هامة تتم دارستها الآن في مراكز عليا حاليا حول تفعيل أداء الأحزاب السياسية ووصولها إلى القاعدة العريضة من الجماهير، حيث من المنتظر أن تنتهي تلك التقارير إلى توصيات محددة سوف يتم رفعها إلى القيادة السياسية تتضمن رصدا للمعوقات التي تعوق نشاط وفاعلية هذه الأحزاب السياسية التي تعاني عجزاً واضحاً.
وحسب المصدر ذاته فمن المنتظر في ضوء ذلك أن يتم تعديل قانون الأحزاب السياسية، ذلك في الوقت الذي تطالب فيه جهات استشارية بتعديل كافة القوانين المعبرة عن الإصلاح السياسي دفعة واحدة،بحيث تشمل قانون الأحزاب السياسية وقانون الصحافة، وما يتعلق بدور مجلس الشورى، وهو ما عبر عنه مبارك بلغة لا تخلو من دلالات، في خطابه الأخير أثناء افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة لمجلس الشعب المصري (البرلمان) الأسبوع الماضي.
الموقف الدستوري
ووفقاً للدستور المصري، فإنه يجوز لرئيس الجمهورية ان يعين نائباً له او أكثر، ومنحه الدستور أيضاً سلطة تحديد اختصاصهم، وإعفائهم من مناصبهم، كما قد يكون هذا المنصب شرفياً طوال بقاء النائب فيه، مالم يكلفه الرئيس بمهام او اختصاصات محددة، وفي المقابل فإن الدستور لم يلزم الرئيس بضرورة تعيين نائب له، وهكذا فان بقاء هذا المنصب خالياً على مدار عشرين سنة مضت ليس فيه ما يخالف نصوص الدستور، لكن السؤال عن اعتزام مبارك على تعيين نائب له مازال مطروحاً بشكل ملح سواء في الأوساط السياسية، أو الشعبية، أو بين المثقفين والنخب المصرية.
ويكاد أن يتفق معظم المثقفين في مصر على أن اختيار نائب رئيس الجمهورية من الاتجاه العسكري او المدنيين المشتغلين بالعمل السياسي، لن يغير كثيراً في الأمر، فالمعيار الأهم يكمن في مدى ديمقراطية هذا الاختيار وهل يقتصر اختيار الرجل الذي قد يحكم مصر مستقبلاً على رأي واحد؟ وتستبعد الاوساط الحزبية، أي أن يقتصر اختيار نائب الرئيس المقبل من بين العسكريين ابناء ثورة يوليو والتي انحدر منها كل حكام مصر على مدار الخمسين سنة الماضية، أم أنه سيتجاوز ذلك الاتجاه السائد منذ ثورة يوليو 1952، لتطرح أسماء ساسة غير محسوبين على الثورة ولا العسكريين، كالسياسيين المنحدرين من أصول وفدية أو يسارية مثلاً، لكن المؤكد أن الاتجاه الإسلامي هو مستبعد تماماً، ولا يبدو أن هناك من يمكنه القبول أو المطالبة بذلك، خاصة وأن حملة أمنية وقضائية شرسة تلاحق الجماعة الإسلامية الوحيدة المؤهلة لدور سياسي، وهي "الإخوان المسلمين" منذ سنوات، تضاعفت حدتها خلال الشهور الأخيرة، دون أي اعتراض شعبي يذكر.
لكن يبقى السؤال الأكثر صعوبة هو حول شخصية هذا النائب المرتقب.. وهل سيكون من خلفية عسكرية، أو يكون من السياسيين، أم سيكون وجهاً جديداً؟ وهل يكون شاباً سياسياً ام عجوزاً من المخضرمين في أروقة السياسة المصرية الخارجية او الداخلية، أم قد يكون مفاجأة كما كان اختيار السادات لمبارك نفسه مفاجأة لكل الأوساط السياسية والدولية في وقتها
أبرز المرشحين
ومن بين أبرز الأسماء التي طرحها الرأي العام المصري بمختلف اتجاهاته سواء في الصحف، أو المنتديات الخاصة، أو حتى عبر شبكة الإنترنت انحصرت فيما يخص المدنيين في عمرو موسى حينما كان وزيراً للخارجية، أي قبل ان يصبح الامين العام للجامعة العربية، واحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب واسامة الباز المستشار السياسي لرئيس الجمهورية وطبعاً لاسباب (ليست بريئة) يرشح البعض جمال مبارك نجل الرئيس، ليكون هو النائب الأولى بالدور السياسي المرتقب، غير أن الرئيس مبارك نفسه قطع الطريق على هؤلاء، ورد في أكثر من مناسبة بأن هذا لن يحدث، وأنه ليس هناك داع للمقارنة بين ظروف سوريا ومصر، فلكل دولة ظروفها الخاصة بها، والتي تحكم مثل هذه الخيارات السياسية.
أما العسكريون فجاء على رأسهم اللواء عمر سليمان رئيس جهاز المخابرات في مقدمة الترشيحات لتولي منصب وزير الخارجية، خاصة وأنه يرافق الرئيس في كل جولاته واجتماعاته، كما كلفه الرئيس بالعديد من المهام السرية كما يضطلع عمر سليمان بمهام متعددة بحكم موقعه رفيع المستوي في الدولة وباعتباره أحد أقرب رجال الرئيس لكن وكما هو معروف اختار الرئيس مبارك السيد أحمد ماهر وزيرا للخارجية، كما جاء أيضاً اسم عمر سليمان ضمن الأسماء التي رشحت عندما أعلن الرئيس مبارك خلال زيارته لأسبانيا في أبريل الماضي عن اعتزامه اختيار نائب له، ثم يأتي اسم المشير حسين طنطاوي وزير الدفاع، لكن هذا الأخير لا يبدو أن رصيده السياسي يرشحه بقدر كاف لهذا المنصب، فضلاً عن أن الرجل عرف عنه عزوفه عن أي دور سياسي أكبر من وضعه الراهن، كوزير للدفاع يتسم بالصرامة، والاحتراف العسكري فحسب.
وقابل هذه الأسماء السابقة، فقد طرحت أسماء أخرى كثيرة كوزير التموين السابق الدكتور احمد جويلي والدكتور كمال الجنزوري رئيس الوزراء السابق والدكتور مصطفى الفقي السفير بالخارجية والمشير ابو غزالة وزير الدفاع الاسبق، واللواء احمد رشدي وزير الداخلية الأسبق، وحتى اللواء عبد السلام المحجوب محافظ الاسكندرية الحالي.
وهناك أخيراً ترشيحات يمكن تصنيفها من الدرجة الأخيرة في التراتبية، ولا تجد ما يبررها على صعيد الواقع كثيراً، مثل ترشيح أسماء الدكتور مصطفي كامل محافظ بورسعيد لهذا المنصب، كرجل مدني له جهود ميدانية كبيرة في إعادة بناء المحافظة وأجهزتها كما تضم القائمة المشير عبد الغني الجمسي رئيس العمليات في حرب أكتوبر 1973 وخالد محيي الدين رئيس حزب التجمع، ويكاد يتفق المراقبون على استبعاد كل هذه الأسماء تماماً.
استطلاع للرأي
وفي استطلاع للرأي نشر مؤخراً في القاهرة، تباينت آراء الكتاب والمفكرين حول شخصية نائب الرئيس، فأشار الكاتب الصحفي صلاح عيسي إلي معارضته لتعيين نائب للرئيس، وضرورة ان يتم تحويل مصر إلى دولة برلمانية بعد انتهاء حكم الرئيس مبارك، بدلاً من النظام الرئاسي الحالي وحتى يختار الشعب الرئيس ونائبه بشكل ديمقراطي.
بينما نفي د. محمد السيد سعيد نائب مدير مركز الدراسات السياسية بمؤسسة الأهرام، وجود أية شخصية بارزة يمكن ترشيحها لهذا المنصب مرجعاً ذلك لحالة الركود التي تعيشها الحياة السياسية والحزبية في مصر.
في حين نفي الدكتور عبد المنعم سعيد مدير مركز الدراسات السياسية بالاهرام ان يكون جمال مبارك نجل الرئيس مرشحاً لتولي هذا المنصب، بينما لم يرشح أسماء بعينها.
وفضل الكاتب الصحفي سلامة أحمد سلامة، أن يكون نائب الرئيس في سن الأربعين، حتى يتسنى له الاستفادة من خبرة الرئيس، وإن كان لا يجد أحداً يمكن اختياره وفقا لذلك، على حد تعبيره.
ورشح د. عبدالمجيد فراج أستاذ العلوم السياسية عمرو موسي لتولي هذا المنصب باعتباره شخصية تتمتع بجماهيرية عالية فضلاً عن وطنيته.
وحدد المستشار مأمون الهضيبي المتحدث الرسمي باسم جماعة الأخوان المسلمين مواصفات نائب الرئيس بأن يكون متمتعاً بكفاءة إدارية عالية وإلمام بالنواحي السياسية والاقتصادية.
كما طالب الكاتب أسامة أنور عكاشة ان يكون نائب الرئيس سفيراً أو قاضياً أو مفكراً، بينما رأى رفعت السعيد الأمين العام لحزب التجمع ضرورة اختيار الرئيس ونائبه وفقاً لعملية انتخابية حرة، وليس بالتعيين حتى لا يكون شخصا مفروضاً على الناس، كما اشار الي صعوبة التكهن باختيارات الرئيس مبارك والتي تأتي علي عكس كل التوقعات كما حدث في اختياره لعاطف عبيد كرئيس للوزراء وأحمد ماهر كوزير للخارجية وفي حين تمني حسب الله الكفراوي وزير الاسكان السابق ان يكون خالد محيي الدين نائباً للرئيس ومحدداً شرط الطهارة وطهارة الذمة كعامل أساسي لاختيار شخصية النائب.
ويبقى في الختام التأكيد على حقيقة مؤداها، أن التكهنات مع مبارك لم تكن عملية سهلة، إذ كثيراً ما خابت لعبة التوقعات في قضايا أبسط كثيراً من هذه المسألة، التي بدت أنها أكثر إلحاحاً في هذا الوقت كما لم تكن من قبل.