&
&
&
&
كتب حلمي موسى : على الرغم من انشغال الاسرائيليين بالوضع الأمني الناجم عن الانتفاضة الفلسطينية حذر اقتصاديون من <<كارثة>> وشيكة. وفيما تهدد النقابات بالاضراب العام، وتنهمك نقابات أخرى في صراع متصاعد مع وزارة المالية الاسرائيلية، أعلن مكتب الاحصاء المركزي عن تراجع النمو الاقتصادي بنسبة كبيرة وتراجع الصادرات وتزايد البطالة. وقد دفع هذا الوضع الصحف الاسرائيلية الى إحلال الخبر الاقتصادي في المكان الأول في صدر صفحاتها.
وعنونت <<يديعوت أحرونوت>> صفحتها الأولى ب <<التباطؤ الاقتصادي يتفاقم>>. أما <<معاريف>> فكان عنوانها الرئيس: <<تراجع اقتصادي حاد ووزارة المالية تعلن: وضع طوارئ>>. وكان عنوان صحيفة <<هآرتس>>: <<الاقتصاد يتدهور. تراجع آخر في الناتج القومي العام>>. واختارت صحيفة <<هتسوفيه>> الدينية القومية عنوانا يتحدث عن <<مصاعب في إبرام <<صفقة رزمة>> في الاقتصاد>>.
وأظهرت معطيات مكتب الاحصاء المركزي أن الناتج العام في الشهور الثلاثة الأخيرة سجل تراجعا بنسبة 8،2%. وقد تدهور القطاع التجاري في الفترة نفسها بنسبة 5%. وأشار التقرير الصادر عن المكتب الى أن الاستثمارات في قطاع العقارات تراجعت بنسبة 5،14% في الوقت الذي ازدادت فيه نفقات الحكومة بنسبة 8%. وقد دفع هذا الوضع الى انخفاض معدل الانتاج العام بالنسبة للفرد بحوالى 1،5%.
وهذه هي المرة الثانية التي يعلن فيها مكتب الاحصاء المركزي في تقريره الفصلي عن تحقيق نمو سلبي في الاقتصاد الاسرائيلي. فقد أشار التقرير الفصلي السابق الى نمو سلبي بنسبة 1%، الأمر الذي يعني أن التباطؤ الاقتصادي في اسرائيل يتفاقم وبنسبة كبيرة. ومن تحليل معطيات مكتب الاحصاء المركزي الاسرائيلي، فإنه في الشهور التسعة الأخيرة حقق الانتاج الاسرائيلي نموا سلبيا بحوالى 2% مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي. وبرر معلق اقتصادي في صحيفة <<هآرتس>> هذا التراجع بالانخفاض الحاد في عائدات السياحة (التي تراجعت بنسبة 1،51%) والاستثمار العقاري (6،17%).
ويشير المعلقون الاقتصاديون الى أن نسبة التراجع هذه هي الأولى من نوعها منذ عام 1953، وهي آخر سنوات التقشف الاسرائيلية. ويزداد ذهول الاسرائيليين من هذا الواقع عند مقارنة الوضع تحديدا بالشهور التسعة الموازية في العام الفائت وكانت تلك الفترة التي سبقت نشوب الانتفاضة من أفضل فترات ازدهار الاقتصاد الاسرائيلي. ولكن ومع نشوب انتفاضة الاقصى بدأ التراجع الحقيقي الذي، كما يبدو، لم تنجح سياسات حكومة باراك أو شارون في التكيف معه. وما يزيد المصاعب في نظر الاقتصاديين الاسرائيليين ازدياد حجم الاستهلاك الفردي والحكومي في اسرائيل، الأمر الذي يزيد، لا محالة، من حجم العجز في ميزان المدفوعات، ويدفع بالتالي الى انخفاض قيمة العملة الاسرائيلية والى ازدياد البطالة.
واعترف وزير المالية الاسرائيلية، سيلفان شالوم بالوضع المتدهور للاقتصاد الاسرائيلي. وأبلغ صحيفة <<معاريف>>: <<إننا نعيش في وضع طوارئ اقتصادي يزداد تفاقما>>. وبرر نشوء هذا الوضع باجتماع <<الأحداث الأمنية، مع العمليات الارهابية وازمة التكنولوجيا العالية والناسداك والتباطؤ الاقتصادي الشديد في الولايات المتحدة وأوروبا>>. ووصف اجتماع هذه العوامل بأنها <<اجتماع قاتل يسبب التباطؤ الأطول مدة في تاريخ الدولة>>.
وقال شالوم: <<إن الناس لم يستوعبوا بعد خطورة الوضع الاقتصادي. وكل فرد يعتقد أن الأمر لن يمسّه. صحيح أنه ليس هناك الآن تضخم مالي كبير، كما أن سوق الأوراق المالية مستقر. ولكن الناس وأعضاء الكنيست يظنون أن <<الأمور كالمعتاد>> ولم يستوعبوا بعد أننا في وضع طوارئ. ليست لدينا أموال لدفع زيادات أجور في وضع كهذا حتى لو استمرّت الاضرابات أسابيع متواصلة>>.
ويتوقع الخبراء الاقتصاديون زيادة تدهور الاقتصاد الاسرائيلي في العام المقبل. وحسب صحيفة <<يديعوت أحرونوت>> فإنه من المتوقع أن يبلغ عدد العاطلين عن العمل حوالى ربع مليون شخص، وان يسجل الاقتصاد نموا سلبيا بنسبة 2% وان تختفي جميع الاستثمارات الأجنبية وينهار تماما القطاع السياحي فيما تضطر الشركات العقارية الى إشهار إفلاسها.
ويتحدثون الآن في اسرائيل عن إبرام <<صفقة رزمة>> بين العمال وأصحاب رؤوس الأموال ووزارة المالية. ولكن جميع المعلقين يشيرون الى صعوبة تحقيق أي اتفاق، على الأقل في الوضع الراهن. وهذا يعني استمرار مسلسل الاضرابات الذي تقوم به نقابات عمالية وأكاديمية. وتقضي <<صفقة الرزمة>> التي يجري الحديث عنها بتجميد الأمور طوال العام المقبل، وزيادة الاستثمارات في البنى التحتية وتخفيض الفائدة المصرفية بنسبة كبيرة وتعهد أصحاب رؤوس الأموال بعدم صرف العمال بقدر المستطاع.
وفي كل حال حذّر أحد كبار الصناعيين الاسرائيليين في مقابلة مع صحيفة <<يديعوت أحرونوت>> من أنه <<إذا لم تتخذ إجراءات طارئة فورية، فإن كارثة يمكن أن تحدث هنا>>. ومن الواضح أن اسرائيل التي تعيش حالة طوارئ أمنية منذ بدء الانتفاضة، تجد نفسها اليوم أمام استحقاق جديد وهو إعلان حالة طوارئ اقتصادية.(السفير اللبنانية)
&