&
لم يفهم أحد لماذا حرص أكثر من مسؤول اميركي علي القول ان بلاده تمنت أو كانت تتمني ألا تدخل قوات التحالف الشمالي الي كابول. ولا يعني ذلك أن المعارضة الأفغانية تمردت علي الارادة الأميركية، بل بالعكس هي دخلت العاصمة برغبة وضوء أخضر أميركيين. فإذا كانت الخطة هي سيطرة المعارضة علي كل افغانستان، فإن وجودها في كابول وقندهار هو عنوان الانتصار ومغزي رمزيته.
كان هناك نظام تديره طالبان ، وهذا النظام لم يعد موجوداً. وبذلك تحقق أحد أهداف الحرب بمعاقبة نظام يؤوي تنظيماً ارهابياً هو القاعدة تتهمه الولايات المتحدة بارتكاب اعتداءات 11 أيلول (سبتمبر) وهجمات أخري قبلها أبرزها تفجير السفارتين في نيروبي ودار السلام والمدمرة كول في عدن.
المنطق العسكري هو الذي غلب، ولم يكن ذلك مستغرباً، فهذه حرب استخدمت فيها الولايات المتحدة كل سلاح ومن دون النظر الي الروادع القانونية الدولية. الحلفاء أبدوا قلقهم، الأمم المتحدة كذلك، من الافراط في رمي القنابل الانشطارية التي زرعت افغانستان بألغام كامنة ستستمر في القتل لسنوات طويلة مقبلة، مع ان الاعلاميين الناجحين في الادارة الأميركية وضعوا مبدأ رئيسياً لهذه الحرب، وهو انها ضد الارهاب وليست ضد افغانستان .
استمع المسؤولون الاميركيون، ولا سيما كولن باول ودونالد رامسفيلد، لشروح كثيرة من جيران افغانستان عن التركيبة السكانية، وأدركوا ان هناك ما يستحق النظر وما يستوجب عدم التلاعب به. وكان الأميركيون بادروا أيضاً الي استمزاج الملك السابق ظاهر شاه، وهو ألح علي وجوب تجنب دخول كابول. ومع ذلك فضل الأميركيون أن يستهلكوا الانتصار علي أن يحترموا وجهات نظر لها علاقة بمستقبل الحكم في افغانستان، اكثر مما هي تمنيات لأطراف تهتم بمصالحها في اطار مراعاتها المصالح الأميركية.
لم يكن تأجيل التفاوض بين الفئات الافغانية الي ما بعد الحرب خطوة عملية حكيمة. وليس صحيحاً ان مسار الحرب كان غامضاً، بل كان معروفاً ان القوة النارية الاميركية ستحسم في الوقت الذي تحدده، ولو بدأت قوات تحالف الشمال هجماتها قبل اسبوعين لكانت لاقت مقاومة أكبر من طالبان إلا أن هذه ما كانت لتستطيع الحفاظ علي مواقعها مع تواصل المعارك. لكن القصف الأميركي الكثيف سهّل مهمة التحالف وفتح له الطريق الي كابول.
كل ما في الأمر ان واشنطن تعمدت إهمال التحضير السياسي لمرحلة ما بعد طالبان ، في تصرف يشبه كثيراً ما فعلته في حروب سابقة، خصوصاً حربها ضد السوفيات. فهي لا تبدو مهتمة بما يمكن أن يحدث في افغانستان بعد اليوم، سواء تحول الوضع تدريجاً الي حرب أهلية، أو أدي الي تقسيم البلد، أو أتاح لـ حرب عصابات تخوضها طالبان ان تسمم اجواء البلد. كل ما يهم الاميركيين حالياً هو أن يتابعوا مطاردتهم لاسامة بن لادن وجماعته.
معروف ان هناك اعتماداً علي الأمم المتحدة لترتيب الوضع في افغانستان. ولكن يخشي أن يكون التفويض الأميركي للمنظمة الدولية مماثلاً لتفويضات سابقة، أي تبقي منقوصة ومقيدة، أو لا تعطي فعلاً عناصر النجاح والفاعلية. السوابق المعروفة لا تبدو مشجعة، ومن المؤشرات السلبية ان الولايات المتحدة أعطت خلال اسابيع نموذجاً مريباً في تعاملها مع باكستان التي سيكون عليها ان تواجه كل التداعيات السلبية لسقوط نظام طالبان بعدما كانت دعمته بتفاهم مع الولايات المتحدة ذاتها.
لا يزال متاحاً، في الأيام المقبلة، ان تثبت واشنطن جديتها في مساعدة افغانستان علي استعادة ذاتها دولة وشعباً، وايضاً في تمكين باكستان من تجنب صراعات داخلية يمكن أن تكون لها انعكاسات اقليمية. ومن أجل ذلك لا بد من توفر إرادة سياسية غير تخريبية لدي المخططين الأميركيين.(الحياة اللندنية)