ولد جاك شاهين في بنسلفانيا لابوين مسيحيين هاجرا من لبنان, لم يلتق ابدا باي مسلمين عرب حتى بلغ الاربعين من عمره، عندما فاز في السبعينات بمنحة من مؤسسة فولبرايت الاميركية للتدريس في بيروت، التي كانت الحرب تمزقها انذاك.
وادرك على الفور انه لا يعرف شيئا في الواقع عن المنطقة التي ينتمي اليها اسلافه, فالقليل الذي شاهده عن العالم العربي، من خلال التلفزيون وفي الافلام، لا علاقة له بخبرته المباشرة في لبنان والاردن والسعودية.
وامضى شاهين العقدين التاليين في محاولة اكتشاف السبب وراء الاختلاف، بين صورة العالم العربي في الولايات المتحدة وبين واقعه.
ونشر الاستاذ، الذي تقاعد اخيرا، بيانا مفهرسا بالصور النمطية السلبية للعرب رجالا ونساء واطفالا التي استخدمتها صناعة السينما الاميركية في كل فيلم تقريبا تضمن شخصية عربية على مدى القرن الماضي, وجمعها في كتاب بعنوان "العرب الاشرار في السينما,,,, كيف تشوه هوليوود شعبا".
ويخلص شاهين في نهاية كتابه الى ان "العرب يبدون مختلفين وخطرين عند النظر اليهم من خلال عدسات هوليوود المشوهة", وقال: "اتهم صناع الافلام في شكل جماعي منذ عام 1896 والى اليوم، العرب كلهم بانهم عدو الجمهور الاول,,, فهم متوحشون بلا قلب وغير متحضرين ومتعصبون دينيا ومهووسون بالمال ومختلفون ثقافيا يميلون لترويع ابناء الغرب المتحضرين المسيحيين منهم واليهود على وجه الخصوص".
واضاف انه تم ايضا الربط في شكل منتظم بين الاسلام وبين سيطرة الرجل على المرأة والجهاد واعمال الارهاب, وقال: "ان تكون عربيا يعني ان تكون مسلما، ويعني ان تكون ارهابيا, تلك هي الصورة السائدة عن الاسلام".
وتردد شاهين كثيرا على محلات الفيديو وتجول في محطات التلفزيون وبحث من خلال الكمبيوتر، مستخدما كلمات مثل "بدو" و"صحراء" و"شيخ" في تتبعه لاكثر من 900 فيلم يعود تاريخها الى الافلام الصامتة في اوائل القرن العشرين.
وزار مراكز ابحاث في انحاء الولايات المتحدة لمشاهدة الافلام غير المتاحة على اشرطة الفيديو، واستعرض كتبا مفهرسة للافلام والفيديو ونشر اعلانات في مجلات الافلام يطلب فيها افلاما يصعب العثور عليها.
كما اشترى افلاما باهتة من معارض بيع الاشياء المستعملة, ومن بين جميع الافلام التي درسها شاهين منذ عام 1980 لم يضع سوى 12 فيلما منها في قائمته لـ "افضل" الافلام التي تتضمن صورا ايجابية للعرب ومن بينها فيلم "روبن هود,,, امير اللصوص" انتاج عام 1990 وفيلم "المحارب الثالث عشر" انتاج عام 1999.
وعمل شاهين مع المنتجين في فيلم اخر من انتاج عام 1999 هو فيلم "ثلاثة ملوك" جعله الافضل على قائمته, ويحكي الفيلم قصة اربعة جنود خارجين على الجيش الاميركي بدأوا بعد حرب الخليج في عام 1991 رحلة لاسترجاع كنز كويتي من الذهب سرقه صدام حسين.
وقال ان شركة "وارنر برازرز" المنتجة للفيلم، عينته مستشارا بعدما احتجت جماعات عربية اميركية ومنظمات اسلامية، على فيلم "قرار تنفيذي" الذي انتجته الشركة عام 1996، قائلة ان الفيلم صور الاسلام في شكل غير نزيه، باعتباره مرادفا للارهاب.
ونشر كتاب "العرب الاشرار في السينما" في الصيف الماضي من خلال انترلينك للنشر، وهي دار نشر صغيرة مستقلة ليظهر في الاسواق قبل هجمات 11 سبتمبر مباشرة.
وحملت الولايات المتحدة، اسامة بن لادن وشبكة "القاعدة" التي يتزعمها مسؤولية الهجمات وشنت غارات جوية ضد افغانستان حيث يعيش بن لادن.
وقال شاهين، ان مئات جرائم الكراهية التي ارتكبت ضد الاميركيين العرب والمسلمين في الولايات المتحدة بعد الهجمات اكدت اهمية محاربة الصور النمطية, واضاف ان من الضروري التركيز على "الجماعة الطائشة" المسؤولة عن الهجمات وعدم استهداف اشخاص فقط بسبب اصولهم القومية او العرقية او ديانتهم.
واضاف: "ان هدف الكتاب هو ان يشرح في الواقع انه عندما تشوه شعبا فان رجالا ونساء واطفالا ابرياء يعانون, وان التاريخ علمنا ولا يزال يعلمنا هذا الدرس".
واعلن انه لا شك في ان تشويه النازيين لليهود من خلال الافلام ووسائل الدعاية الاخرى، جعل المحرقة ممكنة، وان الصور الاعلامية المتكررة للاميركيين اليابانيين بانهم اجانب، افسحت الطريق لدفن نحو مئة الف اميركي ياباني اثناء الحرب العالمية الثانية.
وقال: "عندما ننظر الى تشويه المسلمين العرب، فان ذلك يجعل كراهيتهم وقتلهم اسهل كثيرا", واضاف: "لا يجب ان ننخرط في تشويه شعب بسبب اعمال اقلية ضئيلة", وقال ديفيد ماك من معهد الشرق الاوسط، وهو مركز ابحاث مقره واشنطن، ان كتاب شاهين مخيف، لان الافلام والتلفزيون يشكلان الرأي العام الاميركي, واضاف ماك: "على كل مخرج ومنتج جاد مسؤولية ان يقرأ كتابه (شاهين) وان يحفظ بعضا من هذه الدروس عن ظهر قلب".
وقال شاهين، ان مئات الافلام التي ترجع الى عام 1914 تصور العرب وكأنهم "شرا خالصا" مشيرا الى فيلم "قواعد الارتباط" الذي انتجته "شركة باراماونت" عام 2000 باعتباره فيلما "يعزز الصور النمطية التي الحقت ضررا تاريخيا ويشجع على تصوير العرب في شكل عام وخطر بانهم معادون متطرفون في شدة للاميركيين".
ويبدأ الفيلم بمشاهد تعرض لاطفال ونساء عرب يرتدين البرقع، وهم يطلقون النار على السفارة الاميركية في العاصمة اليمنية صنعاء, وضابط في الجيش الاميركي يعطي اوامره باطلاق النار على المدنيين.
ويكتب شاهين ان ذلك الفيلم و13 فيلما اخر تعرض اميركيين يقتلون عربا, والتزمت هوليوود الصمت بخصوص الموضوع كله.
وقال ريتش تيلور الناطق باسم الاتحاد الاميركي للصور المتحركة لـ "رويترز" انه لم ير كتاب شاهين ولا يستطيع التعليق على الاستناجات التي توصل اليها.
ويقول شاهين ان جانبا من المشكلة، هو ان الاستوديوهات الكبرى التي تعرضت لضغوط على مدى السنين لتتوقف عن تقديم صور سلبية للمرأة والسود والاقليات الاخرى، واجهت انتقادات قليلة لتقديمها صورا سلبية للعرب.
واتفق في ذلك ريتشارد شيكل الناقد السينمائي في مجلة "تايم", وقال شيكل: "تحولت (هوليوود) الى العرب ليلعبوا دور الشرير في الافلام بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة في شكل خاص", واضاف "في البداية لم يكن للعرب منظمات مماثلة لعصبة مناهضة التشهير لكي تثور وتحتج عندما تقدم هذه الصور النمطية".
ويقول شاهين ان هوليوود لم تستثن ايضا العرب الاميركيين, وتابع: "هناك اقل من 20 فيلما انتجت يظهر فيها اميركيون من اصل عربي او يمكن التعرف عليهم,,, وتعرض لنا معظم هذه الصور نسخا بالكربون للصورة النمطية للمسلمين العرب"، مشيرا الى ان 75 في المئة من الاميركيين ذوي الاصول العربية، هم مسيحيون في الواقع.
وشب شاهين في كليرتون، وهي بلدة بها مصانع للصلب خارج مدينة بيتسبرغ, وشق طريقه الى الجامعة من المصانع مع اشخاص ينتمون لكل الالوان والديانات, وقام شاهين لسنوات كثيرة بتدريس وسائل الاتصال الجماهيري في جامعة الينوي الجنوبية، قبل ان يحال على التقاعد في كارولينا الجنوبية قبل سبع سنوات, ويحاضر الان عن سبل التغلب على التحيز والصور النمطية, كما يشجع الاميركيين العرب على الدخول الى عالم الصحافة والى المهن الاخرى ذات التوجه الاعلامي.
واستخدم واحدا من كتبه الاولى وهو بعنوان "عرب التلفزيون" في المحاضرات عن العنصرية والتحيز في كثير من الجامعات الاميركية.
وسيركز احدث مشروعاته على الشخصيات الاميركية العربية في الافلام والتلفزيون او غيابها.
ووصفت هيلين توماس المراسلة المخضرمة في البيت الابيض، وهي ايضا من اصول عربية، شاهين بانه "عصبة لمناهضة التشهير مكونة من رجل واحد كشف عن تحقير هوليوود للعرب في معظم ان لم يكن في كل افلامها".(الرأي العام الكويتية)