القاهرة- ضحى خالد: كما يحدث في الأفلام المصرية، كانت فاتورة التليفون هي الخيط الأول الذي قاد الزوج إلى الشك في سلوك زوجته.. ففي يوليو الماضي عندما ذهب الزوج الطبيب لدفع فاتورة الهاتف، فوجئ بأنه مطالب بدفع 4500 جنيها قيمة مكالمات زائدة.. أذهله الرقم، خاصة وأن ظروف عمله ومنزله لا تسمح بمكالمات زائدة على الإطلاق.
ومنذ ان عرف التليفون طريقه إلي منزل الزوج الطبيب، لم يعرف هاتفه طريق المكالمات الزائدة، فظروف عمله بالمستشفي الحكومي الذي يعمل به منذ الصباح وحتي الثالثة بعد الظهر والتي يعود بعدها إلي منزله ليحصل علي قسط من الراحة قبل ان يتوجه إلي العيادة الخاصة التي يعمل بها بداية من ساعة الغروب وحتي قبيل منتصف الليل تقريباً ليعود إلي منزله وقد أخذه الارهاق يحول بينه وبين الاحاديث التليفونية حيث يكون كل مبتغاه هو الراحة والاستغراق في النوم فلا حديث أو حتى ردا على التليفون الا لضرورة أو امر عاجل.
اما الزوجة العربية، فقد كان زواجها من الطبيب منذ سنوات سبع انجبت خلالها طفلين أكبرهما في الخامسة من عمره، والآخر في الرابعة، ولم يكن لها صداقات نسائية مصرية تتبرر استخدام الهاتف بهذا الشكل المكثف، وكل محادثات الزوجة الهاتفية تنحصر في الأم وثلاثة أشقاء وخال وهم كل أهلها الذين يقيمون في مصر والمحادثات الهاتفية بينها وبينهم قاصرة علي أحوال الضرورة فكل من أهلها مشغول بعمله مرتبط بمصالحه ولا مجال للحديث إلا في حالات الضرورة القصوى.
سؤال الزوجة
عاد الزوج يسأل زوجته ويستفسرها عن تلك الاسباب التي أدت إلي المكالمات الزائدة فانكرت الزوجة استخدامها للتليفون إلا في حالات الضرورة الملحة وحتي يطمئن قلب الزوج فقد نصحته وطالبته بوضع قفل علي التليفون.
في تلك الليلة لم يغمض للزوج جفن وظل طوال ساعات الليل أرقا مسهدا تنتابه الوساوس وتطارده الشكوك وتقلب علي جنبيه ذات اليمين وذات اليسار لكنه كان يخفي قلقه وسهده ويخفي شكوكه وهواجسه عن زوجته التي تشاركه فراشه حتي اذا ما انبلج الصباح اغتسل وارتدي ثيابه وانطلق خارجاً إلي محال بيع اجهزة التسجيلات الخاصة بالتليفونات والتي تسجل الاحاديث في غفلة من طرفي الحديث.
وتمكن الزوج عندما غابت زوجته عن المنزل من تركيب جهاز التسجيل. ومضت ايام قبل ان يجد الزوج الفرصة لسماع شريط التسجيل عندما توجهت الزوجة في زيارة لاسرتها.
الموقف الصعب
كان موقفاً صعباً عندما جلس الزوج يستمع إلي شريط التسجيل الذي كان يسجل احاديث زوجته وقبل ان يستمع الزوج إلي شريط التسجيل كان الخوف قد تسلل إلي داخله وشعر بأحاسيس التشاؤم فضغط علي قلبه فكل ما يخشاه ان تؤدي احاديث الشريط إلي انهيار المعبد علي اصحابه. وكان كل خوفه ان يضيع طفلاه ويصبحا ضحية لمأساة تقصف بكل شئ وتطيح بأفراد الاسرة إلي عالم مجهول حالك الظلمة.
انتزعه جهاز التسجيل من غياهب الفكر الاسود وانتبه علي صوت قرص التليفون في جهاز التسجيل يدور وصوت السماعة علي الطرف الآخر وهي ترفع ثم ينطلق صوت الزوجة طالبا الاسطي "أ" صاحب ورشة النجارة المجاورة. ويكتشف الزوج من الاصوات الصاخبة التي وصلت الي سمعه من الطرف الآخر انه صوت مقهي مجاور لورشة الاسطي النجار الذي تطلبه الزوجة.
كان الحديث المتبادل بين الزوجة والاسطي النجار شاعري الكلمات موسيقي العبارة فيه الابتسامة والضحكة الرنانة وتغلب عليه احاسيس الشوق واللهفة، وكان الحديث يدور حول الموعد الذي يصل فيه العاشق صاحب ورشة النجارة إليها بعد أن يأوي الطفلان إلي فراشهما ليكون لهما من دفء اللقاء عواطف ساخنة.
وامتلأ قلب الزوج بالمرارة وهبت في داخله ثورة شعر بانها تكاد تعصف بكيانه وطفت ملامح الأسي والحسرة علي القلب الجريح وعلت وجهه خطوط السنين فبدأ وكأن العمر قد تقدم به عشرين عاما. وانتزعه جهاز التسجيل منه اعاصير الافكار عندما وصل إلي سمعه صوت الجهاز معلنا دوران قرص التليفون مرة أخري ورنين الجرس يدق في الناحية الأخري ثم رفع السماعة لكن الصوت علي الناحية الأخري لم يكن صوت المقهي لكنه كان صوت الشاب الذي عرف فيه الزوج انه محاسب يعمل في مكتب محاسبة ويدعي "أ" ودار الحديث بين الزوجة والشاب المحاسب عن موعد حضوره. وكان حديث الشاب المحاسب في الليلة التالية لحديث صاحب ورشة النجارة. وفي الحديث يؤكد المحاسب انه في خلال دقائق سيكون في الطريق إليها وان عليها ان تقدم لطفليه الحبوب المنومة حتي يكون لقاؤهما ممتعا حافلا بكل أثار المتعة.
كان الموقف اكبر مما يحتمله الزوج الذي طعن في شرفه واصيب في كرامته بجرح لا يندمل ولا يلتئم وشعر بان اعمدة السعادة التي كانت اسرته الصغيرة تقوم عليها قد انهارت وهوت وانه كان مخدوعا يتنفس الخيانة وهو لا يدري فان زوجته التي اعطاها ثقته العمياء ولم يكفها رجل واحد لكنه ربطت خيانتها برجلين في وقت واحد.
الرنين الثالث
للمرة الثالثة يخرجه رنين التليفون في جهاز التسجيل من شرود الفكر ومشاعر الحسرة لكن الذي كان علي الطرف الاخر لم يكن الاسطي صاحب ورشة النجارة ولا الشاب المحاسب لكنه فوجئ بأنه "خ" صاحب محل تجاري. كانت الزوجة تطالبه بالحضور ويسألها صاحب المحل التجاري عما ترغب في احضاره وهو قادم إليها كان ردها انها لا تريد سواه وانه هديتها التي تطلبها.
وشعر الزوج ان مابينه وبين الحياة قد انقطع وانه اصبح كالسجين المحكوم عليه بالاعدام الذي ينتظر تنفيذ الحكم فكلاهما فقد امانيه في الحياة.
وعادت الزوجة لتفاجأ بزوجها وقد ناءت به هموم الحزن والاسي فاذا سألها عن خياناتها اقسمت بأغلظ الايمانات بانها ما حاولت التفكير في خيانته يوما فلما يواجهها بشريط التسجيل تنهار وتسقط منحنية علي قدميه ترجو العفو وتطالبه الرحمة والابقاء عليها لخدمة ولديهما فيأتي الزوج بالورق والقلم ويستكتبها اقرارين تعترف في اولهما بالخيانة وتتنازل في الآخر عن نفقة عدتها ومؤخر صداقها ومتعتها وبعد توقيع الاقرارين يلقي عليها يمين الطلاق الذي وثقه بمكتب توثيق الاحوال الشخصية.
مضت ايام قبل ان يتقدم الزوج ببلاغ إلي مدير نيابة مصر القديمة متهما فيه زوجته بالخيانة الزوجية وقال عن سبب تأخيره في تقديم البلاغ ان شتي العوامل تنازعته وكان الخوف علي ولديه الصغيرين والاشفاق عليهما من الضياع أمرا يقلقه ويشقيه فهما الضحية في تلك الصفقة الخاسرة بكل مقاييس الخسارة لكن نزيف الجرح الذي أصابه في شرفه وكرامته تغلب علي عوامل الاشفاق علي الصغيرين فرأي ان يتقدم بالبلاغ إلي النيابة.
اصدر مدير النيابة أمره بضبط واحضار الزوجة التي انكرت تهمة الخيانة وقالت إن زوجها اعتدي عليها بالضرب واكرهها علي التوقيع علي الاقرارين بسبب المشاكل التي نشبت بينهما وكان سببها ابنها من زوج آخر سابق كما أنه كان زوجاً لاخري قبل زواجها منه وانها تزوجت منه عندما عملت ممرضة بالعيادة التي يعمل بها فأعجب بها وتزوجها وقالت إن علاقتها بالنجار اقتصرت علي تكليف زوجها له ببيع أثاث الشقة التي كان يقيم فيها مع زوجته السابقة وتكليفه بعمل أثاث الشقة الجديدة. لكن الزوجة لم تستطع ان تعلل أحاديثها في التسجيل مع المحاسب وصاحب المحل التجاري وايضا تلك العبارات التي كانت بينها وبين النجار وكان قرار مدير النيابة الافراج عنها بمبلغ 200 جنيه ضمان مالي وندب خبير الاصوات بالاذاعة لتفريغ الشريط وأخذ بصمة صوت الزوجة ومطابقتها علي الصوت الوارد بالشريط.
قبل ان يقدم خبير الاذاعة تقريره وقبل ان يعد مدير النيابة قرار إحالة الزوجة إلي المحاكمة كان الزوج الطبيب قد تنازل عن بلاغه مكتفيا بطلاقها. فقد كان الاشفاق علي الصغيرين دافعه إلي هذا التنازل عن حقه في شرفه وكرامته من الضرر الذي لحق بهما.