&

لكي اكون منصفة، وحتى لا يتهمني الرجل بانحيازي الى بنات جنسي، أعترف ان هناك فئة من الرجال تضامنت مع المرأة من اجل استعادة حقوقها، التي تم شطب وتزوير الكثير منها على مدى قرون عديدة، حيث حاول الرجل على مدار التاريخ تشويه صورة المرأة، وطمس هويتها، والغاء حقوقها، ليمارس دور السيد الآمر، وتظل المرأة تابعة عمياء له. كما ساهم للأسف العديد من الفلاسفة الغربيين، وبعض المفكرين العرب، في السخرية من عقلية المرأة، والاستخفاف بقدراتها، والصاق العديد من التهم بشخصها. مع هذا يظل التاريخ اكبر شاهد على دحض هذه الافتراءات، فمنذ فجر التاريخ والمرأة كانت لها ادوار بارزة في مجتمعها، وتمتد السلسلة حتى تصل الى تاريخنا المعاصر، حيث نجحت المرأة بالرغم من كل المعوقات المحيطة بها، ان توجد لها مكانا على خريطة العالم، وتقول انا هنا، لكن الشيء المحزن ان هناك ايادي خفية تحاول العبث بهذا التاريخ، وتدمير معالمه، وتحوير الحقائق، لاعادة المرأة لعصور الظلام حيث كانت تباع وتشترى كالرقيق، وهو ما ترفضه المرأة المسلمة اليوم، مستندة الى تعاليم دينها الذي قدم لها الكثير من المزايا الشرعية، وإلى ثقافتها وعلمها. صحيح ان الطريق ما زال طويلا، وانها ما زالت تسير على ارض ملغومة، الا انها تصر على النضال، للوقوف على رقعة صلبة آمنة من الزلازل الذكورية. هذا المخلوق الذي يعتقد الكثيرون انه هش ضعيف، هو في الحقيقة كائن عنيد، في داخله قوة جبارة لتحقيق ما يحلم به، ولديه قدرة هائلة على الصبر والتحمل، وعلى الوصول لمبتغاه في نهاية المطاف. لو نظر الجميع حولهم، واسترجعوا صورا من ذاكرتهم، سيرون ان النساء والاطفال كانوا وما زالوا الضحايا الاوائل في كوارث العالم بدءا من المجاعات وانتهاء بالحروب، وتعرض آلاف من النسوة للاغتصاب والتشرد، كما حدث في البوسنة والهرسك، وخضع الكثيرات للعلاج نفسيا نتيجة ما حدث لهن على ايدي الصرب. وفي الحرب الدائرة اليوم في افغانستان، نشرت احصائية ان 85% من اللاجئين في افغانستان من النساء والاطفال، وهو ما حدا بست عشرة وزيرة اوروبية، الى مطالبة الامين العام للأمم المتحدة كوفي عنان، بضرورة الاهتمام بوضع المرأة المأساوي في مناطق الحروب، والتأكيد على وجوب مشاركة المرأة في مفاوضات السلام بعد توقف الحروب، كونه من حقها كما ذاقت ويلات الحروب، ان تدلي برأيها في ما يخص مستقبل بلادها.
لم اكره شيئا في حياتي كما كرهت ويلات الحروب، كونها تدل على وحشية الانسان في زمن يقال عنه انه زمن المدنية والتحضر، وكثيرا ما ذرفت الدمع على صور الاطفال الضحايا الذين قتلوا في الحرب الدائرة، وهم لا ذنب لهم سوى انهم جاءوا في عصر محكوم فيه على افراده جميعا بالاعدام القسري. لكن كما يقول بعض الساسة ان لكل حربا ويلاتها وضحاياها.
بالامس بثت شاشات التلفاز، ونشرت العديد من الصحف، صورة لسيدة افغانية تذيع بصوتها خبر سقوط كابل في ايدي المعارضة، مشهد تمت ازالته من الوجود الافغاني منذ خمس سنوات، وفي رأيي ان الحرب الافغانية الدائرة فكت القيود التي فرضتها طالبان على المرأة باسم الدين، والدين منها براء، وان هذا الانتصار هو في حقيقة الامر بداية تحرر الشعب الافغاني، لأن كل مجتمعات الدنيا لا تقوم فقط على سواعد الرجال، وانما تقوم ايضا على عطاءات النساء ووعيهن الفكري والثقافي. وكسر قيودهن الاجتماعية هو الطريق الصحيح لبناء مجتمع سوي، وتنشئة اجيال تدرك ادوارها المستقبلية.
لقد نزعت اعجابي فاتنة، المرأة الافغانية التي اضطرت الى الخروج من وطنها والاقامة في بيشاور هربا من القيود التي فرضتها طالبان على المرأة، وقد استطاعت تكوين "مجلس نساء افغانستان" الذي ينادي بحقوق المرأة ومعاملتها ككائن بشري، وقامت بتحويل بيتها الى عيادة للاجئين الافغان، وقد وضعتها طالبان ضمن قائمة الاسماء التي يجب تصفيتها، الا انها لم تأبه للتهديد، ورفعت صوتها قائلة: "ارفض ان يحجر على نساء وطني، ويحرمن من حقهن في التعليم والعمل واجبارهن على الزواج بمن لا يرغبن، كما انني احاول توعية الصغار حول حقوقهم، من خلال المدارس التي انشأها المجلس النسائي، لقد قام المجلس ايضا باصدار جريدة، لقناعته ان للثقافة دورا مهما في تهيئة الشعب الافغاني لتعمير بلاده المدمرة".
كما لفت نظري نجاح بعض الرياضيات الافغانيات في الهرب من افغانستان من اجل المشاركة في الدورة الرياضية الثالثة للنساء المسلمات بايران، وقد مشين مسافات طويلة شاقة على ارجلهن، وسلكن طرقا مهجورة عبر الجبال، مؤكدات تصميمهن على لعب دور اجتماعي بارز يمثل بلادهن.
كل هذه المشاهد المشرقة تؤكد ان المرأة ليست مخلوقا اتكاليا، ولا كائنا ضعيفا، وان جلادة هائلة تملكها في اعماقها لتصل الى مرادها، وان القوة لا تتمثل فقط في العضلات الجسدية، وانما تتمثل ايضا في امتلاك الانسان، رجلا كان ام امرأة، للفكر المتقد، والفعل الايجابي، اللذين لا بد ان يلتحما بالارادة والصمود، وايمانهما الفعلي في حق كل منهما العيش بكرامة على الارض، التي وهبها الله سواسية لهما، والتي فيها متسع للمرأة والرجل على حد سواء.
هناك سحب قاتمة تنذر بقدوم فيضانات عارمة، واعاصير مدمرة تلوح في الافق، واذا لم تتدارك المجتمعات الامر، وتفسح الطريق للمرأة ليصبح لها كيانها المستقل، ستكون العواقب وخيمة! ألم يقل الشاعر ذات يوم، ان المرأة هي التي تخرج الشعوب القادرة على حمل لواء حاضرها، ومواجهة خفايا غدها؟ أم انها كلمات جوفاء، تفوه بها شاعر اراد ان يرضي غرور النساء؟!(الشرق الأوسط اللندنية)
&