&
ما هو الثمن الذي يطلبه الأميركيون من لبنان بعد مطالبتهم بملاحقة أرصدة حزب الله ، وثلاثة من عناصره بتهمة الاشتراك في خطف طائرة تي دبليو اي في 1985، في اطار الحرب التي يخوضونها ضد الارهاب؟
وواشنطن رمت الصنّارة، عبر اصرارها علي تجميد أموال الحزب، وهي تدرك سلفاً ان الواقع السياسي اللبناني، والاقليمي، لا يتيح الاستجابة لمطلبها هذا، بدليل اقرارها، عندما لقيت الرفض الواضح له، بأن الحوار مستمر مع الحكومة اللبنانية من أجل التوصل الي حل للمسألة.
والأرجح ان واشنطن تتوق الي صيد سياسي، لا أمني، من هذه الصنّارة. فموقفها الذي ينسجم معه بعض الدول الأوروبية، علي رغم تمايز الموقف الفرنسي الذي يتفهم رد فعل لبنان وسورية باعتبار الحزب مقاومة وليس ارهاباً، يضمِر غير المعلن، ويبقي الأمور معلقة من أجل مجموعة من الأهداف.
فلا حزب الله تنظيم القاعدة ، ولا الحكم اللبناني طالبان . ولن تجد واشنطن تحالف الشمال بعدما استوي موقف الرئيس إميل لحود والحكومة ورئيسها رفيق الحريري مع موقف البطريرك الماروني نصرالله بطرس صفير والرئيس السابق أمين الجميل وسائر المعارضين في الدفاع عن حزب الله ، بصفته مقاومة. بل ان الدول الفاعلة في المنطقة تتماهي في موقفها مع لبنان وسورية، وفي طليعتها المملكة العربية السعودية ودول الخليج. كل ذلك يدفع كبار المسؤولين الي تكرار تطميناتهم بأن لا خوف من أن يتعرض لبنان لضربات عسكرية أو أمنية.
إن الحماسة الاسرائيلية للضغط علي لبنان وسورية في موضوع حزب الله والتنظيمات الفلسطينية منذ 11 أيلول (سبتمبر) الماضي، والاستجابة الاميركية لهذه الحماسة، تجعلان أي صيد سياسي تريده واشنطن، علي علاقة بأمن اسرائيل وأزمة الصراع العربي ــ الاسرائيلي لا بمكافحة الارهاب. فإذا كان المقصود تشديد اجراءات الدولة اللبنانية ضد افراد أو منظمات مرتبطة بالارهاب، ومنها عصبة الأنصار ، فإن الديبلوماسية الأميركية تكثر شكرها لبنان لتعاونه، وتدرك ما قام ويقوم به في ما يتعلق بـ عصبة الأنصار .
أما اذا كان المقصود دفع لبنان الي ارسال الجيش الي الجنوب، او الضغط من اجل تحول حزب الله الي منظمة سياسية غير مسلحة، أو الحصول علي تعهد لبناني ــ سوري بوقف العمليات في منطقة مزارع شبعا، فهذا يعني عزل لبنان وجبهته عن أزمة المنطقة، وهي سياسة جربت واشنطن مرات مدي فشلها. فتحقيق أي من هذه الأهداف لا يمكن ان يحصل من دون مقابل، ومن دون خطوات عملية تبدأ بضبط الفلتان الاسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، ومن دون التخلي عن سياسة مساواة العنف الفلسطيني بالعنف الاسرائيلي.
وفي كل الأحوال فإن تداعيات السياسة الأميركية، والضغوط التي تصاحبها ضد لبنان، تظهر مدي الانفصام في اداء واشنطن. فالديبلوماسيون الأميركيون (ومعهم الأوروبيون المساندون لوجهة نظرهم) يميّزون بين أجهزة المقاومة والعمل السياسي والعمل الأمني (الذي يعتبرونه ارهاباً) في حزب الله . أي انهم يقرون بالمقاومة، ثم يطلبون وقف عملياتها. وبعضهم يتحدث عن ان ايجابيات التعاون اللبناني مع الادارة الاميركية في موضوع الارهاب، ومبادرة بيروت الي ادانة العمليات ضد نيويورك وواشنطن، سيقابلها الغرب بدعم الاقتصاد اللبناني وإمكان انعقاد مؤتمر باريس ــ 2، ثم تلمح مستشارة الرئيس الأميركي للأمن القومي كوندوليسا رايس الي امكان الضغط الاقتصادي علي لبنان اذا لم يستجب لمطلب تجميد أرصدة حزب الله . وهي تطلب من الحزب، عبر الوسطاء، ان يتعاون معها أمنياً ضد تنظيمات ارهابية واعدة بالاعتراف به، ثم تعتبره ارهابياً وتدعو الي محاصرته..(الحياة اللندنية)