إيلاف - نبيل شرف الدين: على الرغم من اعتبار بعض خبراء الشؤون الاستراتيجية، نبأ هروب أسامة بن لادن زعيم منظمة "القاعدة" إلى مكان غير معلوم، بأنه مجرد "موقف تكتيكي" يستهدف إرباك الجهود والخطط الأميركية الأوربية المحمومة لملاحقته، غير أن هناك أيضاً من لا يستبعد لجوء ابن لادن إلى البحث عن ملاذ آمن في العديد من الأماكن خارج أفغانستان، وهي تلك التي تقع بعيداً عن متناول الغرب، ورسم الخبراء خريطة مبدئية للمناطق المحتملة، والتي يجمع بينها عامل مشترك أساسي، وهو أنها تشهد حروباً أهلية، أو تلك التي توصف بـ "الدول الهشة"، ويقصد بها البلدان التي تسودها الفوضى، وضعف قبضة السلطات المركزية، حيث يسيطر عليها أمراء الحرب يشاطرونه كراهية الولايات المتحدة وحلفائها،
خيارات بن لادن
والأهم من ذلك كله، أنه يمكن لابن لادن أن يجد الحماية الكافية سواء بفضل دعم المتعاطفين معه، أو شبكته المالية التي يديرها بأسماء عدد من المتعاطفين معه سراً، والتي لم تصل إليها الأجهزة الأمنية بالكامل حتى الآن.
وفيما وصفت السلطات الباكستانية المعلومات التي بثتها إذاعة إيرانية عن فرار ملا محمد عمر وأسامة بن لادن إلى باكستان بأنها من نسج الخيال، وكانت إذاعة مشهد (شمال شرقي إيران) قد بثت خبراً مفاده أن القائد الأعلى لحركة "طالبان" وزعيم منظمة "القاعدة" قد فرا إلى باكستان.
وقالت مصادر في الخارجية البريطانية أنها تدرس الآن كافة الاحتمالات الممكنة، للملاذات الآمنة التي يتوقع أن يلجأ إليها أسامة بن لادن، وغيره من قادة منظمة "القاعدة"، أو حركة "طالبان" الذين تلاحقهم قوات التحالفين "الدولي والشمالي في أفغانستان"، خاصة بعد سلسلة من الأنباء المتضاربة حول فرار ابن لادن، واختفائه داخل الأراضي الأفغانية أو خارجها، وقد رصد الخبراء العديد من المناطق المحتملة في عدد من مناطق العالم على النحو التالي:
الشيشان
تأتي الشيشان في مقدمة خيارات ابن لادن المحتملة، إذا قرر الفرار من أفغانستان، فهناك يوجد العديد من المخابئ الواقعة بالمناطق الجبلية الوعرة التي يتخذ منها المقاتلون الشيشان منطلقاً لعملياتهم ضد القوات الروسية، ومن بين هؤلاء الشيشان من لا يخفي تعاطفه الصريح مع ابن لادن، فضلاً عن انتشار أكثر من 150 ألف لاجئ في منطقة شمال القوقاز، وسيكون من السهولة على ابن لادن وأعوانه التخفي وسط هؤلاء اللاجئين المتنقلين، تساعده في ذلك التضاريس الوعرة التي حالت طوال ثلاثة قرون دون غزو الروس للمنطقة بشكل فعال وحاسم.
ويقول محللون عسكريون إن أي هجوم يستهدف إخراج بن لادن من مخيمات الشيشان، من شأنه أن تترتب عليه كوارث إنسانية، خاصة في ظل انعدام معلومات استخبارية مؤكدة تجزم بوجود ابن لادن في تلك المنطقة وتحدد مكانه، كما يعني العمل العسكري الأميركي في هذه المنطقة مساندة الحرب التي يشنها الروس على الشيشان، وهو أمر أدانته مسبقاً الأمم المتحدة والولايات المتحدة على حد سواء، فضلاً عن أن هكذا هجوم هو أمر محفوف بمخاطر إثارة مشاعر الملايين من المسلمين خاصة في بعض الجمهوريات السوفيتية السابقة التي تعاني انهياراً اقتصادياً، كقرغيزستان وأوزبكستان وطاجيكستان، التي يمكن أن يمكن أن جد فيه ابن لادن ملاذاً آمناً، فطاجيكستان المجاورة لأفغانستان،تواجه حكومتها معارضة أصولية مسلحة لا يستهان بها، كما إن أطرافاً من هذا البلد توجد تحت سيطرة عصابات الجريمة المنظمة ومهربي المخدرات.
ألبانيا
ولا يقصد بها السلطات الرسمية، بل منظمات مسلحة مثل "جيش التحرير الإسلامي الألباني" الذي لقي في البداية دعم حلف شمال الأطلسي خلال هجماته على كوسوفو، تمكن من الإفلات من قبضة الغرب، ويمكن أن يكون حالياً مستعداً لاستقبال بن لادن، ففي العام الماضي، دعت الخارجية الأميركية مواطنيها إلى تفادي دخول ألبانيا, وأعلنت "إن عصابات الجريمة المنظمة منتشرة في مختلف ربوع البلاد، ويمكن أن تندلع معارك الشوارع من دون سابق إنذار".
وصنفت الخارجية الأميركية أيضاً عصابات الجريمة المنظمة الألبانية ضمن كبار مروجي الهيروين على الصعيد العالمي، ويعني ذلك أن العصابات التي تتوفر على النفوذ الحقيقي في أطراف واسعة من البلاد، لها شبكات لتهريب الأموال والبشر والبضائع في مناطق شتى بالعالم.
وتحذر الخارجية الأميركية من أن "عصابات الجريمة المسلحة واسعة الانتشار" في شكودر ومدن أخرى تقع في شمال غربي ألبانيا، وتصف تلك المنطقة بأنها ممنوعة ووعرة، حيث يمكن ان يتخفى ابن لادن فيها، معتمدا على شبكات إجرامية لم يتسن القضاء عليها خلال 20 عاما من الحرب الضارية على المخدرات، وتعبر سلطات الأمن بالولايات المتحدة عن قلقها المتزايد حيال تنامي الروابط بين الإرهاب والاتجار الدولي في المخدرات، حيث أفادت بوقوع لقاءات بين مؤيدي بن لادن وعصابات تجارة المخدرات الألبانية خلال السنوات الأخيرة.
كردستان
وينتشر فيها لاجئون يمكن أن يستقطبهم ابن لادن بالمال أو خطاب التطرف الديني، وقد انهار القانون والنظام بشكل كامل في كردستان إثر حرب الخليج الثانية، كما تفيد التقارير بان مدينتي بيار وتيوال الكرديتين تقعان تحت نفوذ عناصر موالية لابن لادن وتوجد مناطق كبيرة من كردستان تحت تأثير العراق الذي يعتقد الأميركيون أن نظامه قد يدعم ابن لادن نكاية بأميركا.
الصين
قد يكون هذا الخيار هو الأفضل لابن لادن إذا سلك طريقه صوب مناطق غرب الصين مترامية الأطراف، التي تقطنها أغلبية مسلمة معزولة، إذ سيصبح مستحيلاً أن تشن الولايات المتحدة هجوما مباشرا على الصين، لأن لدى الصين أسلحة نووية قادرة على الوصول إلى قلب الولايات المتحدة، لكن يستبعد المراقبون أن يلقى ابن لادن ترحيب السلطات الصينية التي تتخوف من احتمال قيام انتفاضة إسلامية في صفوف الملايين من مواطنيه المسلمين الذين يشكلون وجوداً لا يستهان به داخل الدولة، فضلاً عن تشديد قوات حرس الحدود قبضتها على الحدود الأفغانية.
الصومال
وفي إفريقيا عموماً التي تمزقها سلسلة من الحروب الأهلية المدمرة، قد توفر العديد من أماكن التخفي، ولعل أبرزها الصومال، التي حولها الاقتتال المستمر بين أمراء الحرب إلى فوضى عارمة، فضلاً عن ضعف السلطة المركزية أو انعدامها تماماً، بالإضافة إلى أنه قد ثبت أن هناك وجوداً مسلحاً لعناصر من منظمة "القاعدة" في الصومال حيث نفذت عمليات قبل سنوات.
اليمن
في اليمن الذي تتعاون حكومته المركزية مع الولايات المتحدة، قد يشعر بن لادن بأنه في بلده إلا أن قبضة السلطات اليمنية ضعيفة، كما لقي الأصوليون ترحيباً شعبياً هناك خلال سنوات طويلة مضت، وتشير التقديرات إلى نحو 50 مليون قطعة سلاح موجودة بحوزة مواطني البلد، ناهيك عن أن هناك شعورا دفينا بالعداء للأنظمة العربية المجاورة التي تقيم تعاونا مع الغرب.
الجزائر
وفي الجزائر التي يسودها قدر من الاضطرابات السياسية والفوضى الأمنية، وهي ذات الظروف التي استغلها ابن لادن جيدا في أفغانستان، لكن ينبغي الاعتراف بأن هناك تعاوناً بين الحكومة الجزائرية والولايات المتحدة، لكن السلطات هناك لم تزل تواجه قوى أصولية شديدة البأس والتطرف، نفذت موجات من عمليات القتل الإرهابية خلال سنوات مضت، ومع ان المعسكرات في الصحراء الجزائرية لن توفر قدرا من الأمان الذي كان في أفغانستان والشيشان، فان البلاد قريبة من اوروبا، وبامكان واحد مما هو موجود في شمال إفريقيا من آلاف الصواريخ المماثلة لـ "سكود" أن يصل إلى قلب روما والمدن الفرنسية والأسبانية.
ليبيا
وعلى الرغم من أن النظام الليبي له تاريخ طويل في توفير المأوى والدعم للحركات المسلحة المعادية للغرب والولايات المتحدة، إلا أنه ينبغي تأكيد استبعاد أن توفر ليبيا أي فرصة لابن لادن وجماعته، ليس فقط لما عرف عن العداء المستحكم بين النظام الحاكم في ليبيا والحركات الأصولية عموماً، الذين يطلق عليهم هناك "الزنادقة"، ولكن لأن سلطات الأمن الليبية تحكم قبضتها على كافة الأوضاع والمناطق بشكل لا يسمح بوجود جماعات أو أفراد من خلف ظهرها.
أميركا اللاتينية
وأخيراً فإن هناك احتمالات، وإن كانت محدودة للغاية لانتقال بن لادن إلى بلد أو منطقة تقع تحت نفوذ جماعات متمردة تستمد تمويلها من المخدرات، وتعتبر نفسها تخوض مثل أسامة ابن لادن حرباً مفتوحاً مع الولايات المتحدة، ونسبت هيئة الإذاعة البريطانية للخارجية الأميركية قولها أنها تراجع دعم بعض البلدان للإرهاب، كما هو حال سوريا وكوريا الشمالية وكوبا والسودان وإيران، دفع بعض المتمردين والعصابات المسلحة إلى البحث عن مصادر تمويل بديلة، ومنها الاتجار بالمخدرات وتهريب البضائع، وتوجد مناطق شاسعة من كولومبيا وبيرو تحت سيطرة مسلحين معادين للولايات المتحدة، تتعاون منظماتهم مع عصابات تهريب المخدرات، وتستقي بالتأكيد تمويلها من أموال المخدرات وعصابات الجريمة المنظمة أيضاً.