شهدت السياحة التونسية خلال السنوات الاربع الماضية تطورا هاما بعد ان باشرت تونس خطة محكمة استهدفت تحديث البنية الاساسية وبناء مدن سياحية جديدة وتحسين الخدمات واستقطاب اسواق جديدة اضافة الى تحسين المنتوج السياحي وتنويعه لا سيما في ما يتعلق باستثمار المخزون الثقافي والحضاري للبلاد الذي يمتد الى 3000 عام.
وبالفعل فقد تدعّم نمو القطاع السياحي خلال السنة الماضية ليرتفع الى 8.5 بالمئة بالقيمة الحقيقية مقابل 4.9 بالمئة خلال عام 1998. وتجاوز إسهامه في إجمالي الناتج المحلي الـ6بالمئة .و ارتفعت مداخيل القطاع السياحي عام 1999 الى 1950 مليون دينار تونسي ( حوالي نفس القيمة بالدولار ) مقابل 1413 فاصل 2 مليون دينار عام 1999. وبلغت المداخيل من العملة خلال النصف الاول من عام 2000 حوالي 1304 فاصل 5 مليون دينار وحققت نسبة تطور ب 8 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية.
وجاء في التقرير السنوي الأخير للبنك المركزي التونسي أن هذا التطور مكن من دعم مكانة تونس كأول وجهة سياحية على المستوى العربي وكذلك في القارة الإفريقية بعد إفريقيا الجنوبية. كما مكن هذا التطور من تحسين حصتها في بلدان البحر الأبيض المتوسط أي 2.3 بالمئة واستقرت حصة البلاد في السياحة العالمية في مستوى 0.7بالمئة .
من جهة أخرى ارتفع المبلغ المخصص للنهوض بالسياحة إلى 26 مليون دينار في عام 1999 مقابل 21 مليون في العام السابق أي 1.3بالمئة من المقابيض السياحية بالعملة الأجنبية. وتكثّفت أعمال النهوض وشملت أساسا الأسواق التقليدية مع ازدياد المبالغ المخصصة للسوق الألمانية 25بالمئة وفرنسا 16بالمئة وإيطاليا 11بالمئة وتدعمت هذه المجهودات بالمستوى التنافسي لتعريفات النزل وبالوضع الذي ساد خلال النصف الأول من السنة الماضية في تركيا وفي منطقة البلقان وكذلك بانتعاش النشاط الاقتصادي في بلدان الاتحاد الأوروبي بداية من النصف الثاني من عام 1999.
وتعتبر الصناعات التقليدية من اهم المجالات التي تعزز باستمرار عائدات السياحة التونسية لما توفره اسواق تونس من منتوجات تقليدية اصيلة مثل السجاد والنحاس والخزف حيث ساهم هذا قطاع بحوالي 205 مليون دينار من مداخيل السياحة التونسية عام 1999 وهي متاتية من شراءات السياح المباشرة لمنتوجات الصناعات التقليدية كما ساهم بمبلغ 30 مليون دينار في الصادرات التي وجهتها تونس اساسا الى السوق الاوروبية عام 1999 .
وتؤكد المعطيات ان الخطة التي باشرتها تونس بحرص من الرئيس زين العابدين بن علي لمزيد تطوير السياحة قد ادت الى نتائج مشجعة حيث تطور عدد السياح من 3 ملايين و884 الف و593 سائحا عام 1996 ليصل الى 4 ملايين و831 الف و698 سائحا عام 1999 وارتفع عدد الليالي المقضاة من 23 مليون و124 الف و 864 الي 35 مليون و320 الف و86 ليلة عام 1999 .
وتمثل الاسواق الاوروبية الحريف الاول للسياحة التونسية ولئن كانت السوق الالمانية هي الاولى من حيث عدد السياح فقد شهدت السوق الفرنسية خلال لفترة الماضية من العام الحالي تطورا ملحوظا حيث ارتفع عدد الوافدين من الفرنسيين بنسبة 14 فاصل 2 بالمائة في حين تطور عدد السياح البريطانيين بنسبة 13 بالمائة والايطاليين بنسبة 12 فاصل 8 بالمائة فيما بلغ عدد السياح من البلدان المغاربية المجاورة 857 الف سائح.
ويلاحظ الزائر الى تونس كيف تحولت بعض جهات البلاد الى اقطاب سياحية من الطراز الرفيع لعل من اهمها مدينة الحمامات ومدينة طبرقة وجوهرة الساحل سوسة حيث دخلت حيز الاستغلال خلال هذه الفترة طاقة ايواء اضافية تناهز 22 الف سرير اى 4ر56 بالمائة من جملة طاقة الايواء المبرمجة خلال الخطة التنموية التاسعة .
لكن القفزة النوعية التي يشهدها القطاع السياحي لا تقتصر فقط على المؤشرات والارقام بل تتعداها الى المستويات النوعية التي تتعلق بالتفتح على الاسواق الجديدة لا سيما الواعدة منها .فبالاضافة الى اسواقها السياحية التقليدية مثل المانيا وايطاليا توفقت تونس خلال السنوات الاخيرة الى جذب اهتمام اسواق سياحية جديدة مثل السوق المجرية والايرلندية والبلغارية والاسبانية والبريطانية ووالهولندية والسويسرية.
وتاتي خطة تونس المتعلقة بجذب اسواق جديدة في اطار رؤية مبنية على تنويع المنتوج السياحي الذي لم يعد يرتكز فقط على سياحة البحر والشمس وانما يتعدى ذلك الى استثمار ما تنطوي عليه البلاد من مخزون ثقافي وحضاري متنوع بما يرتقي بالسياحة الى قطاع يلعب دورا حضاريا في التلاقح وبراز الخصوصية الحضارية التونسية التي تستقطب اهتمام المؤرخين والمفكرين والمبدعين في مختلف المجالات.
وبهدف مزيد ادماج السياحة التونسية في فضائها الاقليمي و الدولي وتوفير الشروط الكفيلة برفع التحديات باشرت تونس خطة استراتيجية تتمثل اهم محاورها في تحسين مقومات قطاع سياحي ناجح ومن اهم تلك المقومات مزيد تحسين الجودة والخدمات وتدعيم التسويق والاشهار بالاضافة الى تاهيل البنية الاساسية وتشجيع المستثمرين الخواص وتدعيم دورهم في عملية تاهيل كل مكونات القطاع السياحي.
وفي اطار تنويع الخدمات السياحية لا سيما التي تستقطب اهتمام السائح من جهة وتبرز الخصوصيات التونسية من جهة اخرى تم التركيز بشكل خاص على "المنتوجات الجديدة" مثل العلاج بماء البحر وملاعب الصولجان والسياحة البيئية والسياحة البحرية والسياحة الثقافية والسياحة الصحراوية التي شهدت في السنوات الاخيرة تحولا نوعيا جعل منها سياحة قادرة على منافسة
واذا كانت الارقام والمعطيات التي تؤكد ان تونس تحولت بالفعل الى واحة سياحية تستقطب الاسواق الكبرى فان ما يميز الساحة التونسية هو التصور الذي تنبني عليه .فتونس بتقاليدها العريقة وتاريخها الحافل بتعاقب الحضارات توفقت في ان تطوع السياحة الى علاقة حضارية مع الشعوب والثقافات والحضارات بما يعكس الخصوصية التونسية التي من اهم ملامحها التفتح على الآخر والتعايش والتفاعل الايجابي مع الحضارات الانسانية . عن "اخبار تونس"