أجرى الحوار في دمشق‏:‏ محمود عبدالوهاب -أكد وزير الإعلام السوري عدنان عمران أن سوريا حريصة علي السلام ولكنها ليست علي استعداد للهرولة نحو السلام بأي ثمن‏,‏ وشدد علي أن موقف سوريا المبدئي أن قرارات الشرعية الدولية قد وضعت لكي تنفذ لا لكي يتم التفاوض حولها‏.‏ وأضاف أن سوريا مستعدة للدخول في أية عملية سلام جادة محددة يكون هدفها واضحا وهو الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة في الخامس من يونيو‏1967‏ وإجراءاتها محددة في إطار متفق عليه‏,‏ وأن تبدأ المفاوضات من حيث انتهت‏,‏ وألا تكون عملية تسويف جديدة يدور فيها العرب دون فائدة‏.‏
وأشار في حديث خاص لـالأهرام بمناسبة احتفال سوريا بالذكري الحادثة والثلاثين للحركة التصحيحية‏,‏ إلي أن حدود المشروع والممنوع في سوريا في مجال الإعلام محكومة بالدستور والقانون‏.‏ وقال‏:‏ إن الإجراءات التي اتخذت ضد تجمعات المجتمع المدني تمت بعدما ثبت أن أعضاء رابطة العمل الشيوعي يحاول قلب نظام الحكم بالقوة‏.‏
وفيما يلي نص الحديث‏:‏
‏{‏ احتفلت سوريا بالذكري الحادية والثلاثين للحركة التصحيحية التي قادها الرئيس الراحل حافظ الأسد‏..‏ ماذا تبقي من الحركة الآن؟
‏*‏ أبرز ما في الحركة التصحيحية أنها إنجاز‏,‏ وهو إنجاز شمل مرافق مختلفة‏,‏ وبخاصة المحور الداخلي والمحور الخارجي‏,‏ لذلك فإن الجواب المباشر علي ما بقي منهف هو هذه الإنجازات الكبيرة التي يشهدها المرء في كل مكان‏.‏ فعلي سبيل المثال في المجال الداخلي يستطيع المراقب المحايد أن يري ما تم‏,‏ فعند قيام الحركة التصحيحية كانت سوريا بكل مدنها وقراها شديدة التخلف‏,‏ كان أكثر من نصف سوريا دون كهرباء ودون مياه نظيفة‏,‏ اليوم لا يوجد تجمع سكاني واحد إلا وقد وصلت إليه الكهرباء والمياه وخدمات الصرف الصحي وشبكات طرق ممهدة ودولية تغطي جميع أنحاء سوريا‏,‏ وما يقال عن البنية التحتية يقال عن هياكل الإنتاج‏,‏ كانت سوريا تفتقر إلي الغذاء‏,‏ اليوم سوريا حققت الاكتفاء الذاتي وتصدر الفائض‏,‏ واستطاعت سوريا خلال الأعوام الماضية أن تقيم قاعدة اقتصادية قوية تتساند فيها القطاعات المختلفة الزراعية والصناعية والاستخراجية‏,‏ ويشارك القطاع الخاص فيها بجوار القطاع العام بدور مهم‏,‏ كما تغطي مظلة الرعاية الصحية كل مواطن في سوريا‏,‏ وتوفر الدولة التعليم بكل مستوياته من الابتدائي الجامعي مجانا بشرط القدرة التعليمية فقط‏.‏ علي المستوي الخارجي استطاعت سوريا خلال الأعوام الثلاثين أن تؤسس منهجا في سياساتها الخارجية يستند إلي ثوابتها القومية‏,‏ وأن تلعب دورها الإقليمي وفي المحيط العربي‏,‏ ونجحت في إنقاذ المنطقة من مخططات تقسيمها إلي فسيفساء‏,‏ كما حرصت طيلة الأعوام الثلاثين الماضية علي تنشيط وتفعيل علاقاتها العربية إيمانا منها بأن التضامن العربي هو أول الطريق لحماية الأمن القومي العربي‏.‏ وعلي مدي الأعوام الثلاثين لم تنجر إلي معارك هامشية‏,‏ وكان إدراكنا أن هناك خط اتفاق لابد أن نعمل علي تعميقه وترسيخه‏,‏ وهو التضامن العربي والثوابت القومية العربية‏.‏
‏{‏ هناك مشروع تحديث وتطوير علي مستوي الحزب والقيادات أين هو الآن؟ وإلي ماذا وصل؟
‏*‏ هذا بالفعل مشروع كبير جدا‏,‏ بالنسبة للحزب هناك اعتماد للخط الديمقراطي‏,‏ وليس هناك أي موقع أو مسئولية إلا بالانتخاب‏,‏ ونظام الانتخاب الداخلي قطع شوطا كبيرا ويصل إلي مستويات متعددة حتي تقارب القمة‏,‏ وسوف تكمل مسارها حتي تصبح هي الوسيلة الأساسية لانتقاء الأفضل للمسئولية‏,‏ بالنسبة للدولة هناك مجموعة كبيرة مهمة من المشروعات وقطعت شوطا مهما‏,‏ وهناك وزير ووزارة مهمتها التنمية الإدارية وإعداد الكوادر وتدريبها وجميع الوزارات تعكف علي إعداد خطط وبرامج تطوير الجهاز الإداري‏,‏ وهناك دورات تدريبية للعاملين في القطاع الحكومي وإعادة تأهيل بحيث يتم تطوير الجهاز الإداري في الوقت الذي يتم فيه تطوير نظام التعليم وتحديثه بحيث يصبح الداخل الجديد إلي سوق العمل مواكبا لأحدث ما في العصر من نظم إدارة وعمل وتقنية وقدرة علي التعامل مع أجهزة ونظم المعلومات الحديثة‏.‏
‏{‏ تجربة السماح للأحزاب بإصدار صحفها‏..‏ هل تخضع للرقابة وما تقويمكم لها؟
‏*‏ ليس هناك في سوريا الآن أية صحيفة تخضع لرقابة مسبقة‏,‏ ورقابة الصحف تخضع لقانون المطبوعات الذي يحدد وبكل دقة أن هذه الصحف مسئولة أمام القانون‏,‏ والمتضرر من النقد يمكن له أن يرد ويوضح موقفه‏,‏ ويمكن له أن يلجأ إلي القضاء إذا امتنعت الصحيفة عن نشر إيضاحه أو إذا ارتأي أن النقد تجاوز ما هو عام ومس ما هو شخصي أو اتهم بغير دليل‏.‏
والأمر نفسه ينطبق علي الصحف العربية والأجنبية حيث يسمح لجميع المطبوعات الصحفية بدخول سوريا‏,‏ ربما باستثناء صحيفتين فقط‏.‏
‏{‏ ما هي حدود المشروع والممنوع في سوريا خاصة أن البعض يري أن هذه الحدود حولها علامة استفهام؟
‏*‏ حدود المشروع والممنوع هو الدستور والقانون وكلمة علامة استفهام هذه شيء مؤسف‏,‏ وأعتقد أن هناك الآن في الدول الغربية والولايات المتحدة علامة استفهام حول الحريات أكثر من الدول العربية‏,‏ لكن المشكلة المزمنة أنه لم يفهم البعض أن الدول الصغيرة في العالم الثالث يجب أن تحمي نفسها بالقوانين التي تملك‏,‏ ومادام هناك قانون وجاء من يخالف هذا القانون‏,‏ فالأمر الطبيعي لبلد يحترم نفسه وقوانينة ومواطنيه هو أن يحيل من يخالف إلي القضاء‏,‏ والقضاء يصدر حكمه‏,‏ والكل يحترم أحكام القضاء‏.‏
‏{‏ توقف البعض كثيرا أمام ما سمي بتجمعات المجتمع المدني ثم حدث تجميد لها ماذا حدث؟
‏*‏ أولا وعني أقرر أن الذي فتح هذا الباب هو السيد رئيس الجمهورية عندما دعا الجميع إلي التفكير والحوار وإبداء الرأي‏.‏
وقال‏:‏ إننا جميعا شركاء في الوطن ومن يقرأ خطاب السيد الرئيس أمام مجلس الشعب عند أدائه القسم الدستوري يدرك أن السيد الرئيس هو الذي قدم هذه الأسس للمواطنين‏,‏ وجاء عدد من المواطنين ومارسوا هذا بكل شفافية وأمانة وإخلاص‏..‏ ورحب الكل بهم‏,‏ ولكن جاءت فئة أخري تنتمي إلي تنظيم يؤمن بتغيير النظام بالعنف‏,‏ وهي رابطة العمل الشيوعي‏,‏ وهذا مخالف للقانون في أي بلد‏,‏ وأعتقد أن هذا الأمر يقابل بالعنف في أي بلد وفي بريطانيا وسويسرا بل إجراءات صارمة أكثر من سوريا‏,‏ وهذا أمر طبيعي‏,‏ فأية فئة تتصور أنها تأخذ القانون بيدها وتفرض رأيها ومعتقداتها كما تشاء‏,‏ وهذا أمر لابد أن يخضع للقانون ويقدم أصحابه للقضاء‏,‏ والقضاء يصدر حكمه كما يشاء‏,‏ وإذا وجد القضاء أن ما حدث ليس مخالفا للقانون فليس هناك غبار‏.‏
هناك بعض الناس تصوروا أن نشاطهم في تجمعات المجتمع المدني يعطيهم الحق في ألا يدفعوا الضرائب عن نشاطاتهم التجارية‏,‏ ولو سمح أي بلد بهذا لأصبحت الأمور فوضي‏.‏
في أمريكا التهرب من سداد الضرائب جريمة مخلة بالشرف ويعاقب مرتكبها بالسجن ولا تسقط بالتقادم‏,‏ فلماذا يسمحون بالعقاب في أمريكا ولا يسمحون به في سوريا‏!‏ والذي يطرح هذه الأمور يطرحها بكثير من حسن النية وقليل من المعرفة‏.‏
‏{‏ البعض يري أن هامش الحرية للصحافة السورية ضيق ومستواها المهني ليس جيدا‏,‏ مما جعلها في مطب أنها صحافة ترويج وليست صحافة معلومات؟
‏*‏ أريد أن أكون واضحا في هذا الشأن‏,‏ لو أتينا بصحف وأسميناها أي أسماء ومنحناها إمكانات أمريكا أو مصر أو بريطانيا‏,‏ فسيظل القارئ يأخذ بتحفظ لأنها مرتبطة بدرجة ما مع الحكومة‏,‏ هذا أمر عام‏,‏ ولكن هذا لا يعني أن الصحف الخاصة تكون موضوعية بالضرورة‏,‏ هناك صحف خاصة تمثل شركات أو مصالح معينة أو دول بعينها أو أجهزة استخبارات‏,‏ لذلك دعني أقول إن ما نريده من الصحف حتي لو كانت متصلة بالدولة أن تكون نقية شفافة واضحة‏,‏ وأن تتحدث بحرية وأن تمارس دورها بحرية ومسئولية‏,‏ وتؤدي وظيفتها في المجتمع كقائدة للرأي العام وكاشفة للخطأ ومانعة من الانحراف أو الفساد‏,‏ وأن ندرك جميعا أن حرية الصحافة حق للمجتمع والمواطن وليست ميزة للصحف أو الصحفيين‏,‏ وعلينا أن نفهم أن الإعلام الخاص ليس معناه أن يملك الإنسان رخصة لكي يسيء إلي الآخرين‏.‏ فالحرية هي أن تبذل جهدك لكي تسهم في صياغة حياة أفضل لجميع المواطنين‏.‏
‏{‏ عملية السلام دخلت نفقا مظلما‏,‏ وسوريا تواجه موقفا صعبا حيث تمارس عليها ضغوط كثيرة‏..‏ كيف ترون الموقف الآن؟
‏*‏ سوريا بالنسبة لعملية السلام اتخذت موقفا واضحا جدا منذ البداية‏,‏ فنحن ملتزمون بالشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن‏,‏ لكننا لسنا مستعجلين ولا نهرول نحو السلام بأي ثمن‏,‏ نحن نريد السلام اليوم قبل الغد ولكننا لسنا مستعدين للتفريط بذرة تراب واحدة‏,‏ وأثبتت سوريا خلال مفاوضات السلام أنها صادقة وجادة‏,‏ وأكدت إسرائيل أنها رافضة للسلام وأنه تناور‏.‏ وبرهنت سوريا أنها مخلصة مع الرأي العام الدولي وتقف مع التزاماتها وتحترم تعهداتها وبرهنت إسرائيل أنها تكذب ولا تنفذ ما يتم الاتفاق عليه‏,‏ ولا تلتزم بما يتوصل إليه‏,‏ وأنها تنتقل من تراجع إلي تراجع‏,‏ ومن تسويف إلي تسويف‏,‏ وقالت إسرائيل هذا بوضوح علي لسان رؤساء وزرائها المتعاقبين‏.‏ إننا نناور ونماطل حتي نضيع الوقت ونستهلك طاقة العرب‏,‏ هذه المقولات الرسمية التي سمعها العالم صدرت في إسرائيل ولم تصدر في دمشق‏,‏ نحن الآن فيما إذا كان مشروع جدي يقدم من أجل استئناف المفاوضات من النقطة التي توقفت عندها علي أساس الانسحاب الكامل حتي خط الرابع من يونيو علي كل المسارات‏,‏ أي انسحاب من التراب السوري والفلسطيني واللبناني‏.‏ فسوريا ترحب بهذا المشروع‏,‏ أما إذا كان يخطط لمزيد من التسويف والمماطلة فلا أعتقد أن سوريا مهتمة بعملية تسويف‏,‏ وأود هنا أن أؤكد أن العرب قد وقعوا في خطأ نتيجة حرصهم علي إثبات رغبتهم في السلام‏,‏ وهو أن أي استئناف لعملية السلام يجب أن يقابل بعملية تطبيع وإثبات حسن نوايا‏,‏ وأعتقد أنه يجب تجريم وعدم تطبيع أي علاقة مع إسرائيل حتي يتم تنفيذ قرارات الشرعية الدولية وخروج آخر جندي إسرائيلي من الأرض العربية المحتلة‏,‏ وغير ذلك يعتبر أننا نساعد إسرائيل علي التسويف‏,‏ وللأسف أصبحت قرارات الشرعية موضوعا للرقص حوله والتسويف‏,‏ بينما نحن نفهم أن قرارات الشرعية الدولية صدرت لكي تطبق لا لكي نتفاوض حولها‏.‏
‏{‏ بعد أحداث‏11‏ سبتمبر وما تلاها بدأت إشارات وتلويح باتهام هذه الدول أو تلك بالعنف أو الإرهاب‏,‏ وحديث عن قوائم ودول‏..‏ ما هو الموقف السوري؟
‏*‏ موقف سوريا واضح منذ البداية‏,‏ موقف ثابت يستند إلي القناعة التامة بأن سوريا سبقت غيرها في مكافحة الإرهاب عندما كان الآخرون الذين يتحدثون عن الإرهاب اليوم يدعمون ويتبنون الإرهاب‏,‏ كانت سوريا تواجه الإرهاب وحيدة‏,‏ والأسماء الكبيرة التي يعلنون عنها اليوم في الغرب‏..‏ كانوا ينكرون وجودهم في بلادهم وكانوا يقدمون لهم الحماية لاستمرار أعمالهم الإرهابية ضد سوريا وضد الدول العربية‏.‏
سوريا منذ البداية أدانت الإرهاب الذي وقع هناك وتمنينا أن الآخرون أدانوا الإرهاب الذي يقع كل يوم وتمارسه إسرائيل والأطفال والنساء والأبرياء الذين يقتلون كل يوم‏,‏ ولكن هذا بالنسبة لنا ليس مقايضة‏,‏ نحن حتي لو لم يقفوا معنا فنحن أصحاب قيم ونرفض الإرهاب وندينه بكل قوة‏.‏ في الوقت نفسه نحن ندعو لأن ينطلق العالم كله لمكافحة الإرهاب‏,‏ وهذا لا يمكن إلا بعد أن نتفق علي تعريف للإرهاب‏,‏ وتحديد ماهية الإرهاب لا يمكن أن يأتي عن طريق دولة أو أجهزتها الأمنية أو الاستخباراتية‏,‏ تعريف الإرهاب يجب أن يتم عن طريق جهة قانونية وهيئة دولية‏,‏ وهي منظمة دولية وهي الأمم المتحدة‏,‏ وهذه كانت دعوة للرئيس الراحل حافظ الأسد عام‏1985‏ بضرورة أن تعقد الأمم المتحدة مؤتمرا دوليا لتعريف الإرهاب ومن ثم يمكن محاربته في إطار الشرعية الدولية‏,‏ ولكن يبدو أن الإرهاب تحول إلي ورقة ضغط ومناورة يتم استخدامها حينا ووقفها حينا آخر‏,‏ ويتم استخدامها لأغراض سياسية‏,‏ أو قد تكون لمصلحة دولة بعينها مثل إسرائيل‏.‏
هذا الموضوع بالنسبة لنا واضح كل الوضوح‏,‏ سوف نعمل ونستمر في مكافحة الإرهاب‏,‏ ولا يمكن أبدا أن نقبل تحت ظروف أن نعتبر أبطالا يقاومون لتحرير أراضيهم إرهابيين‏,‏ وإلا فإنه بهذا المقياس يفقد العالم ذاكرته وتاريخه ويعتبر ديجول وتشرشل ومانديلا إرهابيين‏,‏ الإرهابي هو الذي يعميه الانحياز عن روية الحقائق ويعتبر أن المقاومة الوطنية إرهابا‏,‏ بينما يعتبر أن اصطياد الأطفال الأبرياء وقتلهم أمر عادي‏.‏
ونعتقد أن المطلوب الآن من جميع الدول العربية الاتفاق علي موقف عربي واحد‏,‏ والتمسك بجميع الثوابت والقيم التي يراد الإطاحة بها اليوم تحت شعار التخويف والتهديد والابتزاز‏,‏ سواء بما يسمي بالقوائم أو مكافحة الإرهاب‏,‏ وندعو الدول الأخري إلي مراجعة مواقفها والالتزام بقواعد القانون الدولي والتوقف عن الكيل بمكيالين (الأهرام المصرية)