&
ربما لا يكون السؤال المناسب في الوقت الراهن هو: متى تنتهي علاقة طالبان في الحرب الأفغانية الراهنة لأن هذه العلاقة أصبحت محسومة بهزيمة قائمة فعلاً والأرض الأفغانية ليست أرض حرب عصابات، فبالتالي سوف يتلاحق استسلام أو هروب المتسلقين للجبال الآن.. لكن السؤال المناسب هو.. متى يا ترى سوف تقوم الحرب الأهلية الجديدة بين المتحالفين الأفغان في اتحاد قوات الشمال..؟.. لأن الأرض الأفغانية لا تستطيع الحياة دون حرب.. ربما يأتي هذا الكلام عند البعض وهو صيغة مبالغة لاضطراد الاقتتال منذ خلع الملك محمد ظاهر شاه وحتى لقي محمد داود اسوأ مصير لأسوأ انقلابي تنكر لعائلته وأصهاره ثم مروراً على نجيب الله الشيوعي وبعد ذلك حروب الأشقاء التي اختتمت بحكم طالبان المؤقت.. إنه ليس صيغة مبالغة .. وذلك التلاحق في الحروب الداخلية ليس إلا بعضاً من الانتماء التاريخي للقسوة والرعب المسيطر على علاقات حكومات الجبال وحكومات القبائل.. بين يديّ كتاب صدر لجمال الدين الأفغاني قبل مائة عام أي قبل أن يولد أي محارب في طالبان أو قوات تحالف الشمال والأفغاني مؤرخ ومثقف عرفه العالم العربي عند نهاية القرن التاسع عشر وهو ناشر نشط ومفكر مرموق تم الاختلاف كثيراً على هويته الفكرية أما ما كتبه عن بلاد الأفغان فهو نتيجة خبرة شخصية ومعايشة لأنها بلاده.. إنه يقول ص198: "والخلق الغالب في هذا الجنس هو الحقد والضغينة والتشوق للانتقام واقتحام الحروب والتهور في المنازعات والمخاصمات لأدنى الأسباب". ثم يقول: "وقلما يوجد بينهم البشوش.. وكذلك خشونة لغتهم وغلظ أصواتهم مما يدل على الفظاظة وغلظ الطباع ولهم ميل عظيم للنهب والسلب وشن الغارات وإثارة الفتن". ثم ما بين الصفحة "141" والصفحة "218" يعرض جمال الدين الأفغاني لكثير من خصائص الفئات القبلية المختلفة الأعراق والتي جميعها تكرس مظاهر الفرقة وحب الاقتتال وكيف هم يخاصمون من "توهب" منهم حسب تعبير الكاتب أي أصبح وهابياً ينتمي إلى فئة تتواجد في الهند أو إذا تشيع أي أصبح شيعياً حيث يواجه كلا الطرفين أشنع مظاهر العداوات والجندي المهزوم أي الهارب في القتال لا يحبذون دفنه ثم يتعرض جمال الدين الأفغاني وأكرر الملاحظة أن ما كتبه قد مر عليه أكثر من مائة عام.. يتعرض لسلطة رجال الدين فيؤكد انهم في موقع من السيادة يفوق نفوذ رجال الحكم، بل ان رجال الحكم يتوددون إليهم إذا أرادوا إنفاذ أمر لا يتفق مع الدين أو أنه يخدم مصالح بعضهم ولا علاقة له بالإسلام ثم يذهب بعيداً فيرى أن بعض هؤلاء العلماء يكفّرون بعضهم إذا ما اصطدمت مصالحهم مع ذلك البعض بحيث أصبح لكل عرق طائفي أو زعامة قبلية صف من رجال الدين الذين يسوّقون سيادته ونفوذه.. بعد قراءة هذا الكتاب إذا قرأنا مؤلفاً آخر مختصراً للأستاذ فهمي هويدي بعنوان "طالبان جند الله في المعركة الغلط" وقد صدر في مستهل هذا العام أي قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر سنجد أن الصفات السلوكية في النظرة إلى الدين وفي التعامل ما بين الطوائف وأمراء الحروب وإن كان الأستاذ هويدي يتحفظ بآرائه لأنه كان يتجول بين مدن هدمتها حروب الأشقاء إلا أن السمات الأساسية.. السلوكيات الرئيسية في التعامل والعلاقات لا تختلف كثيراً عما كتبه جمال الدين الأفغاني قبل أن يولد كل الذين تحاربوا في أفغانستان مع بعضهم في النصف الثاني من القرن الماضي وبداية هذا القرن (الرياض السعودية)