&
القاهرة- المحرر السياسي: بقبول كافة الأطراف الاحتكام إلى طاولة مفاوضات على أراض أوروبية، يدخل الوضع الافغاني مرحلة جديدة، في ظل سيطرة قوات التحالف الشمالي علي الأرض والشعب ومقاليد السلطة في أفغانستان رغم انها وصلت إلي السلطة تحت غطاء المقاتلات الأميركية، إلا أنها في نشوة النصر كادت أن تنسى هذا، لكنها عادت واستمعت الآن لصوت الأمم المتحدة، الذي يدعوها إلي المشاركة في الاجتماع الذي يضم كل الاطراف الأفغانية لبحث مستقبل أفغانستان السياسي، فالأمم المتحدة هي التي رفضت من قبل الاعتراف بحكومة طالبان كحكومة شرعية لأفغانستان عندما استولت علي السلطة وسيطرت علي 90% من أفغانستان عام 1996 .
في سويسرا
من جانبها اقترحت سويسرا على الأمم المتحدة أن تنظم في جنيف المؤتمر حول تشكيل حكومة أفغانية تضم ممثلين عن مختلف الاطراف المعنية. ويبدو أن المبادرة السويسرية أثارت الاهتمام داخل مقر الأمم المتحدة في نيويورك.
وحسب السيد كريستن، المتحدث باسم وزارة الخارجية السويسرية،فإن المؤتمر قد يعقد في غضون اليومين القادمين لكن القرار يعود للأمم المتحدة التي لم ترد لحد الآن على المقترح السويسري.
وأوضح كريستن للإذاعة السويسرية ، عبر موقعها الإليكتروني، أن برن لم تتقدم بعرض رسمي ولم تتلق أي طلب رسمي من الأمم المتحدة بشان تنظيم مؤتمر أفغانستان، لكن وزير الخارجية السويسري جوزيف دايس والوفد الذي رافقه الأسبوع الماضي إلى نيويورك لحضور جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة قد كثفوا الاتصالات في كواليس المنظمة لترتيب مؤتمر السلام في أفغانستان.
وقد تم إبلاغ ممثلين أمميين وممثلين عن حوالي اثنتي عشر دولة باستعداد الكونفدرالية السويسرية لاستضافة المؤتمر حول أفغانستان. وفي هذا السياق، أوضح السيد كريستن أن اتصالات جديدة أُجريت خلال نهاية الأسبوع الجاري دون الإدلاء بالمزيد من التفاصيل.
الخريطة السياسة
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، ما هو مصير حركة طالبان في أية حكومة مقبلة؟ وهل سيكون التمثيل لقبائل الباشتون التي تشكل واحدا واربعين في المائة من الشعب الافغاني بالمستوى المطلوب؟
هذه التساؤلات وتسارع الاحداث، دفعت بالمجتمع الدولي الى الاسراع في بحث مستقبل الحكومة الافغانية وعقدت مجموعة الدول الست المجاورة لافغانستان والولايات المتحدة وروسيا، اجتماعات مطولة في الامم المتحدة، وتم التأكيد على ضرورة تشكيل حكومة بقاعدة شعبية واسعة، تضم جميع الفصائل والاعراق من شرائح المجتمع الافغاني كافة.
فالخريطة السياسة تبدو غامضة حتى الآن ولا زالت فرضية تقسيم أفغانستان احدى الحلول المطروحة، لكن قبائل الباشتون ترفض ذلك بشدة بل انها قاتلت قادة التحالف الشمالي في اواسط التسعينات لمنع حدوث ذلك.
ومن الضروري التذكير هنا بأن حوالي ستين في المائة من المصادر الطبيعية، من نفط وغاز طبيعي ومناطق زراعية خصبة توجد في الشمال اضافة الى ثمانين في المائة من وحدات القطاع الصناعي السابق في افغانستان.
الخاسرون
لذا فان التقسيم لن يكون لمصلحة قبائل الباشتون، الذين يتمركزون في جنوب وشرق البلاد، وهذا ما سيؤدي الى استمرار الحرب الاهلية واحتدام العداوات بين الأقليات وزيادة الضغوط على باكستان، لاستقبال المزيد من اللاجئين الأفغان، لتبقى منهكة اقتصاديا وسياسيا، مما يجعل من السهل ابتزاز أية حكومة باكستانية من قبل الدول العظمى وصندوق النقد الدولي، لابقائها الحليف الاستراتيجي طالما تخدم مصالح هذه الدول.
هذا التصور لا يمثل اخبارا سارة لمستقبل الجنرال برفيز مشرف، في الوقت الذي تزداد النقمة الشعبية عليه لتقديمه الدعم المطلق للتحالف الامريكي في الحملة ضد أفغانستان. وهو ما وضع صانعي القرار في اسلام آباد في دوامة من الجدل حول الانقلاب الجذري الذي طرأ على سياستها تجاه "صنيعتها" حركة طالبان بعد سنين مضنية من الدعم اللامحدود الذي كان يرمي للخروج نهائيا من دوامة الحلم الذي يراود قبائل الباشتون في كلا البلدين باقامة دولة "باشتونستان".
واشنطن تريد الانتقام من حركة طالبان وقبائل الباشتون لرفضها دعم شركة اليونيكول « UNICOL » ودلتا « DELTA » الأمريكيتين في مشروعهما لمد انبوب لنقل النفط من تركمانستان الى باكستان عبر الأراضي الأفغانية، واعطاء الأفضلية في المشروع لشركة أرجنتينية باريداس PARIDAS وكذلك رفضها تسليم المشتبه به أسامة بن لادن للولايات المتحدة، رغم الوساطة الباكستانية والسعودية والاماراتية ، والمعروف أن المجلس الذي شكله الملا محمد عمر، يشكل أغلبيته من الباشتون القندهاريين على وجه التحديد .
لكن في المقابل فإن التحالف الشمالي وروسيا والهند لا يريدون أي تمثيل لطالبان في حكومة أفغانية، لكن قادة القبائل الباشتون يؤكون أنهم يشكلون الاغلبية من السكان الأفغان وأن كابول ستكون دوما برئاسة الباشتون.
وعلى أي حال، فان مجلس الشورى الأعلى للقبائل الأفغانية الذي يعرف، باللويا جيرغا، سيلعب دورا حاسما في مستقبل أية حكومة أفغانية، اذ من المعروف أن المجلس يعقد اجتماعات كل فترة للبت في القضايا والمسائل الاجتماعية والسياسية التي تعصف بالبلاد.
وخلاصة الأمر أن الجزء الرئيسي من المأساة الأفغانية، هو أن المجموعات العرقية التي تستولي على كابول، كانت دوما تنفرد بالسلطة وترفض مشاركة الأطراف الأخرى.
هذه الاجراءات لم تنجح على مدى العقود الماضية لأن المحرومين من التمثيل في السلطة، كانوا دوما يحاولون الحصول على حقوقهم بقوة السلاح، والدول المجاروة لأفغانستان، لعبت دورا أساسيا في استمرار معاناة الشعب الأفغاني من خلال دعمها لطرف من الأطراف المتناحرة ضد بعضها البعض ولم تنعم هذه البلد بمرحلة الاستقرار أو الازدهار.
شروط مسبقة
الآن تغيرت معطيات الواقع علي الساحة الأفغانية وأصبح التحالف الشمالي هو الذي يفرض الشروط المسبقة لكي يوافق علي حضور الاجتماع الذي تحاول الأمم المتحدة تنظيمه من أجل بحث مستقبل أفغانستان ولكن الأيام دول وكل التوقعات تشير إلي انه سيكون يوماً قصيراً للغاية فكما بزغت شمسه بسرعة غير متوقعة ستغرب أيضاً بسرعة غير متوقعة.. التحالف الشمالي ليس فيه من التحالف سوي اسمه فقط. أما حقيقة الأمر فهو يجمع فصائل وأعراقاً مختلفة بينها إرث من العداء أكبر بكثير من العداء الذي بينها وبين حركة طالبان وما جمعها الآن سوي المصلحة المشتركة وهو الحكم. ثم بعد ذلك سيبدأ الصراع بين قوات التحالف الشمالي.
الخلافات السياسية
الدليل علي هذا هو ان الخلافات السياسية بين أطراف التحالف الشمالي بدأت حتي قبل ان يتم القضاء علي طالبان.. بل ان هذه الأطراف أخذت من الآن في تحصين مواقعها استعداداً للصراع القادم حول الحكم.
فالقائد الشيوعي عبد الرشيد دوستم الذي ينتمي إلي اقلية الأوزبك يعتبر نفسه هو الذي فتح الطريق أمام قوات التحالف الشمالي بدخول كابول. ونظراً لأنه يحظي بدعم كبير من الروس فهو لم يبد أي رغبة في تنسيق تحركاته العسكرية مع بقية قوات التحالف الشمالي.. أيضاً مجموعات الطاجيك في التحالف الشمالي عملت بشكل منفرد وما ان سنحت لها الفرصة بدخول كابول اغلقت أذنيها تماماً أمام نداءات واشنطن بعدم دخول كابول.
بل انها حجزت لنفسها المناصب الرفيعة قبل وصول الآخرين فمنح قائدها محمد فهيم خان نفسه لقب وزير الدفاع وعبد الله عبد الله وزيراً للخارجية ويونس قانوني وزيراً للداخلية هذا في الوقت الذي لم تبدأ فيه بعد أي مشاورات لتشكيل الحكومة الجديدة لا من قبل الأمم المتحدة والأطراف الدولية ولا من قبل الفصائل الأفغانية نفسها الأمر الذي ينبيء ان الكراسي التي جلس عليها أصحاب هذه المناصب الثلاثة ربما تطير قريباً في الهواء .
الحرب الجديدة
هناك أيضاً الجنرال اسماعيل خان الذي تسيطر قواته علي مناطق واسعة في غرب أفغانستان والجنرال كريم خليلي قائد حلف الوحدة الشيعي الذي تسيطر قواته علي مناطق اقلية "الهزارا" وتعمل بشكل مستقل تماماً في غرب أفغانستان. فإذا أضفنا إلي ما سبق ان التحالف الشمالي ليس بين مجموعاته أي مجموعة بشتونية باعتبار ان البشتون تمثل 60% من سكان أفغانستان. كما أصبح يرفض الآن اعطاء أي دور للملك السابق ظاهر شاه الذي ينتمي إلي البشتون ويصبح من الواضح ان الحرب الحقيقية في أفغانستان سوف تبدأ قريباً ليس بين القوات الأمريكية وطالبان ولكن بين الفصائل الأفغانية.
روسيا والهند وإيران
أما الحرب بين القوات الأمريكية وطالبان فقد انتهت بانتصار روسيا والهند وإيران. روسيا لأن جماعة طالبان التي كانت تدعم الشيشان انتهت قضيتها دون ان تتكلف روسيا أي عناء والدخول في حرب ضدها. بل قبضت روسيا 80 مليون دولار من الولايات المتحدة ثمن أسلحة باعتها إلي قوات التحالف الشمالي. ومعظم قوات التحالف الشمالي تدين بالولاء للروس.. والهند انتصرت في الحرب لأن الفناء الخلفي لباكستان أصبح يسكنه الآن أصدقاء الهند ولأن من المعروف ان العلاقات بين الهند وقوات التحالف الشمالي وثيقة وقوية.