طهران - من احمد امين: استدعت طهران فصيلين كرديين عراقيين للتشاور معهما في شأن التطورات الاخيرة التي شهدها اقليم كردستان الخارج عن سيطرة الادارة المركزية ، وبالتحديد المناطق الخاضعة لسيطرة "الاتحاد الوطني الكردستاني" بزعامة جلال طالباني، وهي مناطق شاسعة مركزها مدينة السليمانية .
ولبى الدعوة الايرانية الاتحاد الوطني و"الحركة الاسلامية في كردستان العراق" بزعامة الملا علي عبد العزيز ومعقلها العريق هو مدينة حلبجة التي دخلت التاريخ من اوسع ابوابه بما شهدته في ربيع العام1988 من عمليات قصف مكثف بالاسلحة الكيمياوية نفذتها القوات الحكومية بأمرة علي حسن المجيد ابن عم صدام حسين ، وراح ضحيتها آلاف القتلى والجرحى.
وكانت المناطق المحيطة بمدينة حلبجة وبالتحديد منطقتي بيارة وطويلة المتاخمة للاراضي الايرانية مسرحا لقتال دموي بين قوات حكومة الاقليم التابعة للاتحاد الذي يشار اليه اختصارا بكلمة الـ "يكتي" و"جند الاسلام" ، وهي حركة صغيرة متطرفة دينيا تلتقي في ايديولوجيتها مع ايديولوجية حركة "طالبان" الافغانية.
واعلن "اليكتي" ان "جند الاسلام" تتلقى الدعم المالي والتوجيه العقائدي من تنظيم "القاعدة" بزعامة اسامة بن لادن ، وان قواته "اليكتي" عثرت في حوزة بعض القتلى من اعضاء الحركة وهم من الافغان العرب على وثائق تعزز من الاعتقاد بوجود علاقة مباشرة لهم بـ "القاعدة".
ومن أجل استشراف الاهداف الحقيقية لزيارة وفدين من "الاتحاد الوطني" و"الحركة الاسلامية" لطهران، وخلفيات القتال الذي شهده هذا الاقليم الكردي وتحوله الى هاجس لطهران من ان يفضي تزايد حدة القتال والالتهاب على حدودها الغربية الى عواقب امنية غير محمودة ولاسيما انها منشغلة الان بالمحافظة على امن حدودها الشرقية المتاخمة لافغانستان التي كانت هي الاخرى ولا تزال مسرحا لعمليات عسكرية اميركية ومحلية ، التقت "الرأي العام" زعيم "الحركة الاسلامية" الملا علي عبد العزيز في مقر اقامته في العاصمة طهران.
?& ما الدوافع الحقيقية للاقتتال الحاصل في حلبجة؟
ـ حلبجة لم تكن مسرحا لهذا الاقتتال ، بل المناطق القريبة منها ، وحصل الاقتتال بين جماعة مغالية ومتحجرة تعادي كل الاحزاب تسمى "جند الاسلام" وبين "الاتحاد الوطني" اثر قيام هذه الجماعة باعلان الحرب ضد الاتحاد .
?& تصفون "جند الاسلام" بالمتحجرين في حين انهم كانوا من ضمن الفصائل الخاضعة لحركتكم؟
ـ هؤلاء الذين يقدر عددهم بنحو 300 شخص، اجتمعوا من تنظيمات وفصائل مختلفة ليشكلوا حركتهم التي اطلقوا عليها اسم "جند الاسلام"، وانهم دخلوا ضمن احد فصائلنا من غير ان يكون لنا علم بذلك ، وبعد ان عرفنا بالامر امرنا ذلك الفصيل بطردهم حالا لما يحملونه من افكار متحجرة, هم صحيح اناس مسلمون لكنهم مغالون ومعادون لكل الناس.
?& وهل هذا يعني انكم لم تشتركوا الى جانب هؤلاء في مقاتلة قوات حكومة الاقليم ، واذا لم يكن لكم موقف مخالف لحكومة الاقليم فلم انسحبتم من معقلكم في حلبجة؟
ـ سبق للحركة والاتحاد ان وقعا في طهران في العام 1997اتفاقية للمصالحة وضعت حدا للقتال الذي كان دائرا بين الطرفين ، ومنذ ذلك الحين اصبحنا شركاء للاتحاد الوطني في ادارة شؤون الاقليم ، ونحن اضطررنا الى سحب قواتنا من المدينة خشية حصول اشتباكات غير متوقعة بيننا وبين الاتحاد، ربما كانت ستفضي الى تأزيم الامور بشكل واسع ، واندلع القتال بين الاتحاد و"جند الاسلام" رغم كل الجهود التي بذلناها للحيلولة دون ذلك ومن المؤسف ان جهودنا في هذا الاطار، اخفقت .
"خشينا الفتنة"
?& لماذا هذه الخشية وانت تقول ان لاصلة لـ "جند الاسلام" بكم؟
ـ كما اشرت سلفا ان هؤلاء كانوا لفترة ما ضمن تنظيماتنا ويرفعون شعار الاسلام، لذلك خشينا الفتنة وان تتفاعل قواتنا التي تؤمن هي الاخرى بشعار الاسلام معهم وتدخل الى جانبهم في مقاتلة قوات الاتحاد الوطني، الذي وقعنا معه وباشراف ايران اتفاقية سلام وان طهران اخذت تعهدات منا بعدم معاودة الصراع بيننا، وقد استقرت قوات الاتحاد في مقراتنا التي انسحبنا منها الا انها اعادت لنا هذه المقرات مجددا ، ومدينة حلبجة مازالت تحت نفوذنا والاتحاد يشاركنا في ادارة بعض الاجهزة.
?& "جند الإسلام" كانوا معكم ولابد انكم اعرف من الآخرين بخصوصياتهم، فما مدى صحة الانباء التي تحدثت عن وجود صلة لهؤلاء بتنظيم "القاعدة" وحركة "الطالبان"؟
ـ لا اتصور ذلك ، الا ان هنالك اوجه تشابه بين افكارهم وافكار "القاعدة" ، وانهم مجموعة من المراهقين الذين يعتقدون ان بامكانهم القضاء بين ليلة وضحاها على الحركات والتنظيمات العلمانية الكبيرة ذات التاريخ العريق ، ونحن طالما نصحناهم ان القضاء على الفساد لايحصل هكذا بل بالهداية المتواصلة ، وان الرسول الاكرم هكذا عمل ، لكنهم مراهقون ولم يقبلوا منا النصيحة .
مقاتلون عرب
?& لكن قيل ان ضمنهم عربا؟
ـ هذا صحيح ، لكن هذا لايعني انهم من "الافغان العرب" ، وفي حركتنا يوجد متطوعون من العرب العراقيين ، اذ اننا حينما اسسنا حركتنا لم نقل الحركة الاسلامية الكردية بل الحركة الاسلامية في كردستان العراق، لنترك باب التطوع مفتوحا امام الكرد والعرب والقوميات الاخرى التي تعيش في الاقليم وفي ارجاء العراق كافة.
?& لو لم تكن بين حركتكم والاتحاد الوطني مشاكل ما كنتم حاليا في طهران، ويقال انكم هنا من أجل المصالحة بوساطة ايرانية؟
ـ الطرفان مازالا متمسكين، كما اسلفت، باتفاقية طهران والتعهدات التي اعطيناها للادارة الايرانية في العام 1997 بعدم الاقتتال فيما بيننا ، لكن الحكومة الايرانية استضافتنا للتشاور معنا في قضية القتال الحاصل حاليا قرب حدودها ، فهي تولي اهمية بالغة لامنها وسلامة حدودها ، وانها طلبت منا بذل مساعينا لوضع حد للقتال الجاري ، اضافة الى ذلك نصت بنود اتفاقية طهران على جعل مناطقنا الحدودية منزوعة السلاح وان حضور قوات الاتحاد الوطني الى المناطق المتاخمة للاراضي الايرانية بهدف القضاء على "جند الإسلام" اقلق طهران ودعاها الى مطالبتنا بالعمل بتعهداتنا ، وطلب المسؤولون الايرانيون منا كذلك العمل على ازالة جند الاسلام أو تفريقهم أو اسكاتهم ، والاتحاد الوطني نفسه طلب منا التدخل في هذا الاطار ايضا .
نفوذ ايراني واسع
?& نفهم من كلامك ان هنالك اختلافات في وجهات النظر بينكم وبين الاتحاد، وان طهران تسعى الى التقريب؟
ـ هذا امر اكيد ، فالخلافات تنشب بين افراد العائلة الواحدة ، فما بالك ونحن فصيلان كبيران احدنا اسلامي والآخر علماني ، اذا لا بد من حصول مشاكل ، الا ان ايران تتدخل دائما لحلها, واقولها صراحة ان لايران بصفتها جار لنا، تأثيراً واسعاً في كردستان العراق.
ـ وهل لكم تأثير على "جند الاسلام"؟
?& تحدثنا معهم كثيرا ولم يستجيبوا ، وقرننا منحهم فرصة خلال شهر رمضان عسى ان يعودوا الى صوابهم وماهي النتائج المتوقعة لهذه الزيارة؟
ـ قلت اننا اعطيناهم فرصة خلال شهر رمضان لاعادة قراءة مواقفهم ، فلا نحن ولا الاتحاد والا ايران نرغب بقتالهم وانما اصلاحهم.
?& هذا يعني انكم ستدخلون في قتال ضدهم بعد انتهاء الفرصة؟
ـ كلا لانريد مقاتلتهم.
?& اذا ستبقى الازمة قائمة والمنطقة تبقى متوترة؟
ـ نأمل في ان يعودوا الى رشدهم حتى ذلك الحين.
كراهية متبادلة
?& في المناطق الخاضعة لسيطرة الاتحاد أشيع ان "جند الاسلام" يتلقون الدعم من طهران؟
ـ هذا غير صحيح، فالكراهية متبادلة بين الطرفين.
?& اذا من المحتمل ان تشجع طهران، الاتحاد الوطني على شن حملة حاسمة ضد هذه الجماعة؟
ـ كلا لا اعتقد ذلك ، فالاتحاد نفسه لايرغب بسفك الدماء ، لأن كردستان عانت بما فيه الكفاية من ويلات الحروب وهي بحاجة ماسة الى الاستقرار .
?& ذكر ان قوات الاتحاد منتشرة الآن في معقلكم، مدينة حلبجة؟
ـ هذه القوات كانت في السابق ومازالت على الحال نفسها ، فنحن شركاء في ادارة الاقليم ، واشتركنا في حكومة الاقليم بوزارتين هما العدل والاوقاف، ووكلاء وزارات الداخلية والاعلام والصحة والتربية والتعليم، هم من "الحركة الاسلامية" كما للحركة عدد كبير من مدراء النواحي والبلديات، وبما اننا شاركناهم في المناطق الخاضعة لسيطرتهم هم ايضا شاركونا في المناطق الخاضعة لسيطرتنا.
نرفض مهاجمة العراق
?& "الاتحاد الوطني" يوافق على مهاجمة الولايات المتحدة للعراق للقضاء على حكومة صدام حسين، شرط عدم الحاق الاذى بالمدنيين ، والمعارضة الاسلامية الشيعية تخالف أي هجوم معتقدة ان الهجمات السابقة لم تلحق الضرر سوى بالبنى التحتية، وان النظام ومؤسساته لم يمسهما سوء, انتم كحركة اسلامية كردية، ما هو موقفكم من أي هجوم اميركي محتمل ضد العراق؟
ـ رغم اننا تعرضنا اكثر من غيرنا للقتل والتدمير على يد النظام الحاكم وقصة مدينتنا حلبجة معروفة للعالم اجمع ، الا اننا نرفض رفضا قاطعا ضرب اميركا أو غيرها للعراق ، فهؤلاء لا يستهدفون صدام حسين وانما تدمير العراق وكسر شوكته بصفته بلداً اسلامياً وعربياً.
?& ما هو موقفكم من الهجوم الاميركي على افغانستان ومشروع القضاء على "الطالبان" و"القاعدة"؟
ـ نحن نتألم لآلام المسلمين الآخرين ، وكنا نعتقد منذ البداية بان مواقف "الطالبان" و"القاعدة" خاطئة، واكدنا ان هذه المواقف ستفضي الى عواقب وخيمة، وبما ان اسامة بن لادن هو من كبار التجار، الم يكن من الافضل له البقاء في بلده والعمل في المشاريع الدينية والانسانية كبناء المساجد والمدارس، افضل من الذهاب الى افغانستان واثارة هذه المشاكل، اما "الطالبان" فانهم جماعة ذات عقلية شاذة ومتحجرة لا تنسجم مع العصر ولا مع الاسلام، وخشينا ان يضرب الاسلام باسم هؤلاء، وان ايدي خبيثة هي التي ساهمت في تفريق وحدة المعارضة الافغانية التي كسرت شوكة الروس الذين كانت اميركا نفسها تخشاهم ، واتت هذه اليد "الطالبان" واطاحت حكومة المجاهدين، وعلى رأسها برهان الدين رباني الذي يعتبر هو والشهيد احمد شاه مسعود وعبد الرسول سياف وقلب الدين حكمتيار من اصدقائنا الاعزاء، وسبق ان حللت ضيفا عليهم حينما كانوا في مدينة بيشاور الباكستانية كما تربطني علاقات صداقة بالاخ صبغت الله مجددي.
?& "الحزب الديموقراطي الكردستاني" بزعامة مسعود بارزاني يقول ان "جند الاسلام" وراء اغتيال احد اكبر قادتهم وهو فرنسوا حريري في يناير الماضي ؟
ـ عملية الاغتيال تعتبر قضية معقدة وشائكة مشتركة فيها عدة اطراف ، لكنني لا اعتقد ان "جند الاسلام" وراءها .
"أسلمة العراق"
?& ما هو الهدف المحوري لحركتكم؟
ـ المحافظة على سيادة العراق واسلمة كردستان والعراق ، فنحن نطمح الى تحقيق دولة اسلامية في ظل العراق الواحد مع ضمان حقوق مختلف الاتجاهات السياسية، وعلاقاتنا طيبة مع العرب الشيعة والسنة .
?& ما هي مساحة الممنوعات في فكركم الديني ، هل من حق الفتيات التعليم والنساء العمل والمواطن من مشاهدة التلفاز والفضائيات وسماع الاذاعات والموسيقى؟
ـ انا عندي تلفزيون وستلايت ، نحن نحرم ما حرمه الله سبحانه وتعالى بالنص ، ونحن نتقي الشبهات، ولا نكفر المواطن من اول وهلة حينما يرتكب صغيرة أو كبيرة، فالله غفور رحيم ، فكيف بنا ونحن نؤمن بالله.
الكويت "مصدر الخيرات"
?& خلال وجودك والوفد المرافق لك في طهران قمت بزيارة السفارة الكويتية ، ما الهدف من ذلك ؟
ـ التقينا سفير الكويت لتقديم شكرنا وتقديرنا للمساعدات الانسانية التي تقدمها حكومة وشعب الكويت للعراقيين في المخيمات الايرانية ولبقية المسلمين في العالم، ونحن وان كنا لم نتلق أية مساعدة من الكويت، الا ان هذا البلد يبقى هو السباق في هذا المجال والكويت تقدم مساعدات انسانية كبيرة وتستحق الثناء, انها مصدر للخيرات في العالم ، وهي مصدر لبناء المدارس والمساجد والخيرات الاخرى وقد ناشدنا سفير الكويت لتقديم الدعم المالي للمواطنين المحتاجين والفقراء في كردستان العراق .
?& المعارضة الاسلامية الشيعية تواصل تنفيذ عملياتها ضد مؤسسات النظام العراقي ورموزه، كيف تنظرون الى هذه العمليات؟
ـ نحن نؤيدها لانها تأتي في اطار الدفاع عن النفس والقيم والكرامة مقابل سلطة ظالمة ، الا اننا ضد أي عمل ارهابي يستهدف المدنيين العزل.
الشعب العراقي غير مؤهل!
?& هل تعتقد ان الشعب العراقي مؤهل حاليا للقيام باضطرابات على غرار ما حصل في العام1991؟
ـ كلا لا اعتقد ذلك ، فالشعب ليس موحداً تماما ، كما ان هنالك تقاطعاً في الارادات الاقليمية والدولية في شأن الملف العراقي.
?& اذا ما الذي فعلته المعارضة العراقية ؟
ـ غالبية اطراف المعارضة العراقية مختلفة بعضها مع بعض ، فـ "المؤتمر الوطني" واحمد الجلبي من جهة، واياد علاوي من جهة، و"جماعة الدستور الملكي" من جهة، و"المجلس الاعلى للثورة الاسلامية" من جهة ، والاكراد ايضا من جهة، وحتى نحن الاكراد غير متفقين في ما بيننا ، لكننا في الوقت نفسه نشترك في رغبتنا بان يصار الى تشكيل حكومة سالمة مسالمة تقيم العدالة وتقر حقوق كل القوميات والطوائف.(الرأي العام الكويتية)