&
يكاد الشق العسكري من الحرب على افغانستان يضع اوزاره بعد سقوط كابول ومحاصرة آخر جيوب المقاومة الطالبانية في قندز وقندهار، ولم يعد من شيء يستأهل المتابعة في هذه الحرب سوى انتظار فصلها الاخير المتعلق بمصير اسامة بن لادن، ومعرفة ما اذا كان سيتمكن من الفرار الى دولة اخرى ليبدأ قصة جديدة، ام ان القوات الخاصة الاميركية ستتمكن من القبض عليه لجره الى محاكمة هوليوودية، ام تنتهي حياته نهاية درامية قتلا او انتحارا.
ورغم ان هذا الفصل هو الاكثر تشويقا واثارة في الفيلم الطويل، الذي حبس الانفاس وخطف الانظار منذ 11 ايلول الماضي، فان زحمة التساؤلات عن الهدف المقبل في مسار "مكافحة الارهاب" الذي وعدنا الرئيس جورج بوش بأنه سيستمر عشر سنين، بدأت تطغى على كل ما عداها وبدأ شد الاعصاب: من هي الضحية الثانية بعد افغانستان؟ أهي الصومال السائبة ارضه والغارق في الفوضى والذي خصته واشنطن بلائحة كاملة من اربع صدرت حتى الآن وكرست للارهاب والارهابيين؟ أم هي العراق الذي لم تفارق الطائرات الحربية الاميركية والبريطانية اجواءه والذي يشكل مادة دسمة لكل انواع الاتهامات؟ ام هي "حزب الله" وحركتا "حماس" و"الجهاد الاسلامي" والمنظمات الفلسطينية الاخرى التي تضغط اسرائيل بكل قوتها من اجل استهدافها وتلقى هذه الضغوط آذانا صاغية واستجابة واضحة في اللوائح الاميركية؟
قد يبدو الصومال، الذي لا حول له ولا قوة، الفريسة الاسهل نظرا الى عزلته الدولية والعربية والافريقية والى تنامي نفوذ "الاتحاد الاسلامي" فيه الذي تعتبره واشنطن حليفا رئيسيا لـ"القاعدة" ومسؤولا عن العملية الدموية التي اودت بحياة اكثر من 18 جنديا اميركيا وجرح عشرات آخرين هناك قبل بضع سنوات. لكن هذه الطريدة، رغم موقعها الاستراتيجي في زاوية القرن الافريقي والقريب من آبار النفط الجديدة، في جنوب السودان، فانها باهتة لا تبعث الحماسة في نفوس الرأي العام ولا في نفوس الشركاء ولا تجذب التحالفات الضرورية سياسيا. وعلى نقيض ذلك، فان العراق يشكل الطريدة الاكثر اغراء بموارده وامكاناته ليس فقط لواشنطن بل لآخرين كثر وفي مقدمهم بعض جيرانه الطامعين بجزء من نفطه او الطامحين الى التخلص من نظامه. واذا كانت الادارة الاميركية لم تجد خيطا واضحا يربط بين بغداد وهجمات 11 ايلول، فان هذه الادارة وحلفاءها بدأوا يركزون على برامج الاسلحة الكيميائية والبيولوجية للعراق باعتبارها خطرا جديا على الامن الدولي.
بيد ان العراق ليس افغانستان ومبررات ضربه عام 1991 ليست كمبررات ضربة سنة ،2001 والحرب عليه دونها عقبات تتخطى ايجاد الذريعة الى المس بالوضع في العالمين العربي والاسلامي برمته.
وما ينطبق على العراق ينطبق اكثر على "حزب الله" و"حماس" و"الجهاد الاسلامي" المحشورة اسماؤها حشرا في لوائح الارهاب الاميركية. ذلك بان واشنطن، التي تتصرف كأنها تدرك حساسية القضية الفلسطينية وانعكاساتها السلبية ليس فقط على الشرق الاوسط بل على العالم كله، لن تغامر بشن حرب مباشرة على هذه المنظمات تقضي على كل ما تبقى لها من رصيد في هذا الجزء الكبير من العالم. بيد ان هذا الادراك لن يحول& دون وقف الضغوط على الفصائل المقاومة والدول التي تحتضنها وترعاها، لا بل سيستمر ويتصاعد ويرفق بتدابير عقابية مع كل حديث عن تقدم نحو ايجاد حل للصراع العربي - الاسرائيلي. واذا كانت واشنطن باتت تعتبر ان مفتاح تهدئة المشاعر المعادية لها في هذه المنطقة يكون باقامة دولة فلسطينية، فانها تعمل في الوقت نفسه كأن هذا& الحل لن يمر من دون ثمن. والحل المرضي لها هو الحل الذي يرضي اسرائيل ايضا، اي ضمان امن هذا الكيان وتأمين الحماية له، وهذا لن يكون الا بانهاء روح المقاومة والرفض لدى الطرف الآخر.
وهكذا، فان واشنطن تلوح من جهة للفلسطينيين بجزرة اقامة الدولة وتجميد الاستيطان وترفع في المقابل عصا وقف العنف تماما، اي اخماد الانتفاضة تماما وقمع المنتفضين، وتربط اي تقدم على طريق الدولة بالتقدم في تصفية الوجود المقاوم. وبهذا الربط يصير المطالبون باستمرار الانتفاضة بمثابة الاعداء للدولة الموعودة الذين تسهل محاربتهم داخليا وخارجيا ويسهل عزل مؤيديهم وحاضنيهم.
وتحت ستار تحقيق الحل المنشود، تصير كل عمليات تصفية الحسابات القديمة والجديدة واعادة رسم الخرائط في الهلال الممتد من الصومال الى العراق ممكنة ومن دون اثارة غبار... بيد ان الحل المنشود لن يتحقق ما لم يضمن للدولة الفلسطينية سيادتها وقدسها وعودة لاجئيها. وحتى الآن، لا شيء في السلوك الاميركي يشير الى ذلك.(النهار اللبنانية)
&