* الامن الغربي يمتد من باكستان شرقا الى المغرب غربا
* حرب مستمرة حتى اقتلاع آخر حصن تعليمي للارهاب
&
لندن- اجمعت مصادر عديدة في تقارير تابعتها "ايلاف" على ان الحملة الغربية الراهنة ضد الارهاب ستتوالى فصولا حتى اجتثاث التشدد الديني اينما كان، وهذا حسب تلك المصادر لن ينتهي عند حدود انهاء حركة الطالبان او تنظيم شبكة (القاعدة) الارهابية بزعامة المنشق السعودي اسامة بن لادن.
وقالت المصادر لـ "ايلاف" ان الدوائر الاستراتيجية الغربية ترصد منذ سنوات عديدة تحركات الجماعات الاسلامية المتشددة على امتداد العالم الاسلامي منذ عقود ثلاثة، وهي تتابع مدارسها وتعتقد ان مهمة الحرب ضد الارهاب لن تنتهي حتى انهاء تلك المدارس والمعاهد على الساحة الاسلامية.
اميركا تحذر
ونبهت الى ان الولايات المتحدة حذرت حتى من قبل انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي والكتلة الاشتراكية من ان الامن الغربي يمتد من حدود باكستان شرقا حتى المغرب العربي على ساحل المحيط الاطلسي غربا.
وقالت ان هذه السياسة ظلت قيد التنفيذ، كما انها ظلت تراوح مكانها في احيان كثيرة نظرا للتغيرات السياسية والظروف الاستراتيجية التي كانت تظهر هنا هناك، وهي عوامل أخرت الحسم في هذه المسألة الى هذا الوقت الذي تفاقمت فيه الامور الى حد وصول الارهاب الى الساحة الاميركية، وساحات اوروبية اخرى وكذلك ساحات عربية معتدلة.
واشارت المصادر في تحقيقات لـ"ايلاف" الى ان سقوط الطالبان التي حكمت افغانستان على نهج ظلامي للسنوات& الخمس الماضية لا يعني بحال توقف المعركة التي ستستمر حتى تسقط بذلك الفلسفة والممارسة التعليمية التي استمدت منها هذه الحركة وغيرها من حركات التشدد دورها.
دور الهند
وتشير تلك المصادر الى انه على امتداد العالم الاسلامي وخصوصا في جنوب آسيا التي تضم حوالي مليار مسلم نشأت حركة التشدد استنادا الى معطيات وخلفيات سياسية وثقافية عاشتها المنطقة وخصوصا الهند في العهد الامبراطوري البريطاني في القرن الثامن عشر.
وقالت ان الحركة تناغمت في نفس النسق والتزامن التاريخي مع ظهور حركات في الغرب الاسلامي في مناطق مثل الجزيرة العربية، مع الاختلاف في الاسباب والظروف السياسية.
وعلى الرغم من البعد الجغرافي وتباعد الظروف الا ان التشدد اخذ طريقه عبر مدارس ومعاهد بدأت تتحد في المنهاج التعليمي وتتوحد في الاساليب مختارة اهدافا سهلة لتنفيذ مآربها من الاطفال والاجيال في مقتبل العمر.
ولفتت المصادر الانتباه، الى انها رصدت تطور حركة التشدد الاسلامي في بلد مثل الهند على سبيل المثال من سنوات عديدة، ووجدت اسبابه ومبرراته التاريخية، وقالت انه تحت هذه المبررات فان مدارسه انتشرت هناك وفي باكستان المجاورة بالالاف.
15 ألف مدرسة تفريخ
وقالت ان هناك ما يزيد على 15 ألف مدرسة في جنوب آسيا الاسلامية منها 9 آلاف انشئت في الستينيات من القرن الماضي للعودة في الاسلام الى "مناهج سلفية متشددة لا تقبل التعايش مع الحضارات الأخرى او التفاهم معها".
واشارت الى ان هذا النمط من المدارس الذي يختار دارسيه من سن الخمس سنوات حتى سن الخامسة والعشرين وجد في الهند اساسا بل قرنين من الزمان، وانتقل الى باكستان ونغلاديش وماليزيا واندونيسيا ثم الى مناطق في العالم العربي مثل المملكة العربية والسعودية والأردن واليمن ومصر والجزائر والمغرب وليبيا وفلسطين.
وكانت توفرت لـ"ايلاف" معلومات من بلد عربي مثل السعودية على سبيل المثال وهي تتشابه تماما مع ما افادت به المصادر الغربية من حيث ممارسات تلك المدارس التعليمية، ومعلوماتنا تشير الى اسباب مظاهر العنف والتطرف الفكري والسلوكي الذي يعاني منه الكثير من الشباب السعودي.
وفي احاديث مع عدد من المهتمين السعوديين تبين ان هذه السلوكيات كانت نتيجة الى عدة عوامل من اهمها المدرسة بمناهجها وطرق تدريسها.
اكاديمي سعودي يتحدث
وقال اكاديمي سعودي "سأتوقف عند جانب واحد ظهر في السنوات الأخيرة ويظهر انه يغذي الارهاب ويرعاه من خلال برنامج يسمى برنامج النشاط المدرسي ولاسيما في المدارس المتوسطة والثانوية".
واشار الاكاديمي الى ان منهج بعض المدارس سيطر على عقول الطلاب وسخرهم ليكونوا ادوات متحركة "في ايدي عصابات من المدرسين ومن غيرهم من الاشخاص نذروا انفسهم لهذه المهمة".
ويتابع القول "مظاهر استراج الشباب كثيرة الى تلك المدارس والنوادي الدينية وتحت مسميات عديدة في ظاهرها حق وفي باطنها باطل، بعضها يسمى نادي تحفيظ القرآن الكريم والآخر نادي النشاط المدرسي الى غير ذلك من التسميات".
وقال "والمهم ان هؤلاء المدرسين او خلافهم يحرصون على الالتقاء وتجنيد الطلاب المتميزين، ثم يضعون لهم برامج معينة تتضمن وجبات غذائية ودروسا دينية في المدارس تليها دروسا دينية خارج المدرسة اما في المساجد او في مخيمات خاصة خارج المدن".
عوامل جذب
واضاف "هذه البرامج تتضمن درس بعض الآيات القرانية ثم تفسير لبعضها ويتلو ذلك برامج من الفكاهة واللعب وتبادل النكات ويتلو ذلك لقاء مع احد الشيوخ".
وقال الاكاديمي "وهذا الشيخ يبدأ في اعطاء التعليمات للطلاب من حيث لمن يقرأون من الكتاب والكتب وما لايقرأون، مؤكدا لهم ان من يخالف تعليماته فانما هو مخالف للبيعة".
والبيعة هذه اما ان ان تكون من الطالب الى معلمه او اميره الديني في الجماعة، وان خالفه الطالب فانه سيطرد من الجماعة وربما يرسب في المدرسة بسبب الضغط النفسي والعصبي الذي يوجه اليه من المدرسين.
الصورة مشرقة
ويشير المصدر الاكاديمي السعودي "للوهلة الأولى نعتقد ان هذا الأمر من صالح ابنائنا وحفظا لهم الفساد، ولكن لو تابعنا المنشورات الصادرة فاننا نكتشف في نهاية المطاف اننا امام اشخاص يمثلون عصابة تدير هذه الجماعات وتنفق عليها اموالا طائلة في الرحلات والمخيمات والجوائز وغيرها".
وهذه العصابات تخطط لسلب عقل الطالب والتغرير به ليتبع شيخه او اميره الديني من دون اعتراض، وفي النهاية يصبح ضحية له يمكنه من خلالها الزج به في أي عملية تخريب بعد ان يقنعه بان ما يفعله الطالب هو جهاد في سبيل الله.
وتلاحظ المصادر الغربية ان المنشق السعودي اسامة بن لادن وقت ان كان طالبا جامعيا متميزا بالهدؤ وقع ضحية شيخ من هذا النوع وهو طالب في جامعة الملك عبد العزيز وهو الذي اقنعه بضرورة الانخراط في الحرب ضد الغزاة السوفيات في افغانستان ومعه مئات من الشباب السعودي والعربي ايضا من الاردن والامارات والكويت واليمن وفلسطين ومصر وتونس والسودان والجزائر.
زرع الفكر الارهابي
وفي مراحل من هذا القبيل وفي تربية من هذا النوع بعيد ا عن وصاية الأهل اصبح المجال خصبا لزرع الفكر الارهابي لدى شباب في مستهل العمر ليكونوا قادة المستقبل للقيام بالدور نفسه للسيطرة على عقول الناشئة واستدراجهم لتستثمرها هذه العصابة متى شاءت.
وتقول المصادر الغربية امام "ايلاف" ان هذا النوع من التوجه المدرسي المنتشر في دول الشرق الأوسط وجنوب آسيا الاسلامية وضع اهداف ينفذها كلما لاحت له الفرصة في مواجهة الانظمة المعتدلة في المنطقة وغيرها من الدول كالولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى على اعتبار انها كافرة "وتخرج على طاعة الامام".
رصد ومتابعة
وقالت "وهذا ما حدث في مناسبات عديدة في السنوات العشرين الاخيرة"، مشيرة الى ان هذه الحركات والتحركات كانت غير بعيدة عن الرصد والمتابعة.
واضافت ان عددا من الحركات الاسلامية التي استمدت شرعية بحكم الانتماء الى الدين الاسلامي والشعارات التي تطرحها مثل حركة الاخوان المسلمين وحزب الدعوة وحزب التحرير وحركة التكفير والهجرة استفادت من هذا النوع من التثقيف المدرسي لتبدأ كل واحدة منها في تجنيد الاعداد الكثيرة من الشباب في صفوفها.
وعلى خلفية ذلك قامت حركات مسلحة تدعي لنفسها مسؤولية تحرير العالم الاسلامي من الانظمة (الفاسدة) المتحالفة مع اعداء الأمة من النصارى واليهود، وبدأت هذه الحركات السياسية المدعومة بالسلاح تعطي لنفسها اصدار الفتاوى الدينية التي لا يقرها الشرع الاسلامي، مستفيدة من بعض الآيات القرآنية والاحاديث النبوية التي تحض على الجهاد المقدس.
التفاعلات السياسية
واشارت المصادر الى ان التفاعلات السياسية في منطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا واوضاع البوسنة والهرسك والشيشان وافغانستان اعطت لهذه الحركات شرعية ما كان لها ان تتميز بها مستغلة في ذلك مبادىء الدين الاسلامي الحنيف متناسية سماحته وعدالته وحضارته العالمية.
وقالت المصادر الغربية ان الحرب الراهنة ضد الارهاب، كما صرح مسؤولون عديدون في عواصم الغرب وناصرهم فيها قادة الدول الاسلامية جميعا "لا تعتبر حربا ضد الاسلام، وليست هي حرب بين الاسلام والمسيحية او الغرب، وليست هي حرب بين الحضارات، انما هي حرب ضد جهة واحدة هي شبكات الارهاب التي اتخذت من الاسلام وسيلة لتنفيذ مآربها ضد الجميع".
الطالبان رأس الحربة
واعادت المصادر في حديثها الى "ايلاف" الى الذاكرة ان حركة الطالبان اصبحت (رأس الحربة) التي تمثل التشدد والتف حولها على سبيل المثال تنظيم (القاعدة) بزعامة اسامة بن لادن، الى جانب حركات اخرى من مثل الحركات الاسلامية المتشددة في الجزائر وليبيا والسودان والأردن واليمن والشيشان والبوسنة، حتى ان الجميع اصبح واحدا في توجهاته واهدافه.
وقالت "ومن هنا يأتي تبرير هذه الحرب ضد هضه الحركات وضربها في الصميم، وسيطال ذلك تلك المدارس المنتشرة في طول البلاد الاسلامية وعرضها تحت تسميات ومسميات عديدة ومختلفة".
مدارس منذ قرنين
ومن خلال الدراسات المتوفرة عند "ايلاف"، فان ملايين من ابناء الجيل الاسلامي المتشدد تربوا تعليميا في مدارس كانت نشأت في الهند قبل قرنين من الزمان وظلت قائمة تنمو وتنشر حتى اصبحت تقدر بالالاف الآن.
وهذه المدارس نشأت في البدء في مدينة "ديوباندي" الهندية قرب نيودلهي في القرن التاسع عشر، وكان انطلاقها كمدارس لما بعد الدراسة التمهيدية تعتمد نهج السلف المتشدد في التعليم الديني.
ونشأت اول مدرسة في تلك المدينة الهندية (على بعد 90 ميلا شمال شرق نيودلهي) بثلاثة الآف طالب كانوا حسب المصادر الاكاديمية يمارسون قبل قرنين نفس ما تمارسه حركة الطالبان وانصارها في الوقت الراهن من ممارسات في طريق العيش واللباس واطلاق اللحى ورفض كل المناهج والعلوم الغربية بما فيها اللغة والثقافة.
كلية التفريخ الاهابي
وعلى خلفية تلك المدارس في ديوباند تأسست كلية العلوم التي تخرج من فروعها المنتشرة في باكستان جماعة الطالبان التي احتلت الاراضي الافغانية وحكمتها منذ 1996 وحتى سقوطها الاسبوع الماضي.
وفي تلك الكلية التي تعتبر مصنع التفريخ الارهابي تكمن زعامة التشدد في العالم الاسلامي عبر مبادىء ومناهج تعليمية خاصة تزعم انها مستمدة من القرآن الكريم الذي اصبحت تفسره على هواها وحسب اهدافها الخاصة لتنفيذ مخططاتها.
ورد اساتذة اسلاميون متخصصون في الهند وباكستان والسعودية في الأوان الأخير وخصوصا بعد فتاوى اسامة بن لادن والملا محمد عمر المتشددة والداعية الى قتل الابرياء وابناء الأديان الأخرى بالقول ان القرآن الكريم واضح لايبلغه قول أحد في الكلام الالهي القائل "ومن قتل نفسا بغير ذنب فكأنما قتل الناس جميعا".
واضاف هؤلاء الاساتذة وجملة العلماء ان النبي محمد (ص) تعايش في واحدة من الفترات مع اليهود والنصارى الذين يطالب بن لادن وجماعة الطالبان بقتلهم تحت شعار (الجهاد المقدس).
تكميم الارهاب ومدارسه
وتشير المصادر الى انه لهذه الاسباب واسباب اخرى سيكون لها اثارها الخطيرة على الحضارة العالمية التي للاسلام دور كبير في ادامتها وبنائها فان الحرب مستمرة لاجتثاث هذه المارس ومناهجها التعليمية من اساسها وتكميمها الى الأبد.
وقالت "ولهذه الاسباب فاننا نرى ان بلدا سلاميا مثل باكستان وكذلك حال الهند التي يعيش فيها اكثر من مائة وخمسين مليون مسلم وضعتا خطوات ناجعة لاصلاح نهج هذه المدارس التي يقدر ععدها بالالاف على اراضي الدولتين".
وكانت دار العلوم التي تعتبر المحرك للنشاط المتشدد في الهند في العام 1876 على ايدي مجموعة من العلماء المتشددين الذين ثاروا على الامبراطورية البريطانية التي كانت تحكم الهند آنذاك، وهي منذ ذلك التاريخ الى اللحظة لم تغير ولم تبدل في مناهجها التعليمية او الفكرية.
الرفض الشامل للعالم
وهذه المناهج ترفض الجديد في السياسات العالمية في أي مرحلة تاريخية، وترفض أي تحديث حياتي مهما كان، وترفض اختلاط الجنسين، وترفض تعليم النساء وتصر على عزلهن عن المجتمع وابقائهن تحت البرقع.
ويعتبر الاب الروحي الى هذه الجماعة، الاسلامي الهندي محمد قاسم نانو نفي وكان من جملة اهدافها هو الثأر لتدمير الامبراطورية المغولية الاسلامية على ايد جند الامبراطورية البريطانية اثناء مرحلة استعمار الهند.
ومنذ بدايات تأسيسها قامت الجماعة التي تعتبر الطالبان حفيدتها، بمجازر ضد مواطنيهم الهندوس على اعتبار انهم يقدسون الاضرحة والمعابد والاولياء متهمة اياهم بالكفر والالحاد، وهذا ما فعلته الطالبان حين دمرت قبل شهور تماثيل بوذا في باميان في شرقي البلاد.
التاريخ يعيد نفسه
واذ ذاك، فانه ليس غريبا ان يعرف ان من تعليمات مدارس ديوباندي منع قراءة الصحف والمجلات والمطبوعات على اختلاف انواعها وحظر الاستماع الى الموسيقى ومنع مشاهدة التلفزيون والاستماع الى الاذاعة ورفض العلوم الغربية على اختلاف انواعها وتكثيف شعر اللحى ولباس النساء للبراقع.
وتمثل الطالبان في مناهجها النسخة القديمة غير المعدلة لمدارس ديوباندي، والمشكلة انها لاتضع البديل، وهذه السياسات ما اختطته في حكم افغانستان وحاولت مع شبكة بن لادن تعميمه على العالم الاسلامي كله بالحديد والنار.
واخيرا، فان الافا من خريجي مدارس ديوباندي التي تحمل اسماء عديدة في الهند وباكستان وجنوب آسيا وبعض الدول العربية اعلنوا في الحرب الأخيرة عن التطوع للقتال الى جانب الطالبان ومن جملتهم مسلمون من دول اوروبية ومنها بريطانيا،
من هنا فان الحرب كما قالت المصادر الغربية طويلة ومستمرة ضد الارهاب الممثل في تلك المدارس ومناههجها وخريجيها سواء بسواء.