لندن- اعتبر عدد كبير من الخبراء ان الحرب ضد الارهاب عدلت بشكل جذري طبيعة العلاقات الدولية حيث ظهرت تحالفات جديدة كانت حتى الامس القريب مستبعدة تماما. فقد استؤنف الحوار مجددا بين بريطانيا وايران، وعادت الحرارة الى العلاقات بين موسكو وواشنطن، واصبح الرئيس الباكستاني برويز مشرف حليفا ثابتا لنظيره الاميركي جورج بوش الذي كان يجهل اسمه قبل بضعة اشهر.
&وفي هذه الاجواء المستجدة يتحدث بعض الخبراء عن نظام عالمي جديد فيما يفضل آخرون سياسة الحذر. لكن الجميع متفق على نقطة واحدة وهي ان التحالفات والخصومات التقليدية قد انقلبت بشكل عميق. ويحلل انوش احتشامي الاستاذ في جامعة دورهام (شمال شرق بريطانيا) بالقول "نحن ندخل بالفعل نظاما عالميا جديدا يختلف عن نظام 1991" الذي نجم عن حرب الخليج في 1991.
&وراى هذا الخبير انه "نظام عالمي جديد يدرك نفسه اكثر. وان مسائل مثل التوازنات الاقليمية او المسؤولية الجماعية للاسرة الدولية باتت اليوم مطروحة للمناقشة من دون اي تحفظ، بينما لم يكن يتم التطرق اليها قبلا". اما دونالد كاميرون وات، الخبير في العلاقات الدولية، فيجد في هذا النظام الجديد "مرحلة جديدة" اثر انهيار جدار برلين في 1989 الذي طبع نهاية الحرب الباردة. وراى ان هذه العلاقات الجديدة تعود الى وجود مصلحة لدى الدول المعنية ولا تقف وراءها دوافع انسانية.
&واعتبر ان مدى الاعتداءات الارهابية التي استهدفت الولايات المتحدة في الحادي عشر من ايلول/سبتمبر اصاب "بالذعر" عددا كبيرا من المسؤولين الذين ادركوا فجأة ان مصالحهم التجارية والمالية او غيرها، مهددة. واضاف كاميرون وات "هذا هو السبب الذي سايرت الصين وروسيا وحتى ايران بعضها البعض من اجله". وقال ان ذلك حدث "ليس لان (هذه الدول) تعتقد ان عليها التعاون في ما بينها وحسب، وانما ايضا لانها تشعر انه لا يمكنها المراوغة في مثل هذا الوضع".
ويجمع راي الاختصاصيين تقريبا على ان الرئيس الباكستاني هو المستفيد الاكبر من اعادة خلط الاوراق هذه. وكان الجنرال مشرف الذي قاطعته الاسرة الدولية اثر تسلمه السلطة في 1999 في اعقاب انقلاب عسكري وخاصمته لتقديمه الدعم لنظام طالبان في افغانستان، قطع الجسور مع الميليشيا الاسلامية الافغانية في غمرة اعتداءات الحادي عشر من ايلول/سبتمبر. وقد قام بذلك على الرغم من المغامرة بحمل قسم من ابناء وطنه المسلم على معاداته.
واتضح لاحقا ان انضمامه الى حملة مكافحة الارهاب بقيادة الولايات المتحدة مدفوع الثمن: فقد استقبل "الجنرال الانقلابي" في العواصم الغربية ورفعت واشنطن عقوباتها المفروضة على باكستان وقررت الدول العظمى صرف مساعدات ضخمة له، منها 600 مليون دولار من قبل الولايات المتحدة وحدها. وسمحت الحرب في افغانستان ايضا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالتقرب من جورج بوش، وضاعفت الولايات المتحدة جهودها بغية اعادة تحريك عملية السلام في الشرق الاوسط.
&ودعا توني بلير من جهته الى اعادة النظر في العلاقات بين روسيا والحلف الاطلسي. ومع توالي الخطابات حول السياسة الخارجية، رسم بلير بلهجة شاعرية احيانا، رؤيته الخاصة لنظام عالمي جديد يقوم من بين انقاض مركز التجارة العالمي. وتوقف بلير اثناء جولاته الدبلوماسية المتعددة في عواصم عدة كانت فيما مضى غير مرغوبة، مثل ايران او سوريا. ولكن كريس براون، الاستاذ في معهد لندن للعلوم الاقتصادية، راى انه لا يزال من المبكر بعض الشيء التحدث عن نظام عالمي جديد.
&وقال ان الازمة الحالية "رسخت بعض العلاقات وعززتها، ولكنه لا وجود، على حد علمي، لاي مثل يمكننا التحدث بشانه عن ثورة دبلوماسية حقيقية". الا ان انوش احتشامي لا يجاريه الراي. وقال ان احد ابرز نتائج اعتداءات الحادي عشر من ايلول/سبتمبر باتت من الان فصاعدا ان واشنطن "لم يعد يمكنها فعلا ان تسمح لنفسها بتجاهل العالم الذي يحيط بها، وان ادارة بوش بصدد اخذ العلم بذلك".