&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&& عباس بيضون
الدائرة المربعة، او "تربيع الدائرة" اسم له مصادر عدة ولا أعرف من أين جاءت به كريستين طعمة عنوانا لمعرض المصريين الستة على درج الفن في الجميزة. معرض المصريين الستة لكنه ايضا معرض البيت اللبناني القائم في ركن الدرج، البيت بمسالكه اللطيفة والمنمنمة على جنب الدرج الذي ينساب حرا عريضا لماعا بتكسراته الناعمة التي هي ايضا تكسرات ضوئية ونغمية. بيت ودرج. البيت أشبه بمحطة على جانب الدرج الذي يبدو وكأنه بساط مسحوب ويكاد يطير. البيت صندوق فرجة وستدخل الى ضوء او الى عتمة، ما هم لكنك سترى لوحات كبيرة مصنوعة من صحف مطوية، صحف تصنع صحفا، صحف تتحول الى مجسم صحيفة وتغدو مجددا نقاطا وأحرفا وسطورا وصورا، في غرفة ثانية تدخل الى قمصان العنف. العنف الابيض المكتوم الذي ليس الا ضربة الفأس المسموعة بوضوح خانق، في غرفة ثالثة لوحة هائلة لكنها نوع من لعبة سلم وحية، بازل شاسع من صور نساء، نساء في الغالب بكاميرا مسرحية اكزوتيكية. نساء في اوضاع مصطنعة غالبا، في ازياء ومواقف غريبة، انهن يلعبن، يلعبن، انهن دائما أمام المرآة وتحت القناع، يخلقن من أجسادهن أجسادا ومن وجوههن وجوها ومن شخصياتهن شخصيات اخرى. انك في اللعبة تصعد وتهوي. تصعد الى حيث لا قمة، تهوي الى حيث لا حضيض، الفريسك ينتهي ولا ينتهي. تستمر السلالم في الصعود والافاعي بالهبوط والبازل في الدوران، النساء يصعدن ويهبطن، يتبادلن الامتعة والاوضاع، يلعبن ويمسرحن أنفسهن طوال الوقت، في غرفة رابعة مخيلة جنائزية. اننا في مسرح جنائزي كامل، صور الجدة، التابوت والأبناء على الشاشة يتحدثون عن الجدة الغائبة، طقس موت لكنه ايضا طقس حب وعائلة وتقاليد دينية وشعبية.
في الطابق الثاني ستدخل الى ظلمة غامرة، ثلاث شاشات على أولها امرأة تتقلب في نومها وينكشف الغطاء عن اجزاء من جسدها، على الشاشة الثانية والثالثة رجلان يغطان وثمة ليل وغطيط عال وشخير يملآن القاعة. نوم.. نوم والمرأة تتقلب في نومها وينكشف الغطاء عن جانب من ساقها. والداخل يشعر، انه في مملكة النوم. اما الغرفة الثانية فهي للمولد او للزار، ثلاث شاشات، على واحدة منها ترى المولد بكاميرا بطيئة ترى العيون والشفاه تتفتح على مهل وتعابيرها تتكوّن على مهل أيضا، على الشاشة الثانية نرى بكاميرا سريعة يتحول معها المولد الى جيرك وموسيقى صاخبة ورقص حديث. على شاشة ثالثة مدينة تمر صورها.
لا أعرف ما الذي يتكون من اجتماع ذلك كله، لكن ذلك المنزل العلبة على درج الفن في الجميزة حمل في غرفه الكثيرة او تلافيفه الكثيرة تلك المشاهد التي كانت، كل واحد في عزلته، تطل على بعضها البعض وفي كل مرة، ثمة سرعة ملزمة، ثمة وقت حارس، ثمة رصد ما لكي لا تقع الفتاة تحت الفأس، لكي لا تتناثر الاقنعة وتدخل بصياح وتهريج الى غرفة الموت لكي لا يتحول المولد نوما عميقا او يتسارع بحيث يقلب المدينة والصور والناس والاقنعة والموتى والفؤوس في كل ناحية. (عن "السفير")