&
مثلما أثارت الحرب ضد "طالبان" جدلا داخليا ايرانيا حول الموقف من الحرب والحوار مع واشنطن، فان مرحلة ما بعد "طالبان" تشهد مواقف ومناقشات ايرانية ساخنة تتمحور هذه المرة على السياسة الواجب اتباعها في هذه المرحلة وضرورة تعويض "الكسل" الديبلوماسي الايراني حيال الملف الافغاني خلال مرحلة ما قبل طالبان.
اللافت ان أوساطا سياسية واعلامية اتخذت مواقف متباينة بين مرحلتي طالبان، وما بعدهما. فالاعلام المرئي والمسموع الخاضع لتيار اليمين، كان يهاجم العمليات العسكرية الاميركية ويتخذ موقفا متحفظا من تحالف الشمال، الا انه غيّر موقفه بدعم هذا التحالف بعد انتصاره بفعل الضربات الجوية الاميركية، وبدأ هذا الاعلام يطلق على تحالف الشمال اسم حكومة افغانستان الاسلامية. هذا الموقف تعرض للانتقاد من اوساط محسوبة على الاصلاحيين، رأت في نتائج حرب افغانستان فرصة للحديث عن عاقبة "التيارات المتشددة" التي "لا تستند الى رأي الشعب"، اذ كان في مشاهد انقلاب الشعب الافغاني على القيود الطالبانية على المرأة والشباب، مادة تلميحية استخدمها الاصلاحيون في التحذير من عواقب التضييق والتشدد.
***
رسميا بدت الديبلوماسية الايرانية ناشطة منذ تم تبادل المواقع بين طالبان وتحالف الشمال، وهو ما أتاح لطهران استعادة دورها في الملف الافغاني، مع بعد موضوعي أكثر وضوحا هذه المرة، ربما من اشكاله التركيز على التنسيق مع الجانب الباكستاني المعني المباشر الآخر بالوضع الافغاني.
بين المواقف الصادرة في طهران، بعد سقوط طالبان، كان لافتا هجوم الرئيس الايراني الاسبق اكبر هاشمي رفسنجاني على الملك الافغاني السابق ظاهر شاه، واعتبار عودته مؤامرة اميركية. وواضح ان هذا الموقف، ليس شخصيا من رفسنجاني ولا هو موجه ضد شخص ظاهر شاه بل يعبّر عن عدم ارتياح لدى الحكم في ايران، حيال عودة الملكية الى بلد مجاور لايران، بعد سنوات طويلة على اطاحتها. ومعلوم ان الحكم الاسلامي في ايران قام على انقاض حكم ملكي في ثورة عام .1979 وبالتأكيد فان ما رافق عودة ظاهر شاه الى دائرة الضوء من حديث عن قدرة الملكية على تأمين الاستقرار وتحقيق الامن الافغاني، يثير حفيظة الحكم الايراني، بالضبط كما يثير آمالا كادت ان تموت لدى أنصار الملكية في ايران بامكان عودتها يوما.
لكن الهواجس التي عبر عنها رفسنجاني لا تبدو منطلقة من فراغ. فأنصار الملكية خارج ايران ينشطون منذ أشهر، سياسيا واعلاميا، للترويج لمقولة مفادها ان الملكية يمكنها تقديم الحل الامثل لمشاكل ايران الحالية، هذا ما يوجهونه الى الداخل الايراني عبر منابرهم الاعلامية، وفي مقدمها محطات تلفزيونية فضائية موجهة الى الايرانيين، استطاعت - كما يبدو - استقطاب عدد كبير من المشاهدين، وهو ما دفع السلطات الى التشدد في تطبيق قانون منع الصحون اللاقطة بعد سنوات من التغاضي عنها.
خارج ايران، نشط انصار الملكية في الترويج لمقولات عدة تنسجم مع الحملة الاميركية لمكافحة الارهاب، وتقديم النظام الملكي كبديل من الحكم الاسلامي القائم في ايران. ووصل الامر ببعض رموزهم الى الادعاء ان ايران ضالعة في تفجيرات نيويورك وواشنطن وطالبوا باستهدافها.
مع وصول محمد خاتمي الى الرئاسة الايرانية عام ،1997 وعودة الحيوية الى الساحة الايرانية بظهور التيار الاصلاحي، تلاشت آمال انصار الملكية في احياء مشروعهم، الا ان تراجع تيار الاصلاح امام الضربات القاصمة التي وجهها اليمين الذي يمسك بمفاصل السلطة الاساسية، منح الملكيين أملا جديدا بامكان اللعب على التناقضات الداخلية وتقديم مشروع الملكية على أنه الحل السحري لكل مشاكل ايران الداخلية والخارجية، مستفيدين من سياسات محافظة ربما تدفع الكثير من أبناء الجيل الذي لم يعش العهد الملكي، بل يسمع عنه، لأن يتأثر بهذا الخطاب عبر قنوات اعلامية موجهة اليه من أنصار ذلك العهد. ولو قُدّر لظاهر شاه العودة على رأس نظام ملكي فسيكون درسا عمليا يعتمده دعاة عودة الملكية، لتدعيم مقولاتهم.
هجوم رفسنجاني على "احتمال" عودة ظاهر شاه يعني ان الهواجس الايرانية جدية. (النهار اللبنانية)