&
&

في الوقت الذي تشن فيه أميركا حملة واسعة لتحسين صورتها في العالمين العربي والإسلامي‏,‏ ويوجه الرئيس بوش تهانيه بحلول شهر رمضان‏..‏ كان قد أصدر قرارا يسمح بمحاكمة المشتبه فيهم في أحداث الثلاثاء الأسود أمام محاكم عسكرية‏.‏ وأصدر المدعي العام قائمة تضم ما يقرب من‏5000‏ شخص من العرب والمسلمين المقيمين في أمريكا لاستجوابهم حول وقائع ما جري في هذا اليوم المشهود‏.‏
المحكمة العسكرية شكلت خصيصا لغير الأمريكيين‏.‏ وطبقا للقرار الرياسي فهي محكمة استثنائية بكل المقاييس‏,‏ لا يحتاج المتهم أمامها إلي دفاع أو شهود أو أدلة‏.‏ وتعقد جلساتها في سرية بعيدا عن الرأي العام بدعوي الحرص علي سلامة القائمين عليها وتجنبا لإفشاء أسرار تتعلق بالأمن القومي‏.‏ والأحكام التي تصدر عن هذه المحاكم نهائية ولا تخضع للطعن أمام أي هيئة أخري داخل أو خارج أمريكا‏.‏
ومعني ذلك أن الرئيس بوش أو وزير دفاعه يستطيع أن ينفذ في أي شخص ـ غير أمريكي ـ تدعي أجهزة المخابرات الأمريكية أن له علاقة بأحداث‏11‏ سبتمبر‏,‏ حكم الإعدام أو السجن‏.‏ في محاكمات لن تختلف كثيرا عن تلك التي جرت في عهد ستالين أو التي نفذتها طالبان ضد خصومها‏:‏ شاه مسعود وعبدالحق‏.‏
يصدر الرئيس بوش هذا القرار مقترنا بقانون آخر لمكافحة الإرهاب‏,‏ وألقي القبض بمقتضاه علي أعداد كبيرة من العرب والمسلمين الذين يعيشون في أمريكا‏..‏ دون أسباب قانونية معلنة‏,‏ ودون أن يسمح لهم بالاتصال بذويهم أو بمحاميهم‏,‏ ودون أن تحدد الاتهامات الموجهة إليهم‏,‏ أو تخطر سفارات الدول التي ينتمي إليها بعضهم ممن لا يحمل الجنسية الأمريكية‏.‏ ومن بينهم عشرات يحملون الجنسية المصرية‏.‏
ويستند الرئيس بوش في هذا القرار إلي أن هؤلاء الإرهابيين مجرمو حرب لا يستحقون معاملة عادلة‏.‏ ولكنه في الوقت نفسه ـ وهذا هو المهم ـ يتيح للإدارة الأمريكية إخفاء أي أدلة تدين السلطات الأمريكية أو أي مواطن أمريكي علي علاقة بالتفجيرات وذلك في ظل شكوك لم يدحضها أحد باحتمال أن تكون الأحداث من تدبير منظمات أمريكية داخلية كما ثبت في تفجيرات أوكلاهوما‏.‏
وهرولت بريطانيا كالمعتاد وراء أمريكا بإصدار قانون جديد لمكافحة الإرهاب يقضي بإمكان سجن أي شخص مشتبه فيه بدون محاكمة وبدون طعن أمام أي جهة قضائية أو غير قضائية‏.‏
وربما يقال ردا علي ذلك أننا في مصر أو في الدول العربية عموما آخر من يحق له الكلام حول القوانين والمحاكم العسكرية والاستثنائية‏,‏ وأن محاربة الإرهاب تحتاج إلي إجراءات غير عادية‏.‏ ولكن القرار الأمريكي ينطوي علي عنصرية تفرق بين الأمريكي وغير الأمريكي أمام العدالة‏.‏ فضلا عن أن المحاكم العسكرية في أشد درجاتها عتوا تسمح للمتهمين بحضور محامين للدفاع عنهم‏.‏
وفي النهاية‏,‏ فقد أثبتت التجربة هنا وهناك أن اهدار العدالة وإخفاء الأدلة واللجوء إلي الإجراءات الاستثنائية‏,‏ لا يقضي علي الإرهاب بل ينشره‏.(الأهرام المصرية)‏