باريس ـ من سامي نزيه: يرى مسؤول غربي في باريس، ان التحذيرات التي ساقها مسؤولون اميركيون كبار في الايام القليلة الماضية للعراق، لا تستهدف فقط "تخويفه" وانما تعبر عن رغبة حقيقية في منعه من تطوير اية اسلحة كيماوية وبيولوجية، ولاسيما ان احتمالات ان يكون استأنف انتاج اسلحة دمار شامل، واردة منذ منعه مفتشي الامم المتحدة من العودة واستئناف عملهم على الاراضي العراقية, ويعتقد ايضا ان التحضيرات جارية على قدم وساق لنزع فتيل الارهاب من جنوب الصومال الذي تحول "الى افغانستان مصغرة",
وكانت مستشارة الامن القومي الاميركي غوندوليزا رايس اعتبرت ان صدام حسين "خطير جد" وان العراق سيكون الهدف المقبل للحرب ضد الارهاب، ثم جاء نائب وزير الخارجية الاميركي جون بولتون ليؤكد ان النظام العراقي يطور اسلحة بيولوجية,
والواقع ان التعبير عن القلق، لم ينحصر فقط بالولايات المتحدة من احتمال تطوير هذا النوع من الاسلحة، فالناطق باسم وزارة الخارجية الفرنسية فرنسوا ريفاسو، الذي اكد ان كل ترسانة اسلحة الدمار الشامل دمرت في العراق، اعرب هو الاخر عن خشية الدول الغربية من احتمال استنئاف العراق لتطوير اسلحة خطيرة في ظل غياب مراقبي الامم المتحدة,
ويبدو ان قضية مراقبة الاسلحة البيولوجية خصوصا (لكون الكيماوية سهلة التحقق وهناك نحو 50 مراقبا دوليا يعرفون تماما اين توجد المصانع الكيماوية في العالم عبر الاقمار الاصطناعية او من خلال عمليات مراقبة دولية)، تثير تباينات كبيرة بين الولايات المتحدة والكثير من الدول الاخرى، ولذلك فان باريس اكدت دعمها الكامل قبل يومين للمشروع الهنغاري، وتعبر اوساطها عن استياء ضمني يمكن تلخيصه بعبارة مسؤول فرنسي رفض الكشف عن اسمه، ويقول "ان واشنطن تريد ان نراقب الآخرين ولا تقبل ان تراقب حول هذا النوع منة الاسلحة",
ويبدو ان اوساطا اميركية فاعلة بدأت تتحرك للضغط على ادارة الرئيس جورج بوش بغية دفعها في اتجاه "عمل تأديبي" جديد ضد النظام العراقي "غير محدد"، وتستند الى تقارير "دقيقة" في شأن محاولات النظام العراقي تطوير الاسلحة الممنوعة (وقيل ان اسرائيل قدمت وثيقة في هذا الشان الى مسؤولين اميركيين رفيعي المستوى),
وكانت اوساط فرنسية كشفت عن تقرير اعدته الخارجية الاميركية في الفصل الاخير من العام الجاري، جاء فيه "ان العراق اعاد منذ نهاية حرب الخليج بناء جزء اساسي من بناه التحتية لانتاج الاسلحة الكيماوية، ويمكن لبعضها ان تحول سريعا الى انتاج مواد كيماوية عسكرية ، ولا سيما ان العراق كان انتج قبل عاصفة الصحراء كميات كبيرة من المواد البيولوجية العسكرية، وهو اعترف عام 1995 بما كان ينفيه سابقا لمدة 4 اعوام، وادعى انه دمر كل ما لديه، لكنه لم يقدم اي دليل دامغ على ذلك".
وهذا بالضبط ما عاد اليه ريفاسو قبل يومين، بقوله ان من الصعب معرفة ما يجري في العراق في ظل غياب المراقبين وان "ثمة ظلالا كثيفة تغشى هذا الملف"، مشددا في الوقت نفسه على صعوبة التحقق من اهداف انتاج المواد البيولوجية، اي معرفة ما اذا كانت ستستخدم لاغراض مدنية ام عسكرية, ولذلك فان باريس تطالب باتفاق دولي ذي آليات محددة وواضحة في اطار اتفاقية جنيف,
واذا كانت الاوساط الفرنسية المتابعة للملف العراقي، تشير الى ان بغداد لم تستخدم سابقا الاسلحة الضخمة التي كانت لديها في خلال عاصفة الصحراء (11131 الف رأس كيماوي و 6920 قذيفة ذات غاز سام وما لا يقل عن 280 طن من غاز الخردل و8500 ليتر من مادة تشبه الجمرة الخبيثة و2200 ليتر من المواد البيولوجية,,, وغيرها) ، فان مسؤولا عسكريا غربيا في باريس يعتقد بان صدام قد لا يتردد في اللجوء الى هذا النوع من السلاح لو شعر فعلا بان نظامه مهدد هذه المرة,
ورغم القلق من تفتت العراق لو تم ضرب النظام العراقي مباشرة، ورغم اعتقاد البعض بان واشنطن تريد ابقاء صدام "لتخويف" الاخرين به، "حيث قدم لها ما لم يقدمه اي عميل آخر لها" من مبررات التدخل في المنطقة، وفق المسؤول نفسه، غير ان المتابعين للملف يقولون ان "الجناح المتشدد" في الادارة الاميركية قد يكون بصدد التفكير جديا هذه المرة باضعاف النظام العراق الى اقصى حد كمقدمة لاسقاطه، حتى ولو ان المتابعين انفسهم يعتقدون ان القضية ليست آنية وانما ستبدأ بالظهور على مراحل، وان مرحلتها الاولى قد لا تتأخر، ذلك ان الاطار الدولي العام مناسب للتحرك الان وان صدام كفيل بايجاد مبررات تمنع تحفظات البعض (على غرار روسيا او الصين مثلا), ويعطي المراقبون الغربيون مثالا على ذلك اطلاق قذيفة اخيرا على الكويت,
ولماذا الصومال ؟
اما بالنسبة الى الصومال، فالقضية لها علاقة مباشرة بما حصل في افغانستان، ويبدو ان القوات الاميركية والجيبوتية كانت اجرت اخيرا مناورات في جيبوتي لهذا الهدف، وان دولا كاثيوبيا واريتريا وفرنسا تتعاون مع الولايات المتحدة في هذا السياق,
وتستند هذه التحركات الى معلومات كانت قدمتها فرنسا اخيرا الى الولايات المتحدة (عن مراكز المراقبة التابعة لها في جيبوتي عند تخوم الصومال)، وتفيد بان حركة غير اعتيادية حصلت بين افغانستان وجنوب الصومال خلال وبعد الاعتداءات على الولايات المتحدة في 11 سبتمبر الماضي,
وقد اضيف هذا الامر الى الشكوك والمعلومات الكثيرة المتوفرة لدى واشنطن في شأن تحويل جنوب الصومال الى قاعدة فعلية لدعم شبكات اسامة بن لادن وتنظيم "القاعدة"، بحيث انتقل مركز الثقل في السنوات الماضية من السودان واليمن الى البلد العربي الافريقي نظرا لتفكك نسيه الاجتماعي وفوضاه الامنية والسياسية,
وكانت الولايات المتحدة فقدت 18 من جنودها في ابشع عملية قتل وسحل جثث في شوارع مقديشو حين حاول رجال الكوماندوس الاميركين عام 1993 مهاجمة قوات محمد فرح عيديد، تلاها بعد 5 سنوات تفجير سفارتيها في نيروبي ودار السلام عبر اعتداءات تم اعداد جزء اساسي منها على الاراضي الصومالية,
وبعد الاعتداءات على الولايات المتحدة، برز اسم شركة "البركات" كمؤسسة مالية مهمة في تمويل شبكات الارهاب التي تلاحقها الولايات المتحدة، وقد ذكرها بوش بالاسم ورددها مسؤولون اميركيون بعده اكثر من مرة خصوصا بتهم تأمين وسائل الاتصال الهاتفية واللاسلكية والانترنت لـ "القاعدة",
وهذه الشركة التي اسسها احمد نور علي جمال (موظف كبير سابق في "سيتي بنك") بالتعاون مع نحو 600 مساهم آخر عرفت سريعا انطلاقة تجارية عالمية وتأثيرا محليا مهما في الصومال، فهي باتت مرتبطة بشركة "سيمنس" الالمانية و"آت اند تي" الاميركية، وكانت الامم المتحدة تلجأ اليها لرعاية لقاءات رياضية ومعارض فنية وصار لها اكثر من 60 مكتبا في الصومال و27 في العالم,
وبما ان الشركة راحت تدر نحو 300 مليون دولار في العالم على الصومال وتوظف الآف الاشخاص، فان جمال استغلها لتأسيس ميليشيا خاصة عام 1996 نجحت في فرض بعض النظام على مقديشو وقبلت (وفق الاتهامات الاميركية والغربية لها) بالتعاون مع بن لادن، اما مباشرة او عبر مكاتبها المنتشرة في عدد من دول الخليج والعالم,
ومنذ اعتداءات سبتمبر، اضطرت الشركة الى اعلان توقيف اعمالها بعدما وضع اسمها على لائحة الشركات الداعمة للارهاب، ولم يعرف بعد من هم، من اعضاء ادارتها الذين تم توقيفهم (فالى علي جمال، هناك اسماء اخرى مطلوبة دوليا من الشركة على غرار عباس علي عبدي قريب رئيس الشركة وابرز مساعديه، اضافة الى عبد اللاهي حسين كحية),
وهناك مطلوب اساسي ايضا هو حسن ضاهر عويس، وكان عقيدا سابقا في الصومال ويتهم بانه مهندس الاتصالات السابقة مع السودان وبن لادن واحدى واجهات المنظمات الخيرية الاسلامية ذات الامتدادات الاصولية حيث انخرط مباشرة في "الجهاد" ضد الولايات المتحدة عام 1993 الذي اعلنه عيديد بدعم مباشر من بن لادن، وقاتل بشراسة في صفوف "الاتحاد الاسلامي" ضد التدخل الاثيوبي في الصومال عام 1997، وساهم في اقامة المحاكم الشرعية الاسلامية في مقديشو قبل ان يغادر البلاد اعتراضا على تركيبة الحكومة الانتقالية ويقال انه مر بدولة (التي كان له مع الكثير من جمعياتها والمؤسسات علاقات جيدة) وذهب الى افغانستان.
وتضع الولايات المتحدة "الاتحاد الاسلامي" في واجهة المنظمات الواجب تفكيكها والقضاء عليها في الصومال، حيث ان هذا الاخير الذي سعى عبر علاقته المباشرة ببن لادن الى اقامة دولة اسلامية في اوغادين تمتد الى رأس كامبوني، جنوب مرفأ كيسمايو في المنطقة المستقلة (بونتلاند)، كان نظم تجمعا ضخما لدعم بن لادن في 23 سبتمبر، اي مباشرة بعد الاعتداءات على اميركا, واذا كانت محاولاته في اقامة الدولة الاسلامية فشلت اما بسبب مقاومة السكان المحليين او لتدخل الجيش الاثيوبي، فانه بقي ساحة فضلى لتحرك بن لادن وبعض قادة "طالبان",
وفي الاسابيع القليلة الماضية، جرت على ما يبدو اتصالات كثيفة مع اثيوبيا ودول افريقية اخرى مجاورة للصومال في سياق القضاء على الشبكات الارهابية في الصومال، كما وضع الجنوب تحت مراقبة اجهزة اميركية وفرنسية وايطالية فاعلة جدا لمنع اي اتصالات مباشرة مع افغانستان، ذلك ان بعض التقارير كان المح الى احتمال انتقال بن لادن او بعض افراد شبكته مجددا الى هناك, ويعتقد ان "تحييد" السودان واليمن جاء لهذه الغاية، مع الاشارة الى ان البلدين قدما معلومات جيدة في هذا السياق الى الولايات المتحدة، وفق مصادر مطلعة.(الرأي العام الكويتية)