&
مع كل حرب جديدة يتعاظم دور سلاح الاعلام التقليدي، وما بين الحروب تمارس الافلام التمثيلية بهدوء وترو مهمة الاعداد للحرب القادمة عبر فبركة الانماط المناسبة في عقول المشاهدين. هكذا يتم استبدال الاعداء وتتركز كل الاضواء بدل السوفييت على العرب بشكل متواصل بينما جامعتنا العربية المؤهلة للرد تدور في حلقة مفرغة وتتصرف ضمن الظن بان الاعلام والاعلام المضاد لا يتعدى فلسفة الكلام وعقد المؤتمرات.
من الصعب ان تسمع الان أي مراسل لاجهزة الاعلام الغربي يشير الى الحرب في افغانستان بدون الزج في معظم جمله واقواله باسم العرب الى درجة يبدو فيها هؤلاء "العرب" وكأنهم اشاوس الحرب الذين يصعب قهرهم والذين كانوا قد هزموا القوة العظمى الاخرى ـ الاتحاد السوفييتي ـ وغير ذلك من التهويل المطلوب لتضخيم صورة الخصم، وبالتالي تبرير هذه الحشود العسكرية وخلق الذرائع المسبقة سواء لتأخر الانتصار، او لتضخيمه اذا انهار الاشاوس. وضع العرب في عدسة الكاميرا كعدو اسهل طبعاً من الافغاني "المظلوم من طالبان وانصارهم الاجانب"، والذي يريد الغرب مساعدته بعد الحرب، وبالتالي لا يجب قطع الحبل مع الافغان الان. السبب الاخر لتفعيل صورة العدو العربي هو سهولة تقبل هذه النمطية في الولايات المتحدة والغرب عموماً بعد الجهد الهائل الذي قدمته هوليوود في ربع القرن الماضي. يشير كتاب جديد للاميركي جاك شاهين الى دور هوليوود في تشويه صورة العرب وذلك بعد تقييمه للافلام الاميركية المنتجة منذ الحرب العالمية الاولى وتصويرها العرب وكأنهم "شر خالص". فمن دراسة مئات الافلام المنتجة في العقدين الماضيين لم يعثر المؤلف لكتاب "العرب الاشرار في السينما..." سوى على دزينة افلام تعاملت مع العرب بايجابية وانصاف. ويقول شاهين ان الافلام تربط بين الاسلام والعرب وسيطرة الرجل على المرأة، وبين الجهاد واعمال الارهاب. ويستنتج ان تشويه النازيين لليهود بواسطة الافلام جعل المحرقة ممكنة، والتركيز على ان الاميركيين اليابانيين هم اجانب سمح بقتل مائة الف منهم اثناء الحرب العالمية الثانية. وهذا الخطر القديم يتجدد الان لأن الافلام التي تعرض بعد السينما في التلفزيون وتكرر مراراً كل عام عبر العالم، هي التي تصنع الرأي العام الاميركي والغربي المطلوب تطبيعه قبل او اثناء شن أي حرب. وبدون الرأي العام خلفها لا تستطيع أي زعامة او حكومة اوروبية دخول الحرب او القيام باجراءات اخرى داخلية ذات شأن، ولهذا يكتسب الاعلام تباعاً اهمية تفوق التسلح، او بمعنى اخر لا فائدة من الاسلحة في المجتمعات الغربية اذا لم يدعم استعمالها الرأي العام.
من المعروف للجميع ان هوليوود تحولت اكثر الى العرب بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ليلعبوا دور القبيح والشرير بينما تتنقل روسيا من دور العدو الى الند، والان الى دور الصديق والحليف الطيب. بالطبع هذا التحول ليس قدراً لا راد له عن العرب، اذ اخذت بعض الاستديوهات الشهيرة تعين مستشارين عرب لانتاج افلامها، خصوصاً بعد تحرك جمعيات ومنظمات عربية للاحتجاج على الافلام السلبية المشوهة للعرب. الحقيقة ايضاً ان هذه الاحتجاجات من الاميركيين العرب ما زالت قليلة التأثير، وبالطبع لا يجب ان تنحصر المهمة عليهم لأن صورة كل العرب تشوه. ما يمكن عمله هو ملاحقة قضائية للمؤسسات المنتجة في الولايات المتحدة وايضاً ملاحقة أي مؤسسات تعرض هذا الانتاج اينما كان بالاعتماد على القوانين المحلية والدولية التي تحرم تشجيع العنصرية. يفترض ان تكون الجامعة العربية المتصدي لهذه المهمة كونها تمثل العرب كلهم، وبالتالي لها حق رفع دعاوى قضائية باسم العرب، كما ان حماية صورة العرب تقع ضمن اختصاصها. ويشار هنا الى ان اليهود عانوا في السابق من هذا التشويه، ولكنهم واجهوا المشكلة عبر التصدي القضائي ومحاربة اقتصادية للمنتجين، وبالطبع الخوض في غمار العمل والانتاج السينمائي والقذف للاسواق ودور العرض ومحطات التلفزة بعشرات افلام الاثارة الرخيصة التكلفة والمليئة بالتشويه للعرب وذلك خدمة لمصالح اسرائيل.
ما هو دور الادارة الاميركية في التأثير على صناعة السينما؟ بعد بداية الحرب الارضية في افغانستان اجتمع مستشار الرئيس جورج بوش، كارل روف مع اكثر من اربعين من كبار المديرين التنفيذيين في صناعة الافلام السينمائية وتناقش معهم مطولاً حول كيفية المساهمة في الحرب ضد الارهاب التي قال عنها الرئيس انها ستطول، وبالتالي تحتاج لهمة من هوليوود لمرافقتها. ورغم تأكيد البيت الابيض ان الادارة لا تعتزم التدخل في صناعة الافلام الا ان روف عرض على المديرين الاولويات لاخذها في الاعتبار عندما يقررون الانتاج. كان هذا اللقاء غير مسبوق في العقود الثلاثة الماضية، اذ انهت الادارات تدخلها المباشر بعد الحرب العالمية الثانية تدريجياً في صناعة الافلام. ويشار بهذا الصدد الى ان هوليوود تعرف تجنيها على الغير، اذ تخوفت بعد هجمات سبتمبر ان تكون ضمن اهداف قادمة يمكن ضربها فاتخذت اجراءات امنية مشددة في محيط الاستديوهات.
هل من المتوقع ان تتحول هوليوود عن العرب والاسلام وتجد ضالتها في ارهابي اممي دون دين او قومية لتصوره كعدو جديد بعد اليهود والسوفييت والعرب؟ على الارجح الاجابة هي بالنفي لان التشويه متعمد ويتماشى دوماً مع السياسة الخارجية للولايات المتحدة، كما توجد مؤسسات سينمائية صهيونية صرفة هي المسؤولة عن النسبة الاعلى من التشويه ولها اغراض سياسية من عملها. لكن الاجابة بالنفي تعود ايضاً الى التقصير العربي في التصدي القانوني الشرعي المتاح للجميع. ورغم ان الحديث هنا بالتحديد عن الصناعة السينمائية الا ان العداء للعرب يتخطى هوليوود ونجده في ادوات التسلية والترفيه الالكترونية، وبالطبع في الاعلام المكتوب والمسموع والمرئي. السينما والترفيه الالكتروني والاعلام تسير في ركاب السياسة الحكومية لحظة صناعتها، ولكنها تستمر لفترات طويلة حتى لو تعدلت سياسة الحكومة مؤقتاً. العنصر الاهم والاضخم هو المؤسسات اليهودية العاملة في تلك المجالات والتي تساير النهج الحكومي اذا كان لصالح اسرائيل وتتحداه اذا كان العكس. والمؤسسات المسؤولة عن الحجم الاكبر من التشويه وتشجيع العداء والعنصرية ضد العرب لا تعمل في الخفاء وكلها معروفة ومشهورة وانتاجها مضاد لعدة بنود في القانون الاميركي وبثها في دول الغرب يتنافى مع قوانين تلك البلاد... لكن الامر يحتاج الى تسجيل للمواقف وتوكيل مجموعة من المحامين لملاحقة الشركات، الامر الذي سيردعها عن مواصلة التشويه، وسيعود ببعض المال للاستفادة منه في تحسين الصورة، وسيمنع شن الحروب على العرب في المستقبل، ويحسن العلاقات بين العرب والغرب، ويغيظ اسرائيل... فماذا تنتظر جامعة الدول العربية ومتى سنرى القليل من انتاج مطاحنها ومؤتمراتها؟
ما الذي يمكن عمله في انتظار صحوة الجامعة العربية؟ الواقع ان الاجراء القانوني هو الاسهل والارخص والاسرع، اذ يمكن عبره منع عرض الافلام القديمة، ووقف انتاج الجديد منها، واثارة القضية لتعريف الناس بالظلم الذي حل بالامة العربية، وبمراكز القوة التي تحكم الغرب. المهام الاخرى المتاحة تدور في فلك التوصل الى الرأي العام الغربي بنفس الطرق، أي مقارعة هوليوود والصهيونية في عقر دارها، مثلاً اقامة محطات تلفزيونية بلغات وثقافة الغرب لنُهرب عبر امواجها مواقفنا العربية. او تصنيع الافلام السينمائية المناسبة للمشاهدين في الغرب والمحشوة بالصورة الفعلية للعرب والعلاقات التاريخية الايجابية بين العرب والغرب، نفس الاقتراح بالنسبة لمنتجات الترفيه الالكتروني. من يفكر لحظة في هذه الردود المحتملة لن نلومه اذا قهقه بأعلى صوته.
في الواقع لا توجد صورة نمطية عربية ايجابية يمكن الاتفاق عليها وتعميمها على الغير، ولكن يمكن التعرض للانماط السلبية في الانتاج الغربي ومنعها. كذلك لا توجد وبصراحة القدرات العربية لتشغيل محطة تلفزيونية موجهة للغرب، وليس المقصود بالقدرات المال والادوات فقط، وانما العقلية والانتاج الذي يشجع المشاهد الغربي على متابعة ما تريد، كما ان عشر محطات لن تكفي او ترد على ما يصل للمشاهد الغربي من انتاج مؤسساته المحلية. اما الحديث عن منافسة سينمائية فسيعني الدخول في مناقشة هزلية اذا قارنا طبعاً مستويات الانتاج الغربية بالعربية. عيوبنا ذاتية ولا تعود الى مناعة الغرب الذي يشرع ابوابه على الانتاج الترفيهي والاعلامي الناجح. وكمثال يمكن الاشارة الى تزايد بث الافلام الصينية في دور عرض ومحطات التلفزة في العالم الغربي، بينما الافلام الهندية والعربية لا تعرض الا في المهرجانات.
ما زالت المنطقة العربية متأثرة بالاعلام والثقافة والترفيه الغربي، والعلامة الاوضح هي ما تبثه المحطات التلفزيونية العربية من انتاج هوليوودي وغربي قديم ورخيص لتضمن استمرار اضاءة الشاشة بأبخس الاثمان، كما ان المشاهد العربي بعد ان يستمع الى نشرة الاخبار في محطة عربية غالباً ما يهرب الى محطة فضائية غربية ليشاهد احدث منتجات هوليوود المثيرة والمشوهة للعرب والمغربة للمشاهدين. حال هذا المشاهد مثل حال الملا عمر، زعيم طالبان، حين اتصل باذاعة الـ"بي بي سي" ليطلب مقابلة معها وذلك قبل يومين من سقوط كابل. السبب في هذا الطلب الغريب ان الملا اراد توجيه رسالة بلغته الى شعبه والى الغرب عبر الاذاعة البريطانية الممولة من الخارجية والتي تبث بالبشتونية ويستمع اليها ثلثا الافغان.(الشرق الأوسط اللندنية)
&