&
أفغانستان الشمالية التي حُررت من طالبان هي اليوم مجموعة من سادة الحرب: يرفضون الذوبان لمصلحة سلطة مركزية. يؤسسون، ربما، لاستئناف النزاع الأهلي في ما بينهم، علي ما كانت الحال خلال 1992-1995. العداء للغريب مستحكم في ذاك البلد: أعطونا سلاحاً ومالاً وارحلوا . 5 صحافيين أجانب قُتلوا ولا يزال أمرهم غامضاً. تحالف الشمال بالكاد وافق علي محادثات برلين برعاية الأمم المتحدة لمناقشة الحكم الانتقالي. الوحدة الوحيدة التي أنجبها التحالف أنه سمّي نفسه الجبهة المتحدة : هذا مُـقلق في تاريخ الجبهات والفصائل و ثقافتها .
أفغانستان الجنوبية التي لم تُحرر: احتمال دويلة، أو دويلات، أخري تكتمل بوجودها شروط الحرب الأهلية المطلقة حيث الجميع ضد الجميع. لا بأس بالاشارة الي ان قندهار لم تصمد حتي الآن إلا لأنها أرض الباشتونية الصافية. مهمة إسقاطها تُركت للطرف الباشتوني الضعيف في تحالف الشمال : كل إثنية مسؤولة عن إثنيتها. أي: كونٌ من الهويات الصغري المسلحة. المتأهبة واحدتها للانقضاض علي الأخري. الأعمال الثأرية للتحالف في المناطق المحررة تنبيء بذلك. بلدٌ، بحسب صحافي بريطاني، بلا شرطة. بلا جيش. بلا حكومة. وكل واحد فيه عنده كلاشنيكوف .
بالتالي: احتمالات تفريخ ألف طالبان . ألف بن لادن.
أفغانستان هذه تعني ما هو أكثر: ما يفوق الـ5 ملايين مهجّر ولاجيء علي الحدود مع باكستان وإيران وفيهما، أي أكثر من ربع السكان. بناؤها وإعادة بنائها يكلّفان 20بليون دولار. فقط 39في المئة من صبيانها و3 في المئة من صبيّاتها في المدارس الابتدائية. 1 من 4 أطفال يموت قبل الخامسة. معدل توقّع العمر 41عاماً. 1 من 60امرأة تموت وهي تلد. 15الف امرأة ماتت العام الماضي لأسباب تتعلق بظروف الحمل. حوالي 3 آلاف شخص يقضون سنوياً بالالغام المزروعة: كلفة نزعها 500مليون دولار. 77 في المئة من الأفغان لا يصلون الي مياه تصلح للشرب. 88 في المئة يعيشون في بيئة غير صحية. 21 مليوناً تأثروا بالجفاف الذي ضرب في السنوات الـ3 الماضية. 3،8مليون شخص يعتمدون لإطعام أنفسهم علي المساعدات الغذائية. قبل منع زراعة الأفيون هذا العام، كان 59 في المئة من العائلات، في بعض أقاليمها، يعيشون علي هذه الزراعة. تجارة المخدرات كانت تدرّ علي البلد بليوني دولار سنوياً...
ما العمل في وضع كهذا؟ من أين يؤتي بالمال المطلوب للانقاذ؟ من أين يؤتي بثقافة تواكب تأسيس الحياة السياسية؟ من أين يؤتي بالحياة السياسية أصلاً؟
أطراف كثيرة مسؤولة بالطبع. لكن المسؤول الأساسي يبقي تاريخ أفغانستان. تأخّرها. الآن الفرصة لجعله تاريخاً للحياة والتقدم. لا سجلاًّ بنمو التأخّر.
اثنان يقولان عكس ذلك: اليمين الأميركي الذي يدعو الي الاكتفاء بالثأر من بن لادن و القاعدة . أما بعد ذلك، فالموضوع لا يعنينا حتي لو فرّخ المستقبل ألف بن لادن.
وأيضاً: منطق العداء للاستعمار الذي لم تعرفه أفغانستان أصلاً إلا علي حدودها. أفغانستان، للتذكير، لم تتأخّر بسبب كثرة الاستعمار. تأخّرت بسبب قلّته.
واليوم، لا أحد بالطبع يريد احتلال أفغانستان. لكن الحضور والتأثير الغربيين فيها الوسيلة الوحيدة لبنائها. لتحويل مجراها التاريخي البائس والكئيب. والمفيد، من ثم، هو التوريط الايجابي في افغانستان. الاغراء بالتورط: إغراء كهذا كان وراء مشروع مارشال الأوروبي. كان وراء دستور ماك آرثر الياباني. وقد لا يكون هذا او ذاك في الوارد، لكنْ لنُـضف: لسوء الحظ. فأن لا يحضر الغرب هو سوء حظ لأفغانستان. لأميركا. وللعالم. ولننظر، مع حفظ الفوارق، الي انتخابات كوسوفو الأخيرة والاستقرار الذي دلت اليه.
أما في النزاع العربي - الاسرائيلي، فلا يمكن للاقتراب الغربي المباشر الا ان يفيد: يُضعف الاستئثار الاسرائيلي. يجعل كولن باول أعلي صوتاً، هو الذي ما كنا لنسمع صوته لولا اعادة الاعتبار الجزئية، والخجولة، لنظرية بناء الأمم الكلينتونية (الحياة اللندنية)