&
صالح العزاز ________________ تصوير صموئيل شمعون
استطيع الآن فقط القول: ان تجربة المرض أقسى وأهم من تجربة الحياة، لأن المرض يكاد ان يبيد كل شيء لكنه في الوقت نفسه يحتوي على كل شيء، وما العمر والزمن الا وهمٌ وغفلةٌ كما يقول افلاطون.
يتجلى وصف هذه العبارة الافلاطونية المشحونة جدا في تلك اللحظة الكهربائية كأنها البرق يلمع في الظلام.
تلك الفاصلة الزمنية التي تكشف لاحدنا دون مقدمات عن الوقوع في مصيدة المرض، كأنه الكابوس يجثم على صدرك وانت نائم تسبح في بحر الاحلام. فما بالك اذا كان هذا الكابوس من النوع الخطير الذي تقشعر له الابدان عن بعد، فكيف هي الحال اذا كان يعشعش في رأسك مثل العنكبوت.
"ما أصاب من مصيبةٍ في الأرض ولا في أنفسكم الا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير".
لم تكن لحظة عابرة ولا ـ عابرون في كلام عابر ـ عندما جاء الرجل الغريب، وانا ملقى على السرير ومحبوس داخل الالم وبلا ذاكرة، والى جواري زوجتي تحاول ان تحرسني بالصلوات والدعاء من سطوة الكابوس والجن ووحشة اللحظة والمكان.
القى الرجل الغريب قنبلته الانشطارية وذاب في الزحام.
في تلك اللحظة الكهربائية، ادركت لاول مرة معنى قولنا ـ لحظة صعبة ـ اجربها الآن تلك التي كنا نكتبها او نتحدث عنها، مثل لحظة سقوط طائرة كنت تسترخي داخلها مع قهوتك واحلامك الجميلة ثم تهوي بك.
مثل صوت انفجار قنبلة غادرة في حديقة تضج بالاطفال والعصافير في الحي الهادي، وقد كنت منطلقا راكضا اسابق الريح مثل آلة الناي القديمة، مقبلا على الحياة غير متردد فيها وغير آبه بالاشياء الصغيرة، اقفز كل الحواجز بلا خوف ولا وجل، شعاري في الحياة (الحب اقوى من الكراهية).
واذا باللحظة الصعبة تقطع الطريق، واذا به يمسك بخناقي، يشدني الى الوراء يغدر بي كأنه الغول، يأخذني باتجاه لا اعرفه، يودعني حبس الالم القديم في التجربة التي لا تطاق، مع المجهول والغامض والكابوس والجن.
فما ينقذك يا ابن ظلال النخيل بأحلامك المجدولة من كنوز الشمس وسعف النخيل، وهل لك من طوق نجاة غير ان تقرع ابواب السماء وانت في مهب الريح.
انا ابن الصحراء واحلامي مبعثرة واهلي من بني اكل المرار، ولي وطن فسيح منسوج من اشعة الشمس احبه ويحبني وفي علاقة نادرة مع هذا الحب كانت الربع الخالي والدهناء ورمال النفود وجبال السودة، مثل غرف النوم في البيت الكبير ازرع فيها احلامي كيف اشاء، وكنت كلما لمحت خيمة في مهب الريح ومن حولها رجل كأنه وما حوله من غنم وابل، ذرة في العراء الفسيح، كأنه ريشة في فم الريح في لجة كون لا حدود له تحيطه الرهبة، كنت امام هذا المشهد اتساءل في داخلي وخارجي، كيف لمثل هذا ان ينام ويحلم ويصحو.
من اين له الامل من اين له الحياة في مشهد لا يصلح الا لصورة العطش وسطوة عوامل التعرية على ملامح الحياة.
ويكون هذا التساؤل مشروعا ومنطقيا امام ذلك المشهد، حيث الفضاء بلا حدود والسماء ابعد من قدرتنا على التخيل، والرياح تعوي كأنها الذئاب الجائعة.
وفي كل مرة يكون الجواب، انه اليقين الذي يضيء الظلام ويقرب السماء ويرسل الرياح. الذي خلق الابل سوف يرعاها ويرعاه معها. ها انت اذاً يا ابن ظلال النخيل في المشهد نفسه مرة اخرى في العراء وحيدا في صحراء لا تعرفها ولا تعرفك.
في الصباح الثاني من ايام العنكبوت جاءني الطبيب الجراح وعرفني بنفسه، وأكد لي ضرورة اجراء عملية جراحية لنزع ورم دماغي في الجزء الايمن من الدماغ من الدرجة الرابعة Forme) -(Gliob Lastoma Multi خرج وترك الممرضة معي لكي نستعرض معا اجراءات العملية، وحجم الخسائر التي قد تحدث في سبيل اخراج هذا العنكبوت من جحره.
طلبت مني التوقيع على مجموعة من الوثائق اتنازل من خلالها عن اي حق قانوني مقابل خسارة العين اليسرى وعدم القدرة على الحركة او الكتابة، هذا يعني انني في تقديرهم سأخرج غدا نصف انسان، وهي في تقديرهم حالة لا مفر منها نتيجة اجراء هذا النوع من العمليات المعقدة والدقيقة، ثم طلبت مني كتابة وصيتي وتحديد اسم الشخص الذي له الحق بأن يتبرع بأعضائي ويتولى امري بعد ان افقد امري.
تطلع ابن ظلال النخيل، فوجد نفسه في احسن حال من الناحية الطبية، وهذا حدث دون تخطيط مسبق، فقلب الورقة التي بيده وكتب بخط عربي مبين "لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا، ولا حول ولا قوة الا بالله"، وراح يقرع ابواب السماء، ثم اغمض عينيه ونام بهدوء وسلام.
جاءت الايام والثواني محملة بكل تفاصيلها الخير والشر، تناثرت من حولي تحاصرني مثل قطع البلور، او كأنها النيازك الصغيرة تحترق فتضيء.
عليك الآن ان تجمعها وتعيد فرزها وترتيبها يا ابن ظلال النخيل، انت الآن وحدك في العراء، وستكون محظوظا اذا ما استطعت ان تفعل كل ذلك قبل ان يصل القطار وقد يأخذك معه.
***
وقد كنت وما زلت متفائلا مقبلا على الحياة، السعادة والتعاسة في داخلنا وعلينا ان نختار ما نريد، وقد جعلت من القول المأثور الشمعة التي تطرد الظلام (المحنة التي لا تقتلك تقويك).
تعاملت مع الحياة ببساطة متناهية، لا احب تعقيدها، اخترت لنفسي مفهوما فلسفيا اخترعته بعيدا عن كل شيء الا من حقيقتي، اخترعته وبسطته واحتفظت به لنفسي، وجعلت فوق هذا شعارا رائعا مدلوله ـ استفت قلبك ـ يا ابن ظلال النخيل، فمن خلال "الابداع" يمكن لنا ان نغير انفسنا بل يمكن اعادة بناء العالم والتصدي لمظاهر القهر والحرمان، الابداع يعلمنا كيف نحب حياتنا بما فيها ومن فيها، لأن كل شيء هو من انجازنا واختيارنا، ثم ان المحبة دائما اقوى من الكراهية.
كانت من اجمل اللحظات واكثرها تأثيرا في نفسي وحياتي، تكمن في تلك اللحظات التي اكون فيها مع نفسي في المشهد الصحراوي بلا حدود، ذلك المشهد الذي لا يُرى بالعين فقط بل بالقلب، المشهد الذي ألهمني واغراني في تجربة التصوير الفوتوغرافي الى حد الجنون احيانا.
وقد عرفت قيمة هذا الشيء مرة اخرى ولمسته بشكل مباشر في اثره على الآخرين، عندما اهديت نسخة من كتاب المستحيل الازرق الى رئيسة الممرضات في مستشفى الشمس المشرقة، فتحولت غرفتي الى ملتقى يموج بالمرح لكل العاملين في هذا المستشفى، وكأنهم يكتشفون لاول مرة ان هناك على الخارطة بلدا اسمه المملكة العربية السعودية فيه بشر وشجر وعصافير، انني لا ابالغ، هذا قبل الحادي عشر من سبتمبر حيث اكتشفتنا الوسائل الاعلامية الامريكية لاول مرة.
هذا المنظور الفلسفي الخاص يمتد ليتناول ماهية الألم والمرض وبنفس السياق الروحي والوجداني "الامل اقوى من الألم. واليقين علاج اليأس". كل هذا لم نتعلمه في نيويورك او لندن وان كان لا بد منه احيانا. لكنها وهي الاهم مرجعية الاصول الاخلاقية والعقدية التي نشأنا عليها منذ الصغر، في بيئة غير متوترة، كانت تتمتع بدرجة عالية من الصفاء الروحي محفوفة بالتسامح والبساطة. هكذا كانت.
***
لكنني اليوم في المأزق الذي لم اجربه من قبل اتحاشى نصف حياة او نصف موت.
اخذوني الى غرفة العمليات بانتظار الغامض والمجهول. رحت اصلي واقرع ابواب السماء عاريا الا من احلامي وبريق عيون بناتي الصغيرات كأني قطع الثلج. سلمت لهم جسدي يفتشون فيه عن عش العنكبوت. وعبرت انا على بساط الغيبوبة الرمادية الى مكان آخر، بانتظار اشارة العودة الى الحياة من جديد.
عند منتصف الليل حيث الذاكرة غرفة مظلمة وموصدة الابواب، اذا بالغرفة تضيء وكأن الباب يفتح على الجسد النائم، واذا بشريط الذكريات يعبر جبهتي فرأيت وجها اعرفه. واذا بصوتها الذي اذكره كأنه يأتي من آخر النفق البعيد، كأنني جالس في عمق بركان خامد منذ آلاف السنين. واذا بصوتها يقول لي الحمد لله على السلامة. انت بالف خير والطبيب يقول نجحت العملية.
قلت لها اية عملية. ثم لماذا انا مكبل بهذه الطريقة. اريد ان اذهب الى البحر.
ثم دخل الطبيب فتذكرت كل شيء. مسك يدي وحدق في عيوني وتحدث معي وكانت البهجة عليه اكثر من أي شيء.
لقد انتزعنا عش العنكبوت واخذنا معه شريط الذاكرة وبعض الذكريات. لكن كل شيء سيعود الى وضعه الطبيعي مع الوقت. لا تقلق.
ثم دفعوا بي مكبلا على سريري الى غرفة الانعاش، الى جزر الصقيع مرة اخرى اتعثر في الألم والوحشة كأنني في زنزانة. كأنه قدري ان احمل سجني معي حيثما ذهبت.
لم يكن احد من كل هؤلاء يعرف ما اذا كنت سوف اخرج من هذا المكان امشي على قدمين كما دخلت قبل يومين. لان اقل شيء استطاع ان يفهمه الطب حتى الآن هو دماغ الانسان. انهم يعملون في غابة يجهلون الكثير عنها.
عدت حيث كنت برأس هو غير رأسي. بكيت بهدوء. صليت بصمت في اليوم الثالث كنت اجرب الحياة بقدمين. وفي اليوم الرابع كنت في غرفتي الجديدة حيث النافذة تطل على السماء.
عند الصباح طرقوا الباب وكأنهم يطرقون قلبي، يهتفون باسم "بابا" يتدفقون نحوي كأنهم من فصيلة الطيور الصغيرة. عيون متوهجة خائفة تغص بالدمعة المدرارة. عند المساء جاء طبيبي لكي يودعني ويهنيني على نجاح العملية ويطلب مني ان اوقع له نسخة خاصة من كتاب المستحيل. ثم قال لي انه بصدد ترتيب عملية نقلي الى مستشفى ام دي اندرسون في هيوستن، حيث تتوافر احدث التجهيزات الفنية والخبرات الطبية الافضل على مستوى العالم. هذا يساعدك على مواصلة العلاج بصورة افضل. ثم قال لي وهو يودعني: نصف العلاج ان تكون متفائلا ومشرقا وان تواجه هذه الازمة العابرة بالصبر والمعنويات العالية، هذه الاشياء تمثل اكثر من %50 من العلاج. اليأس اخطر من المرض نفسه انه بداية النهاية. وعليك ان تختار.
جلست في غرفتي وحيدا مثل بطل تراجيدي تطلعت نحو النافذة، السماء زرقاء صافية موشحة بالبياض الجميل كأنها تستعد لحفلة عرس. رحت في سكينة اقرع ابواب السماء. كنت اسمع صوت امي كأنها خلف النافذة شعرت برغبة شديدة بالطيران مثل فراشة صغيرة.
في اليوم الرابع كنت مع زوجتي نطير الى المحطة الجديدة. هيوستن اقصى الجنوب. يوجد في هذه المدينة 34 مستشفى متخصصا، وفليب سالم. يسكنها اربعة ملايين مواطن. عالجت ثمانية ملايين امريكي اصيبوا بمرض السرطان وتم شفاؤهم منه.
وفي الطائرة الصغيرة المخصصة لمثل هذه الحالات ناولني الطبيب المرافق حبة سحرية صغيرة كأنها عين النورس توضع تحت اللسان. تختصر الألم والزمن، تشعر انك انت الذي يطير تحلق في الفضاء بعيدا مع الكواكب والنجوم في مجرة لا نهاية لها.
عند منتصف الليل نقلت من الطائرة الى سيارة الاسعاف التي نقلتني الى مقري الجديد، واصر السيد جاك على مرافقتنا الى المستشفى على الرغم من انه سيواصل رحلته بنفس الليلة، لكنه قال لا بد ان نتأكد انك دخلت الى المستشفى بسلام ولا بد من الحصول على اسم الطبيب الذي هناك. انها اجراءات لا بد منها.
ثم قال ارجو ان لا نكون قد تسببنا لك بأية متاعب او ازعاج خلال هذه الرحلة. قلت له ابدا. كانت اشبه بحلم جميل وقصير.
قال السيد جاك.. قالوا لنا انك مصور ولم يقولوا انك شاعر.
قلت له الألم يزيل القشور يا سيد جاك. عانقني ثم ودعني وكأننا نعرف بعضنا
من قبل.
انه الألم مرة أخرى..
هنا مقري الجديد في الدور السادس، حيث يعج المكان بضحايا العنكبوت. بدأت اشعر بحالة من الكآبة. رأيت ولمست معاناة نساء ورجال عرب كبار في السن يحاصرهم المرض وغربة المكان واللسان.
جلست بانتظار الفريق المعالج في صباح اليوم التالي. لكن الذي جاء هو الطبيب الجراح واثنان من مساعديه متحفزين لأمر ما..
قال لي الطبيب بعد ان عرفني بنفسه. بعد الاطلاع على الصور والافلام تأكد لنا ضرورة اجراء عملية جراحية ثانية، لانتشال الجزء الاكبر من الورم الذي لا يزال هناك. لقد قاموا باجراء عملية جراحية ممتازة وناجحة بل ورائعة في المقاييس الطبية في مستشفى الشمس المشرقة. لكن التجهيزات الفنية هناك لم تساعدهم على القيام بأكثر من هذا، وهو ما يشكل خطورة على أعصاب المخ وعلى صحتك. لذلك فإن الفكرة من مجيئك إلى هنا، هو أن نجري لك عملية جراحية ثانية للوصول إلى نفس المكان، لانتزاع الورم من جذوره من دون التأثير على أعصاب المخ، وسوف نستخدم أجهزة حديثة لهذا الغرض.
ودعني وخرج ثم عاد ليسألني: هل أنت تدخن؟، قلت له: لا..
هذه أخبار ممتازة، الآن هذا يقلل من خطورة حدوث نزيف في الدماغ أثناء إجراء العملية.
إنه الأمل عندما يشرق من جديد، هم يسمونه أجهزة فنية وأنا أسميه "لن يصيبنا إلا ما كتب اللّه لنا".
بعد ثلاثة أيام، كنت في غرفة العمليات مرة أخرى عند الساعة الخامسة صباحاً، وفي الموعد المحدد استسلمت للغيبوبة البيضاء، أعطيتهم الجسد وبقيت أنا في مكان آخر.
وزوجتي في غرفة الانتظار المخصصة للمرافقين مع آخرين يأكلها الانتظار، وخلال كل ساعة تقدم لها نشرة مختصرة عن سير العملية، كانت أشبه بنشرة تعذيب ورعب، مثل نشرات الأخبار هذه الأيام.
عند الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر، انتهت العملية، وبدأت رحلة العودة إلى الحياة.
لقد نجحوا في إخراج عش العنكبوت، ثم أعادوا إغلاق النفق الذي فتحوه في الجانب الأيمن من الرأس، وحرروا الجمجمة من المسامير الأربعة التي كانت تثبت فيها، ثم بدأت محاولات إخراجي من الجب الذي كنت فيه خلال الساعات الطويلة لإجراء العملية، وأنا لا أشعر بشيء من هذا وكأنني في مكان آخر.
كان صديقي النبيل عقل الباهلي قد طار من الرياض خصيصاً ليكون إلى جانبي خلال إجراء العملية الجراحية.
بعد أول محاولة فاشلة لإعادتي إلى الحياة أو للخروج من الظلمات إلى النور على يد الطبيب، جاءوا بالصديق عقل، فأعاد المحاولة وهو يناديني باسمي، شعرت أن ثمة شيئاً مألوفاً، وعندما فتحت عيني وجدته أمامي يبتسم كأنه علامة الحياة المميزة، وهو رجل من الذين يسعى نورهم بين أيديهم.
ابتسمت أنا ومددت يدي أصافح الطبيب وبدأنا نتحدث معاً ونبتسم، وكأن الحياة أعادت الكهرباء إلى المكان فأضاء.
تنفس الأطباء الصعداء، غمرت المكان البهجة وكنت أنا أراقب المشهد عن بُعد، لكن بفرح حقيقي، إنه طعم الحياة.
ثم جاءوا بزوجتي، فعرفتها وتأكد للطبيب عندها أنه أنجز مهمته بنجاح.
وعند المساء، نقلت إلى زنزانتي الجديدة في جزر الصقيع، غرفة الانعاش، حيث العذاب النفسي والجسدي. هنا مختبر المشاعر الانسانية النادرة. هنا تجرب حالة خاصة من الشفافية الانسانية التي لم تجرب من قبل. على مدار اربعة ايام في غرفة الانعاش، كانت زوجتي تستمد طاقة معنوية ونفسية من خلال اتصالات يومية. توصي بالصلاة وبالدعاء والعسل. وتخرج الصدقات وتوزع الطعام على الفقراء والمساكين في كل ليلة. من اجل ان يعيدني ربي الى اهلي ووطني.
كانت رعاية هذه السيدة الكريمة الرائعة حرم الامير سلمان بن عبد العزيز آل سعود امير منطقة الرياض ووالدة المرحوم الامير النبيل فهد بن سلمان. يحدث هذا لانها سيدة نبيلة بطبيعتها، ولانني كنت وما زلت ازعم انني صديق لأبنها المرحوم الامير النبيل فهد بن سلمان رحمه الله. وهو نبيل حقيقي بل واكثر.
هذه أمه الرائعة ترعاني وهي لا تزال في غابة احزانها الخضراء، لكنها الروح النبيلة للإنسان النبيل.
لقد اخرجتني هذه السيدة الكريمة من تحت انقاض الألم إلى فسحة الأمل. وتواصل المعروف مثل مواسم الشتاء الممطرة، ليمتد إلى الأميرة عادلة بنت عبد الله بن عبد العزيز، التي كانت على اتصال يومي بزوجتي حتى في إجازتها الخاصة مع عائلتها.
إننا هنا أمام طبيعة بلد منسوج من كنوز الشمس.
أما مواقف الرجال من الأمراء والأصدقاء فتلك قصة تحتاج إلى مجلدات، وكيف لا أمشي على قدمين وأنا محاط بكل هذا الحب، وكل هذا الوطن المشرق، بدأت أتعلم المشي على القدمين كما يفعل الأطفال الصغار. كنت أشعر أن دعوات أمي وصدقات والدة المرحوم فهد بن سلمان، هما جرعة الدواء الحقيقي للنفس أولا وللجراح ثانيا ـ وما من داء إلا وله دواء.
كم هي صعبة الحياة وموحشة بدون هذه النماذج الإنسانية.
بعد كل هذه المعاناة الصعبة مع المرض، التي لم تتجاوز الشهرين حتى الآن.
تعرفت على شاب سعودي أمضى في هذا المستشفى 6 أشهر متتالية داخل هذا المستشفى، نصفها على الأقل بين غرف العمليات والإنعاش.
وهو اليوم أكثر مرحاً وتفاؤلاً من أي وقت مضى، وهو أهم متطوع عرفه مستشفى ام دي اندرسون، يقدم خبرته في مساعدة المرضى على تجاوز أزماتهم وآلامهم. كأن فولتير يعنيه تماماً عندما قال: من لم يعرف عمق الألم، لا يعرف عظمة الفرح.
بعد كل هذا، فإنني محظوظ جداً حتى في ألمي، فعندما يقودك الحظ والألم إلى أن تتعرف على عالم متخصص ونادر وعربي هو البرفيسور فليب سالم. فلا بد عندها تعرف معنى قيمة الحياة.
مع فليب سالم الذي ايد رأي ام دي اندرسون بضرورة احتجازي لمدة سنة تحت العلاج، هذا اهم ما في التجربة. رائع ان تتعرف على هذا النموذج الانساني الطيب المفكر الانسان، فما بالك ان يكون هو الطبيب المعالج. ثم انه لا يعالجك وحدك. عندما يأتي اليك يأتي معه جبران خليل جبران، والمتنبي وفيروز والرحابنة عن بكرة ابيهم وغسان تويني وخليل حاوي وعثمان العمير. فليب سالم شخصية عالمية نادرة انه فسحة الامل الكبرى.
***
"كيف لا اصرع اوجاعي وموتي
كيف لا اضرع في ذل وصمت:
ردني ربي الى ارضي
اعدني للحياة
وليكن ما كان، ما عانيت منها.
بي حنين موجع،
نار تدوي
بي حنين لعبير الارض،
لشباب وصبايا
من كنوز الشمس من تفل الخزامي
لصغار، ينثرون
المرج
من زهو خطاهم والظلال
اعاني الموت في حب الحياة".
***
فقط ارجوك ان تتذكر وانت في طريقك الى غرفة نومك ان سجارتك الاخيرة قد تكون اول خيط في بيت العنكبوت.&&& (هيوستن)
&