&
&
&
لا شيء مثل أحداث دولية كبرى، بحجم ما بعد 11 أيلول، يكشف هزال الحياة السياسية اللبنانية. فعندما "نلبنن" ما جرى نجمع ما بين ادعاء المعرفة وبين التصرف انطلاقاً ممّا كنا عليه عشية الحدث.
ادعاء المعرفة يظهر جلياً في أن عندنا، في لبنان، ودون سائر الكرة الأرضية، من يزعم امتلاك تقديرات دقيقة لما ستكون عليه أحوال العالم. وفي حين ينصرف الكثيرون، في الخارج، إلى طرح الأسئلة وتلمس الأجوبة الأولية، يتصرف الكثيرون، في لبنان، مسترشدين بالجواب الوحيد، المسبق، عن أسئلة لا يطرحونها.
من كان يريد، أصلاً، أن يعدل في سياسته يقل لك إنه يتجاوب مع الزلزال العالمي. ومن كان يعتبر أن وجوده في المعارضة وصمة يصرخ أن الرسالة التعايشية اللبنانية لن تصل إلى العالم إلا إذا أدخل، وخطابه، جنة السلطة. ومن كان يملك ميلاً إلى التشدد الأمني يؤشر على ما حصل في أميركا والغرب فيحول الولايات المتحدة، المكروهة، إلى القدوة التي يتوجب تقليدها. ومن كان يود زيادة <<الانفتاح>> الاقتصادي أصبح يوده أكثر بعد 11 أيلول. ويصعب أن نجد في لبنان طرفاً سياسياً واحداً لا يفاخر، باسم ضرورة تعديل السياسات، بأن التطورات أثبتت صحة تحليلاته. إن لبنان السياسي في 12 أيلول هو نفسه ما قبل 11 أيلول. والفارق الوحيد، ربما، هو أن كل طرف يطالب الآخرين بتغيير سياساتهم تدليلاً على استيعابهم ما جرى. وتشاء <<الصدفة>> وحدها أن يكون عنوان هذه المطالبة هو: تبنوا مواقفي المعروفة منذ ما قبل 11 أيلول لتبرهنوا أنكم أدركتم حجم التحول!
برزت لتفجيرات نيويورك وواشنطن وللحرب على أفغانستان
نتيجتان لبنانيتان: التشدد في طلب الرقابة المصرفية على ودائع مشبوهة، وإيراد اسم حزب الله في اللائحة الأميركية الثالثة.
ويمكن القول، من دون مبالغة، إن ثمة توافقات لبنانية جدية حول المواقف المطلوب اتخاذها في هاتين القضيتين. إن أنصار رفع السرية المصرفية خفت صوتهم، ومالوا إلى التيار العام الموافق على تدابير محدودة وملموسة تجنّب لبنان ضغطاً مركزاً. ولم ترتفع أصوات تتكئ على المواقف الأميركية الأخيرة من أجل عرض الخدمات على واشنطن. لا <<تحالف شمال>> أفغانياً في لبنان، ولا نسخة رديئة عنه مثل <<المؤتمر الوطني العراقي>>.
لا يعني ذلك أن التمايزات اختفت. ولا يعني أن المعارضة زالت للخيارات الاستراتيجية التي أعاد الرئيس إميل لحود التذكير بها في خطابه الاستقلالي. ولكن لا بد من الاعتراف بأن التوافقات قابلة لأن يبنى فوقها، وقابلة بالتالي، لأن تقود إلى انفراجات لا ضرورة معها لأي تشدد أمني يتجاوز التنبه إلى أننا نعيش في منطقة مضطربة في عالم يشهد اضطراباً.
من المبكر الحديث عن آثار لبنانية لما بعد 11 أيلول غير ما سبقت الإشارة إليه. وربما كان الأجدى التوقف عند آثار جانبية هي تلك التي ستثيرها عودة الاهتمام الأميركي بشؤون التسوية. ولعل بعض التشدد الأميركي مع لبنان مرده أن نوعاً معيناً من التداخل مع ما يجري في فلسطين لا يعجب واشنطن. وسيكون هذا الموضوع مطروحاً بإلحاح في الأسابيع المقبلة، لا بل في الأيام المقبلة.
غير أن هذا الأمر، في شقه اللبناني السوري، كما في شقه اللبناني الفلسطيني، كان مُثاراً في السابق. والجديد فيه أنه مُثار، هذه الأيام، بطريقة جدية أكثر. وسيتضح ذلك مع وصول <<العائدَين من أفغانستان>> وليام بيرنز وأنطوني زيني إلى المنطقة.
يكاد يكون معروفاً ما سيقوله الرجلان. ويكاد يكون معروفاً ما سيسمعانه من المسؤولين اللبنانيين والسوريين. ويكاد يكون معروفاً ما سيقوله معارضون تعليقاً على الأجوبة الرسمية. لن نسمع جديداً ذا صلة بمواقف تبلورت في ما بعد 11 أيلول. ربما كان رد فعل وليد جنبلاط لافتاً. ولكن، هنا أيضاً، يكفي أن نراجع ما قاله الرجل في 10 أيلول حتى نكتشف أن لا جديد فعلاً.
إن ما بعد 11 أيلول تعويذة لبنانية بامتياز: حاضرة بقوة ولكنها لا تقول شيئاً ولا تفعل شيئاً.(السفير اللبنانية)
&