&
يختار السياسيون في الغرب المناسبات والأماكن بدقة وعناية للتعبير عن مشاريعهم السياسية، لتحقيق ما يسمي ديبلوماسية الجماهير. وفي البلاد العربية يستثمر بعض الدول مواقفه السياسية لتلميع صورته في الشارع العربي، ويسخر عجلة إعلامه ويصنع من الحبة قبة كما يقولون، إلا السعودية لا تفعل ذلك، ولا تجيد فن ديبلوماسية الجماهير ، ولسان حالها يقول: لماذا تلجأ حكومة من الحكومات إلي الدعاية لتحركاتها السياسية، إذا كانت تعتقد أنها تتصرف بطريقة سليمة.
هذا الإصرار علي الصمت فوّت علي الناس في السعودية وخارجها معرفة التصرفات السليمة للسياسة السعودية، وغيّب الموقف السياسي السعودي في الشارع العربي. وفي غمرة الحديث عن الرؤية الأميركية لإطلاق عملية السلام مجدداً، غاب الحديث عن الجهود السعودية، والضغوط التي مارستها الرياض علي واشنطن للاعتراف بقيام دولة فلسطينية. وباستثناء بضع مئات من السعوديين أتيحت لهم فرصة الاستماع إلي تفاصيل الرسائل المتبادلة بين ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس جورج بوش، لا أحد يعرف ماذا فعل السعوديون من أجل تحريك الوضع في الأراضي الفلسطينية.
في 9 تشرين الثاني (نوفمبر) وجه وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل انتقادات للإدارة الأميركية وشكك في قدرة بوش علي لعب دور الوسيط النزيه طالما لم يلتق الرئيس عرفات. وأشار إلي أن السعودية تشعر بـ خيبة أمل تثير الغيظ إزاء تراجع واشنطن عن وعدها، وقال إن امتناع بوش عن الانخراط شخصياً في إيجاد تسوية يجعل الإنسان العاقل يفقد عقله . فتناقلت الصحافة العربية التصريحات بحفاوة بالغة، واعتبر بعضهم أن الأمير خرج علي النص، وخالف سياسة بلاده التي لا تجرؤ علي نقد السياسة الأميركية في الغرف المغلقة، فضلاً عن أن تعلن ذلك علي لسان وزير خارجيتها وفي ظروف كهذه. والذين استمعوا إلي الرسائل المتبادلة بين الرياض وواشنطن يعرفون أن ما ورد فيها لا يقاس بما قاله سعود الفيصل، لكن الصمت وتجاهل ديبلوماسية الجماهير جعلا التصريحات وكأنها شيء جديد علي السياسة السعودية التي ظلمتها الطبيعة المحافظة للنظام السعودي.
إن العلاقة الأميركية - السعودية القائمة علي المصالح المتبادلة واحتياج كل من الجانبين للآخر، تتيح للسعوديين اتخاذ مواقف لا يستطيع الآخرون اتخاذها، لكن الرياض تؤثر الصمت، وتتعاطي مع التحركات السياسة علي أنها من فقه الخاصة، ومن الأسرار التي لا ينبغي للجماهير أن تعرفها.(الحياة اللندنية)